النهار
الجمعة 21 فبراير 2025 10:32 مـ 23 شعبان 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

تقارير ومتابعات

البيت المحمدي للتصوف: نحيي الشعب الفلسطيني المتمسك بأرضه ووطنه رغم معاناته وتضحياته

أصدر البيت المحمدي للتصوف بيانًا، أكد فيه دعمه الكامل لدور مصر المُتواصلِ في دعمِ حقِّ الشعبِ الفلسطينيِّ العادلِ والمَشروعِ في تقريرِ مصيرِهِ بتحريرِ أرضِهِ وإقامةِ دولتِهِ وعاصمتُها القدسُ، كما أعرب عن تحيته للشعب الفلسطيني المتمسك بأرضه ووطنه رغم معاناته وتضحياته، وشدد البيان على أن تهجيرَ الفلسطينيَّين مِن قطاعِ غزَّةَ بتهديدِ مصرِ والأردنِ أو غيرِهما مِن الدُّولِ يُشكِّلُ انتهاكًا صارخًا لميثاقِ الأممِ المُتحدِةِ وفقًا لمادَّتِه الثَّانيةِ/ الفقرةِ الرَّابعةِ، التي تَقضي بضرورةِ امتناعِ الدُّولِ جميعِها في علاقاتِها الدُّوليةِ عن التهديدِ باستعمالِ القوَّةِ أو باستخدامِها ضدَّ سلامَةِ الأراضي، أو الاستقلالِ السياسيِّ لأيَّةِ دولةٍ، أو على أيِّ وجهٍ لا يَتَّفقُ ومقاصدَ الأممِ المُتحدَةِ.

وجاء نص البيان الذي أعلنه الدكتور محمد مهنا، أستاذ القانون الدولي بجامعة الأزهر وخادم البيت المحمدي كالتالي:
في إطارِ التَّطوراتِ المُتصَاعدَةِ التي تشهدُها القضيَّةُ الفلسطينيَّةُ مؤخرًا، ودعواتِ التَّهجيرِ القسريِّ للفلسطينيينَ من قطاعِ غزةَ، تتويجًا لحربِ الإبادةِ والتَّطهيرِ العرقيِّ التي استمرَّت على مَدارِ العامِ ونصفٍ، وإدراكًا منَّا لمخاطرِ هذه المُحاولاتِ، وتداعياتِ ذلكَ على الأمنِ القوميِّ لمصرَ والمنطقةِ بأكملها، وانطلاقًا مِن مسؤوليَّتنا الدينيَّةِ والحضاريَّةِ والوطنيَّةِ والقوميَّةِ والإنسانيَّةِ، وواجبِنا في نُصرةِ الحقِّ والمُستضعفينَ في الأرضِ، وحمايةً لأمنِ واستقرارِ أوطانِنا، واستمرارًا لمُؤازرَةِ دورِ مصرَ المُتواصلِ في دعمِ حقِّ الشعبِ الفلسطينيِّ العادلِ والمَشروعِ في تقريرِ مصيرِهِ بتحريرِ أرضِهِ وإقامةِ دولتِهِ وعاصمتُها القدسُ، فإنَّ مؤسَّسةَ البيتِ المحمَّديِّ للتصوفِ تُعلنُ وتؤكِّدُ بهذا البيانِ:

أولاً: تحيةَ إجلالٍ وإكبارٍ للشَّعبِ الفلسطينيِّ المُرابطِ المُتمسِّكِ بأرضِهِ ووطنِهِ رغمَ معاناتِهِ وتضحياتِه جراءَ جرائمِ حربِ الإبادةِ والتَّجويعِ والتَّعطِيشِ وغيرِها مِن المُمارساتِ المُنافيةِ لحُقوقِ الإنسانِ، مُقدمًا بذلك أروعَ الأمثلةِ على الإيمانِ والشجاعةِ والتضحيةِ والفداءِ، وما ذلك بجديدٍ على مسيرةِ صمودِ الشَّعبِ الفلسطينيِّ في الدِّفاعِ عن حقِّه في أرضِهِ ووطنِهِ ووجودِهِ.

ثانيا: إنَّ الرَّئيسَ الأمريكيَّ بإقدامِهِ على تهجيرِ الفلسطينيِّينَ قسرًا؛ إنَّما يُقدِّمُ نفسَهُ للعالَم باعتبارِهِ مُرتكبًا لجرائمِ حربٍ، وجرائمَ ضدَّ الإنسانيَّةِ، وجرائمَ تطهيرٍ عرقيٍّ، نص عليها مِيثاقِ روما الأساسيِّ، في مادَّتِهِ الثَّامنةِ، والثانيةِ فقرة 7/ د الأمرُ الذي يَدخُلُ في اختصاصِ المحكمةِ الجنائيَّةِ الدَّوليَّةِ، فضلًا عنِ اختصاصِ محكمةِ العدلِ الدَّوليَّةِ التى لا يُمكنُ للولاياتِ المُتَّحَدَةِ الأمريكية الانسحابَ منها، وإلَّا كانت مُنسَحبَةً مِن ميثاقِ الأممِ المُتحدَةِ؛ ومن ثم قاضية على نفسَها بالعُزلَةٍ الدوليَّةٍ.

