اسامة شرشر يكتب : تعديل الخطاب التعليمى
تتلخص مشكلة مصر فى التعليم فى تعدد القرارات والسياسات والوزراء بلا أى آلية أو منهج أو خطة أو رؤية تحدد منظومة التعليم الذى أصبح مباحاً ومستباحاً للعبث به.
ورغم أن التعليم أمن قومى للمواطن المصرى، فإننا أصبحنا حقل تجارب لقرارات وبرامج غير مدروسة تطبق لفترة ثم تلغى عندما يأتى وزير جديد.
فلذلك نادينا تحت قبة البرلمان، وفى لجنة التعليم بضرورة وضع آلية جديدة للتعليم فى مصر من خلال إنشاء مجلس أعلى للتعليم برئاسة رئيس الجمهورية، وهذا المجلس يضع سياسات وخططاً وأهدافاً تعليمية لا تتغير بتغير الوزير، ويتم وضع هذه السياسات من خلال خبراء بالمناهج التعليمية والمحتكين بالمنظومة التعليمية فى مصر، ولا مانع من الاسترشاد بتجارب الدول الأخرى مثل ماليزيا والهند وكوريا الجنوبية الذين جعلوا تعليم المواطن هدفاً أسمى وأمناً قومياً فأصبحت دولاً ناجحة وفاعلة على مستوى العالم من خلال النهضة الحقيقية للتعليم.
وبعيداً عن لغة الإحصاءات والبيانات إذ إنه لا تتوفر معلومات حقيقية ومؤكدة عن الخلل فى منظومة التعليم، إلا أننا يمكننا التأكيد على أن المدرس هو رأس الحربة فى العملية التعليمية، وبدون الاهتمام به تعليمياً وتثقيفياً ومادياً لن تكون هناك نهضة للتعليم فى مصر، وهنا أتذكر مقولة أنجيلا ميركل لأحد الباحثين فى ألمانيا عندما طالبها بأن يتساوى دخله بدخل المدرس، فأجابت: «كيف أساويك بمن علمك؟!».
وهنا يكمن المحتوى والمضمون.. فبدون المدرس لن ينهض التعليم أو تنصلح المنظومة.
الأمر الثانى الواجب الانتباه إليه لإصلاح المنظومة التعليمية هو المناهج الدراسية، التى أصبحت عبئاً على الطالب وولى الأمر وحتى المدرس، فالمناهج الحالية تحتاج لنسف لا لتطوير أو علاج، إذ كيف يعقل أن يتواجد الإخوان والدواعش فى أحد المناهج المقررة على الطلبة فى مرحلة ما، وما زالت حتى الآن، وكيف تعتمد المناهج على التلقين وليس الفهم والإبداع والتفكير؟!.
دعونا نتحدث عن مدارس المتفوقين التى أصبحت من النماذج الرائدة فى العالم، والمثير والمدهش أن صاحبة البحث الحائز على المركز الأول فى العالم كانت طالبة مصرية فى مدرسة متفوقين بالمعادى تسمى نرمين، وهكذا يكون إعداد الطلاب والاهتمام بالتعليم.
الضلع الثالث من أضلاع العملية التعليمية هو الطلاب، إذ لا بد من تغيير ثقافة الطلاب لاحترام المدرس والالتزام بالحضور، والضلع الرابع هو توفير الأدوات والإمكانات اللازمة لإتمام عملية التعليم، متمثلة فى بناء مدارس وفصول محترمة لتكون بيئة حاضنة للطلاب وليست طاردة لهم.
من هنا يكتمل مربع النهضة الحقيقية فى التعليم من خلال آليات يضعها المجلس الأعلى للتعليم لضبط المنظومة فى مصر، فالأمم تقاس نهضتها وحضارتها وثقافتها من خلال جودة التعليم بها.
وأخيراً أنا أراهن على نجاح الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم الجديد، ومستواه العلمى والفكرى، لأنه جاء من خارج الصندوق وبعيداً عن دهاليز منظومة وزارة التربية والتعليم، فهو رجل تربى فى مصر، وخرج للعمل فى منظمات عالمية مثل الأمم المتحدة واليونسكو، ولديه رؤية حقيقية فى تطوير المنظومة التعليمية بشكل واقعى بعيداً عن لغة الشعارات والكلام والإعلام، لأنه- للأسف الشديد- أصبحت العملية التعليمية فى مصر مفعولاً به وليست فاعلاً، ورد فعل لشعارات ورغبات أولياء الأمور والطلاب، وهو أمر إن دل على شىء فهو يدل على وجود خلل فى المنظومة التعليمية فى مصر.
فلذلك عندما يتم ضبط الرؤية والخطة والمناهج، والأهم تفعيل القانون وتنفيذه سيكون عندنا تعليم نباهى به الدول الأخرى، وستعود مصر قاطرة للتعليم على مستوى العالم العربى والشرق الأوسط.