النهار
الأحد 29 ديسمبر 2024 08:25 صـ 28 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: جريمة المنيا من زاوية أعمق

الكاتب الصحفى أسامة شرشر
الكاتب الصحفى أسامة شرشر

لا يمكننى أن أرى هذه الجريمة البشعة التى استهدفت إخواننا الأقباط بالمنيا وهم فى طريقهم لدير الأنبا «صموئيل المعترف» من زاوية ضيقة بوصفها عملاً إرهابياً وحسب، لكن زاوية الرؤية ونحن ننظر لهذه الجريمة البشعة يجب أن تتسع بمقدار اتساع المؤامرة على مصر واتساع أطرافها وعناصرها ويجب أن نقرأ كل ما يحيط بها، لذا أتساءل فى البداية: إذا كانت مصر جزءا من تحالف عربى، فأين هذا التحالف من التصدى للإرهاب الذى تواجهه مصر؟ 
ثم من الذى كان يمول الدواعش فى سوريا والعراق حتى وصلوا إلى ليبيا ومنها إلى مصر؟ 
السعودية أول من يعلم أن الجواب هو قطر وتركيا، ورغم ذلك تحالفت معهما، ونحن نقول إن مؤتمر الرياض أسفر عن لا شىء، وها هى مصر تدفع وحدها ثمن مواقفها فى مواجهة الإرهاب، فهل المؤتمر كان غرضه الوحيد الحشد لمواجهة الحوثيين وإيران؟ أم أن الأمر هو قضية الأمن القومى العربى بمفهومه الشامل، الذى يحمى كل الدول العربية من المحيط للخليج؟ 
كما أن هذه الدول تمتلك من وسائل التكنولوجيا والتقنية الحديثة، ما يجعلها تعلم تحركات الإرهابيين، فلماذا لا يحدث تبادل للمعلومات مع أجهزة الاستخبارات المصرية، التى سبق أن أبلغت السعودية بأكثر من معلومة أمنية عن عمليات إرهابية تهدد النظام السعودى واستقرار المملكة؟!.
أنا أفهم أن الإرهاب يضرب الاقتصاد، خاصة باستهدافه للسياحة، ولكننا الآن أمام إرهاب يحاول ضرب العقائد والأديان سواء كان دينا إسلاميا أو مسيحيا.. والسؤال هنا: لماذا لم نسمع عن عملية داعشية واحدة فى إسرائيل؟
أعتقد أن مصر مستهدفة وهى تقاوم الإرهاب بمفردها دون أى دعم عربى حقيقى أو دعم إقليمى أو دولى، كما أن أجهزة الاستخبارات التركية، صاحبة العلاقة الوثيقة بالاستخبارات الأمريكية، تعلم تماما أن القوات المسلحة المصرية قضت تماما على كل الخلايا الإرهابية والميليشيات والمرتزقة فى سيناء بالكامل بعد عملية جبل الحلال الساحقة، حتى خلت سيناء تماما من هذه التنظيمات إلا شراذم هنا أو هناك، فجن جنون التنظيم الدولى للإخوان الذى يتخذ من تركيا قاعدة لضرب مصر بعلم أردوغان وتخطيط المخابرات التركية، وتنسيق مع إسرائيل، لأنه لا يجرؤ على مثل هذا إلا بموافقة أمريكا وإسرائيل.
أنا لا أتخيل- رغم مواقفى من إيران- أن يكون هناك حلف أو جناح سنى فى المنطقة لمواجهة الجناح الشيعى الذى تمثله إيران ويضم فى عضويته إسرائيل، فإذا كنا كعرب تفاوضنا مع إسرائيل فى العديد من قضايا المنطقة، فكيف لا يكون هناك عقلاء أو حكماء للتفاوض والحوار مع إيران؟ فطهران بالرغم من تحفظاتنا على العديد من تحركاتها المشبوهة فى المنطقة، إلا أنه لا يجب أن نكون ملكيين أكثر من الملك، لأن أغلب دول الخليج بما فيها السعودية كانت لها علاقات سياسية مع إيران.
فأنا من دعاة أن يكون هناك حوار مع الجانب الإيرانى، وأن تكون المواقف ناتجة عن حوارات ولقاءات ومفاوضات تكشف حقيقة ما يريده الجانب الإيرانى صراحة، وكما قالها الحكماء من قبل «كل شىء قابل للتفاوض حتى التفاوض نفسه قابل للتفاوض».
من ناحية أخرى فإن اختيار مكان العملية الإرهابية فى المنيا يدل على تخطيط مخابراتى على أعلى مستوى، لأن هذا المكان بالتأكيد حددته أقمار صناعية تأكدت من خلوه من السكان، وبالتأكيد تمت مراقبته لفترة طويلة للمتابعة والتأكد من ضعف عملية التأمين، حتى سنحت لهم الفرصة فارتكبوا جريمتهم النكراء التى لا تمت للأديان ولا للإنسانية بصلة.
كما وصلتنا معلومات تؤكد أن هذه المنطقة لا توجد به تغطية من شبكات الاتصالات، وهذه كارثة كبرى، ألا تغطى شبكة الاتصالات كل أنحاء مصر فى هذه الظروف الحرجة؟، فنقاط الضعف هذه يستغلها الأعداء فى حروب الجيل الرابع والخامس، التى تعتمد على المعلومات ونقاط الضعف. 
والأخطر أننا نواجه إرهابا من داخلنا ليس معروفا أو مرصودا، ويحيا بيننا ليلا ونهارا بعدما استطاعت جماعة الإخوان غسل عقول بعض الشباب فى ظل غياب الدولة فى عهود سابقة، فاستغلوا الحاجة الاقتصادية لهؤلاء الشباب وضعف الثقافة الدينية، فغرسوا فى نفوسهم الكراهية والحقد تجاه الآخر، وعلموهم أن قتل المسيحيين «الكفار» تقرب إلى الله، وهذا ما أوصل الشباب سواء فى داخل مصر أو حتى فى أوروبا إلى هذا التطرف وهذه الكراهية تحت مسمى الجهاد فى السبيل الله والسعى إلى الجنة.
لذلك ليس بالأمن وحده نواجه الإرهاب، ولكن دعونا أولا نعترف بالقصور فى التثقيف الدينى والتعليم والثقافة، ما يستوجب أن نسعى لمعالجة كل نقاط الضعف هذه، لنتغلب على هذه المحنة الفكرية، التى لن يكون حلها من خلال المراجعات الفكرية وحدها، ولكن بتغيير الفكر والرؤية والفلسفة لطلاب المدارس فى المدارس والكنائس وقصور الثقافة وكل مكان، حتى نبنى جيلاً يحب الآخر ويؤمن بالمواطنة ليس كنص دستورى فحسب، ولكن كأمر بديهى وواقعى. فعندما نلغى المجالس العرفية ونحتكم جميعاً للقانون والمؤسسات، نكون قد بدأنا فعلاً فى بناء الوطن من جديد بعد أن استعدناه من أيادى جماعة الإخوان الإرهابية.