اسامة شرشر يكتب : لقاء الكبار فى البيت الأبيض
تأتى زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى واشنطن، ولقاء الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، لتفتح آفاقا جديدة لعودة الدور الإقليمى المصرى فى المنطقة العربية والشرق الأوسط، فيما يتعلق بملف الإرهاب، ووقف المد الإيرانى والتركى فى المنطقة، وكذلك لاستعادة دور مصر فى القضية الفلسطينية والملف السورى والليبى والسودانى، خاصة أن الإدارة الأمريكية تتطلع لشراكة اقتصادية جديدة بعد أن وصل التبادل التجارى بين البلدين إلى 5 مليارات جنيه.
وتأتى الزيارة بعد عديد من المطبات السياسية فى العلاقات المصرية الأمريكية، فلمدة 11 عاما، ساد الهدوء تارة والتوتر والجمود تارات أخرى، إلا أن الرئيس أوضح أمام الإدارة الأمريكية زيف المتشدقين والمتنطعين بأوهام الديمقراطية والمستغلين ورقة حقوق الإنسان للضغط على الدولة، فهل سيتخذ ترامب قرارا باعتبار التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين «تنظيما إرهابيا» فى أمريكا مثلما فعلت روسيا، وكما تعهد الرئيس الأمريكى فى لقائه مع الرئيس السيسى قبيل الانتخابات الأمريكية؟
ويبدو أن الإدارة الأمريكية قد أدركت دور مصر الكبير فى منع المتطرفين من الوصول لأوروبا وأمريكا، خاصة من خلال الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط، حيث تستضيف مصر 5 ملايين لاجئ، يعيشون بين المصريين ويتلقون نفس الخدمات التى يتلقاها المصريون، دون مقابل.
كما التقى الرئيس عددا من قيادات الكونجرس ومجلس الشيوخ الأمريكيين، لشرح أبعاد ما يحدث فى سيناء وانعكاسه على ما يجرى فى أوروبا وأمريكا، والتأكيد مرة أخرى على أنه لا أحد فى مأمن من الإرهاب، الذى طال كل أنحاء العالم حتى وصل قلب أوروبا، وآخرها عملية الاعتداء الآثمة التى حدثت أمام مجلس العموم البريطانى.
وفيما يتعلق بالملف الاقتصادى، شارك فى زيارة الرئيس السيسى وزراء من المجموعة الاقتصادية، منهم الدكتور طارق قابيل، وزير التجارة والصناعة، والدكتورة سحر نصر، وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى، والدكتور عمرو الجارحى، وزير المالية، ليشرحوا لرجال الأعمال والمستثمرين الأمريكان، الإجراءات التى اتخذتها مصر لتهيئة مناخ الاستثمار وطمأنة رجال الأعمال، بالإضافة إلى ذلك، التقى الرئيس السيسى، خلال الزيارة، مدير البنك الدولى، وعددا من رؤساء أضخم الشركات فى العالم مثل جينرال إلكتريك ولوكيهد مارتن، وكبار رجال الأعمال الأمريكيين، وهو الأمر الذى يعطى دلالة ومؤشراً على عودة العلاقات لوضعها الصحيح، فى المرحلة القادمة.
وأهم ما تميزت به زيارة الرئيس السيسى للولايات المتحدة الأمريكية، هو عرض مصر وجهة نظرها فى العديد من القضايا، بالإضافة إلى اكتشاف الإدارة الأمريكية أن مصر لديها العديد من الأوراق السياسية فى المنطقة، خاصة فيما يتعلق بملف الإرهاب، الذى أصبحت مصر تمتلك فيه خبرة كبيرة فى التعامل مع التنظيمات الإرهابية، والقضاء عليها، فسيناء- الآن- فى طريقها للتطهير التام من العناصر المتطرفة، بعد أن كانت ساحة لكل التنظيمات الإرهابية فى عهد الإخوان.
كما أدركت الإدارة الأمريكية أن المشهد المصرى اختلف تماماً وأن مصر عادت لتقود العالم العربى، من خلال رؤيتها وقوتها وعودتها للساحة السياسية العربية فى كثير من الملفات، كما أن مجىء الملك عبدالله وإقامته فى نفس فندق إقامة السيسى يعطى مؤشرا ودلالة على عودة التنسيق العربى خاصة المصرى والأردنى والفلسطينى فى المرحلة القادمة، وهو ما يدل عليه أيضا تراجع ترامب عن نقل السفارة الأمريكية فى الأراضى المحتلة للقدس.
وأوضحت الزيارة مدى التنسيق العربى لوقف الزحف الإيرانى والتركى ووقف تدخل الدولتين فى الملفات العربية، وهو الأمر الذى فضح المخططات التى ظهرت نتيجة غياب الدور العربى، بعد فضح دور قطر فى دعم الإرهاب.
إن مصر تستعيد عافيتها السياسية إقليمياً فى مواجهة الدور القطرى والتركى القذر، وعادت لتقود العالم العربى فى المفاوضات السلمية لقضية الصراع العربى الإسرائيلى.
ودلت الزيارة أيضاً على مدى الشرعية الدولية الكبيرة التى يحظى بها السيسى، وفضحت أكاذيب أردوغان، الذى سعى حثيثاً لتعطيل الزيارة، ليثبت أكاذيبه بشأن النظام المصرى، فجاء لقاء السيسى وترامب ليكون رسالة لكل من تركيا وإيران أن مصر عادت بقوة لتتصدر المشهد فى المنطقة العربية، وكلاعب رئيسى فى الملفات الإقليمية، وأن محاولاتهم لاختراق العالم العربى لن تنجح، حتى لو حظوا بدعم من الإعلام الأمريكى الذى ما زال موالياً لإدارة أوباما والتنظيم الدولى، وكاد يحدث أزمة فى العلاقات المصرية الأمريكية، إلا أن إتمام الزيارة جعل الإخوان يلفظون أنفاسهم الأخيرة، فبدأوا يشيعون أن هناك مظاهرات فى واشنطن ضد سياسات الرئيس السيسى، واستعانوا فى ذلك ببعض الهاربين من عناصر الجماعة، وبعض الخارجين عن الصف من أقباط المهجر، وبعض العناصر المتعاطفة من إدارة أوباما، والمرتبطين بهيلارى كلينتون.
وأخيراً فإن المشهد المصرى أصبح أكثر ثقة ووضوحا وصراحة لدى الإدارة الأمريكية، التى أعادت المصالح المشتركة كأولوية فى العلاقات المصرية الأمريكية، وأعتقد أن هذه الزيارة ستحدد إلى حد كبير الاتجاه المستقبلى للعلاقات المصرية الأمريكية الجديدة فى المرحلة القادمة، والتى أظن أنها ستكون مبنية على الصراحة والشفافية والاستفادة المتبادلة بين البلدين.