ثالثا: إنَّ تهجيرَ الفلسطينيَّين مِن قطاعِ غزَّةَ بتهديدِ مصرِ والأردنِ أو غيرِهما مِن الدُّولِ يُشكِّلُ انتهاكًا صارخًا لميثاقِ الأممِ المُتحدِةِ وفقًا لمادَّتِه الثَّانيةِ/ الفقرةِ الرَّابعةِ، التي تَقضي بضرورةِ امتناعِ الدُّولِ جميعِها في علاقاتِها الدُّوليةِ عن التهديدِ باستعمالِ القوَّةِ أو باستخدامِها ضدَّ سلامَةِ الأراضي، أو الاستقلالِ السياسيِّ لأيَّةِ دولةٍ، أو على أيِّ وجهٍ لا يَتَّفقُ ومقاصدَ الأممِ المُتحدَةِ.

رابعا: إن َّمحاولاتِ اقتلاعِ الشَّعبِ الفلسطينيِّ مِن أرضِهِ وتاريخه، وتحويل هذه الأرض إلى مشروعٍ استعماريٍّ صهيونيٍّ فجٍّ، يُعدُّ تصفيةً للقضيَّةِ الفلسطينيَّةِ، وظلمًا تاريخيًّا، ووصمةَ عارٍ في جبينِ دولِ العالَمِ كافَّةً، فضلًا عن الدُّولِ الكُبرَى، ونقضًا لعهودِها، وانتهاكًا لما انتَهَتْ إليه مِن قراراتٍ أصدرتها منظَّمَةِ الأممِ المُتَّحدِةِ، التي تُمثِّلُ الشَّرعيَّةَ الدُّوليَّةَ، خاصَّةً القرار 242 لسنة 1967م، الخاصِّ بانسحابِ إسرائيلَ من الأراضِي التي احتلَّتْها، والقرار 194 لسنة 1948م، الخاصِّ برفضِ الاستيلاءِ على الأراضي بالقوَّةِ وضمانِ حقِّ اللَّاجئينَ الفلسطينيِّينَ في العودةِ إلى ديارِهم، والقرار رقم 338، 181، وغيرِ ذلك مِن القراراتِ؛ الأمرُ الذي يُعرِّضُ النِّظامَ الدُّوليَّ للانهيارِ.

خامسا: إنَّه لمِنَ السُّخريةِ والاستخفافِ بالعالَمِ أجمعَ؛ إختزال المشكلةِ الفلسطينيَّةِ في إعمارِ غزَّةَ أو في تنميتِها اقتصاديًّا، أو في جعلِها ريفييرا الشَّرقِ الأوسطِ؛ وإنَّما تَكمُنُ المُشكلةُ الحقيقيَّةُ في استمرارِ الاحتلالِ الصّهيونيِّ، وحصارِ أهلِ غزَّةَ، وحصارِ أهلِ الضَّفَّةِ الغربيَّةِ، وممارساتِه الوحشيَّةِ ضدَّ الفلسطينيِّينَ، ومِن ثمَّ فلا سبيل لإحلال السَّلامِ في المنطقة إلا باستعادةِ الفلسطينيِّينَ لحقِّوقهمِ المَسلوبِة، غيرِ القابِلِة للتَّصرُّفِ، وذلك بتقريرِ مصيرِهم، وإقامةِ دولتِهم على أرضِهم وعاصمُتُها القدسُ؛ وفقًا لقراراتِ الشَّرعيَّةِ الدَّوليَّةِ.

