مصطفى متولي: من ينكرون على الصوفية السماع والمعازف يوقظون الفتن مستندين لأحاديث ضعيفة

في رد منه على ما أثير مؤخراً بفعل منشور على مواقع التواصل الإجتماعي تحت عنوان "الغناء المقترن بالمعازف حرام سواء كان إنشاداً صوفياً أم غناء عاطفياً"، أكد وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية عن قسم الجمالية، الشيخ مصطفى متولي، بداية لا نرغب في خوض معارك في غير ميادينها، كما أننا نفضل الابتعاد عن القضايا الفرعية التي قد تشتت الشباب، الذين يسعون لمعرفة الدين الصحيح، إذ يجدون أنفسهم أمام أناس تستند في حديثها إلى الكتاب والسنة، ولكن دون فهم دقيق لها وبغير وعي بالتبعات التي قد تؤدي إلى ما يؤدي ذلك به إلى بلبلة في عقول الناس، أو يوقظون الفتن نحن جميعاً في غنى عنها هذا ، ونحن في أشد الحاجة الي الوحدة بعيداً الجدال والفرقة، لذا، أود أن أعبّر عن رأيي بوضوح، دون أن يكون ذلك ردًا على أشخاص أو علماء محددين، فالرأي يُقبل ويُرد، باستثناء ما جاء عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يُؤخذ منه ولا يُرد، وبالنسبة إلى السماع والمعازف عند الصوفية، وقع الخلاف حول الغناء والسماع والمعازف قديمًا وحديثا ، وثار الجدل بين الفقهاء حول حل ذلك أو تحريمه، ومن الكتب النادرة التي ألفت في هذا الموضوع " كتاب السماع " لابن القيسراني أحد أئمة الحديث في القرن السادس الهجري، ناقش فيه مخالفيه في أسلوب علمي دقيق ونهج مستقيم وقال في مقدمته : " ليس لأحد بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يحرم ما أحل الله لا بدليل ناطق من آية محكمة أو سنة مرضية صحيحة أو إجماع من الأمة علي مقالته ... ومن حرم السماع استندوا في التحريم علي أحاديث الكذبة والمجروحين الذين لا يقوم بروايتهم حجة ، وبأقاويل من فسر القرآن علي حسب ــ هواه ورأيه"
وأضاف الشيخ مصطفى متولي، وقد أخرج ابن سعد في الطبقات عن بن عمر قال " سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول " إن محرم الحلال كمحلل الحرام"، والغناء ظاهرة إنسانية تشترك فيها جميع الأمم لأنه من خصائص الطباع البشرية ، فلكل حاسة من حواس الإنسان مستلذاتها فالعين تستلذ المناظر الجميلة والأنف يستلذ الروائح اللطيفة وحاسة اللمس تستلذ الملامس الرقيقة اللينة والأذن تستلذ الأصوات العذبة، والحناجر مختلفة الأصوات فمنها ما هو عذب كأصوات البلابل ومنها مستنكر كخوار البقر ونهيق الحمير وفي كتابه أحياء علوم الدين بسط الغزالي رأيه وقال " أعلم أن قول القائل : السماع حرام ـ معناه أن الله تعالي يعاقب عليه ، وهذا أمر لا يعرف بمجرد العقل بل بالسمع ومعرفة الشرعيات محصورة في النص أو القياس على المنصوص ، وأعني بالنص ما ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم بقوله أو بفعله ، وبالقياس المعني المفهوم من ألفاظه وأفعاله وإن لم يكن فيه نص ولم يستقم فيه قياس علي منصوص بطل القول بتحريمه وبقي فعلا لا حرج فيه كسائر المباحات ، ولا يدل علي تحريم السماع نص ولا قياس .
واستطرد وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية عن قسم الجمالية، وأما الشافعي رضي الله عنه، فليس تحريم الغناء من مذهبه أصلا ، قال يونس بن عبد الأعلي الأعلى : سألت الشافعي رحمه الله عن إباحة أهل المدينة السماع فقال الشافعي " لا أعلم أحدا من أهل الحجاز كره السماع إلا ما كان منه في الأوصاف " يعني أوصاف النساء " .
وفي سن بن ماجة عن إسماعيل بن عبد الله عن ميسرة مولي فضالة بن عبيد قال " قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " لله أشد أذنا إلي الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القينة إلي " قينته " وقال أبو الحاكم في كتاب المستدرك : هذا حديث صحيح علي شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه . ووجه الاحتجاج من هذا الحديث هو أن النبي صلي الله عليه وسلم يستمع إلي حسن الصوت بالقرآن كما يستمع صاحب القينة إلي قينته ، فأثبت تحليل السماع إن لا يجوز أن تقيس علي محرم .
وقال مصعب الزبيري قال : حضرت مجلس مالك بن أنس فسأله مصعب عن السماع فقال مالك" ما أدري ، أهل العلم ببلدنا لا ينكرون ذلك ولا يقعدون عنه ولا ينكره إلا غبي جاهل أو ناسك عراقي غليظ الطبع" .
وعن إبراهيم بن عبد الله قال حدثني المزني قال مررنا مع الشافعي وإبراهيم بن إسماعيل علي دار قوم وجارية تعني خليلي ما بال المطايا كأننا نراها علي الأعقاب بالقوم تنكص " فقال الشافعي ميلوا نسمع ، لما فرغت قال الشافعي لإبراهيم أيطربك هذا قال لا قال الشافعي : فمالك حس ؟ ( أنظر طبقات الشافعين 143 / 1 نهاية الأدب 191 / 24).
وأكمل الشيخ مصطفى متولي، وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية عن قسم الجمالية،أما عن القول في استماع المعازف والأوتار، في الجزء الثاني من كتاب السماع لابن القيسراني أمام الحديث ( 448 ـ 507 ه ) .
" أما القول في استماع القضيب والأوتار لم نجد في إباحته أو تحريمه أثرا لا صحيحاً ولا سقيماً، وإنما استباح المتقدمون استماعه لأنه مما لم يرد الشرع بتحريمه فكان أصله الإباحة . وعن جابر قال : كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يخطب قائماً ثم يقوم فيخطب قائماً ــ وكن الجواري إذا أنكحوهن يمرون يضربون بالدف والمزامير فيتسلل الناس ويدعون رسول الله صلي الله عليه وسلم قائماً فعاتبهم الله عز وجل فقال " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما " هذا حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم ، والله عز وجل عطف اللهو على التجارة وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه وبالإجماع تحليل التجارة ، فثبت أن هذا الحكم مما أقره الشرع علي ما كان عليه في الجاهلية لأنه غير محتمل أن يكون النبي صلي الله عليه وسلم حرمه ثم يمر به علي باب المسجد يوم الجمعة ولم ينزل في تحريمه أيه .
وأخرجه البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها زفت امرأة من الأنصار إلي رجل من الأنصار فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : أما كان معكن من لهو ؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو وهذا حديث يدل علي جوازه .
وأشار وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية عن قسم الجمالية، الشيخ مصطفى متولي، إلى أن الأحاديث الضعيفة التي استند
إليها من ينكر السماع، الإحتجاج بحديث ما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال " من استمع إلي قينه صبا في أذنيه الأنك " وهو حديث رواه أبو نعيم الحلبي عن عبد الله بن المبارك عن مالك عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك ، وهو حديث منكر .