النهار
الأحد 29 ديسمبر 2024 09:13 صـ 28 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

اسامة شرشر يكتب : شهداء تحت الطلب

تلقيت دعوة كريمة من الشئون المعنوية بالقوات المسلحة برئاسة اللواء محسن عبدالنبى، لزيارة مصابى العمليات الإرهابية فى سيناء بمستشفى المعادى العسكرى، واستقبلنى العميد النشط، ياسر وهبة، من الشئون المعنوية، واللواء طبيب محمود الهلالى، مدير المجمع الطبى للقوات المسلحة بالمعادى.. وكان اللقاء كعادته استثنائياً، خاصة مع الصحبة الرائعة، حيث وجدت مجموعة من رؤساء التحرير والفنانين يزورون هؤلاء الأبطال الذين تعجز الكلمات عن وصفهم، فعندما التقيت بهم لم أكن أتخيل بشاعة الأعمال الإرهابية، إذ وجدت شاباً من رجال القوات المسلحة فى الثانية والعشرين من عمره فاقداً ساقيه، إلا أن ما رد إلىّ روحى فعلاً هو أنى وجدته راضياً والابتسامة لا تفارق وجهه، وبجانبه والدته الريفية التى ما زالت بصمات الأصالة والقيم والأخلاق تظهر على وجهها النقى الطاهر، وهزنى على المستوى الإنسانى والمهنى أن دعانى هذا البطل إلى حفل زفافه على عروسه، مؤكداً أن الفريق أول صدقى صبحى وعده بحضور الزفاف.

كان هذا المشهد ضوءاً حقيقياً يبعث على التفاؤل والأمل فى مواجهة التيارات الظلامية والإخوانية ومرتزقة داعش الذين جاءوا من كل حدب وصوب لمحاولة بث الرعب والخوف فى قلوب أبناء سيناء الحبيبة، مهد الرسل والأديان، إلا أن ابتسامة أبطال القوات المسلحة كانت أقوى من الرصاص ومن الإرهاب ومن الإخوان.

أكدت لى الزيارة أن الروح المفقودة لدى أغلبنا تملأ قلوب ونفوس رجال القوات المسلحة وحتى الشباب منهم الذين لم يتجاوزوا العشرينات من أعمارهم بعد، حتى إنهم طالبوا قياداتهم بالعودة مرة أخرى إلى أرض المعركة لاستكمال مهمتهم فى مواجهة داعش وأشباهه، وعندما سألت أحد المصابين عن سبب رغبته فى العودة مرة أخرى أكد أنه مستعد للشهادة بنفس راضية وقلب مطمئن، لأنه مدرك أنه يفعل ذلك فى سبيل الحفاظ على عرض وشرف أخته وزوجته وأمه وألا يطاله هؤلاء البرابرة.

هذا المعنى لا بد أن نتوقف أمامه طويلاً، فالدفاع عن الأرض والوطن كالدفاع عن العرض والشرف، وكنوز الدنيا لا تساوى قيمة الوطن والشرف، ووجودك داخل وطنك أفضل بمراحل من أن تكون بلا وطن.

هذه المواقف هزتنى كثيراً، ولم أجد من الكلمات ما يعبر عن هذا المشهد البطولى والإنسانى والدرامى، فكانت رسالتى لهم: أنتم الأبطال الحقيقيون ونحن بكم ولكم، ندفعكم إلى الأمام ونحمى ظهوركم، ووجهت رسالة إلى وزيرى الشباب والرياضة والتربية والتعليم أن يدعوا شباب مصر فى المدارس والجامعات من المدن والقرى والنجوع ليروا زملاءهم من الشباب الذين فقدوا أطرافهم وهم فى زهرة الشباب، وهم راضون ومقتنعون، لتكون رسالة واقعية وعملية للأجيال الجديدة، أنهم ينامون ويسهرون وينفقون أعمارهم على مواقع التواصل الاجتماعى وأقرانهم على خط النار يدفعون أرواحهم فداء لهم، وحفاظاً على الدولة المصرية من المخططات الإرهابية التى تمولها بالمال والسلاح أجهزة استخبارات دولية.

هذه الزيارة جعلتنى أتوقف طويلاً أمام هؤلاء الشباب الذين أعادوا مصر إلى عصر الستينيات والسبعينيات فى الفداء والتضحية، وأكدوا ما هو معروف أن رجال القوات المسلحة والشرطة هم شهداء تحت الطلب فى أى لحظة وفى أى مكان وفى أى أرض، يدفعون ثمن الدفاع عن بقائنا ووجودنا كدولة مستقرة وقوية.

فالأوطان باقية والأفراد إلى زوال، ولكن يجب أن نرفع القبعة وننحنى لرجال القوات المسلحة الذين ضربوا ويضربون أروع الأمثلة بلا إعلام أو إعلان  للذود والدفاع عن أرضنا وشرفنا وبقائنا.