سادسا: إنَّ النَّظرَ إلى أُطروحاتِ التَّهجيرِ القسريِّ للفلسطينيِّينَ المًفروضةِ مِن الخارجِ والغريبَةِ عن السِّياقِ الجغرافيِّ والتَّاريخيِّ والديمغرافيِّ للمنطقةِ باعتبارِها أمرًا فلسطينيًّا فحسب؛ هي نَظرَةٌ قاصرةٌ ضيِّقَةٌ، غيرُ واقعيَّةٍ، أِسقطَتْ مِن اعتبارِها التَّداعياتِ الخطيرةَ على الأمنِ القوميِّ المِصريِّ بشكلٍ مُباشرٍ، وعلى المنطقة بأكملها، خاصَّةً في ضَوءِ المُتغيِّراتِ الأمنيَّةِ والجغرافيَّةِ الضَّاغطةِ التي تَشهدُها المَنطقةُ، مُنذُ اندلاعِ ثوراتِ الخرَابِ العربيِّ، خلالَ السَّنواتِ الماضيةِ في ليبيا واليمنِ وسوريا ولبنانَ والعراقِ والسودانِ والصومالِ وغيرِها، فضًلا عن التَّداعياتِ الخطيرةِ النَّاجمةِ عن السَّابعِ مِن أكتوبرَ على قُدراتِ المُقاومَةِ في غزَّةَ وجنوبِ لبنانَ وسوريا بعدَ سُقوطِ نظامِ بشار؛ الأمرُ الذى أدَّى الى خروجِ كثيرٍ مِن قُوى الرَّدعِ العربيَّةِ مِن المُعادَلَةِ الأمنيَّةِ والجيوسياسيَّةِ للمنطقِةِ بما يخدمُ مخطَّطاتِ القُوى الطَّامعةِ في مَدِّ نُفوذِها على حِسابِ دولِ المنطقةِ، وغيرها من القُوَى السَّاعيةِ إلى إعادةِ تَقسيمِ المنطقةِ وتفتيتِ مراكزِ قوَّتِها؛ الأمرُ الذي يَضَعُ على عاتق شعب مصرَ تحمُّلَ أعباءِ تلكَ التَّداعياتِ، ومواجَهَةِ تلكَ المَخاطِرِ؛ بما يَستلزِمُه ذلك من تَحرُّك عربيّ، وإسلاميّ، ودوليّ، جادّ وحاسم وسريع.

سابعا: إنًّ جماهيرَ الشَّعبِ وكافَّةِ التَّياراتِ الوطنيَّةِ والمؤسَّساتِ الشَّعبيَّةَ والرَّسميَّةَ مدعوَّةً اليومَ للوقوفِ صفًّا واحدًا خلفَ قياداتِها الوطنيِّةِ من ناحية في: مُواجَهةِ تكالُبِ قُوَى الظُّلمِ والتَّكبُّرِ والاستعلاءِ لتغيِيرِ خارطَةِ المنطقةِ استجابةً لأطماعِ التَّوسُّعِ والهيمَنَةِ الصّهيونيَّةِ، ومن ناحية أخرى في سعيِها الدَّؤُوبِ للتَّسريعِ بعمليَّةِ إعادةِ الإعمارِ وتثبيتِ بقاءِ الشَّعبِ الفلسطينيِّ على أرضِهِ، وحقه فى تقرير مصيره وتحريرِ أرضِهِ ومقدَّراتِه مِن الاحتلالِ وإقامَةِ دولتِهِ على حدودِ 1967 وعاصمتُها القدسُ الشريفُ.

ثامنا: إعادةَ التأكيدِ على ما ورد في البيانِ السَّابقِ الصَّادرِ عن النَّدوةِ التي عَقَدَها البيتُ المُحمَّديُّ في 30 أكتوبر 2024، بعنوانِ: القضيَّةُ الفلسطينيَّةُ، وتحدياتُ الوضعِ الرَّاهنِ، خاصَّةً البنود: البندُ السادسُ والسابعُ والثامنُ والعاشرُ منهُ، والتي تُؤكِّدُ على أنَّ سياساتِ الكيانِ الصّهيونيِّ المُمَنهَجَةِ لإعاقةِ حلِّ الدَّولتينِ، والتَّوسّعَ في الاستيطانِ والعنفِ؛ إنَّما تَنطَلِقُ مِن العُقَدِ التَّاريخيَّةِ والنَّفسيَّةِ التي صاحَبَت نشأة هذا الكيانِ؛ فهي كِيانٌ ضدَّ منطقِ التَّاريخِ والجغرافيا والقانونِ وطبائعِ الأشياءِ، وإنَّه لمنَ الأوهامِ التَّعويلَ على ما لا يُعوَّلُ عليه، فإسرائيلُ التزامٌ استعماريٌّ يَقَعُ على عاتِقِ القُوَى الكبرى؛ فالغربُ ضامنٌ لها، ليسَ في وجودِها فقط، وإنَّما في فرضِ هيمنتِها وضمانِ تفوُّقِها، وبلا شكَّ إنَّ الأمَّةَ العربيَّةَ والإسلاميَّةَ تَمتلِكُ مِن مُقوِّماتِ القُوَّةِ ما يجعلُها قادرةً على استردادِ زمامِ المبادرةِ.


أخيرا: فإنَّ مصرَ التي تحَطَّمَتْ علَى أعتابِها الغزواتُ الكبرى، في حطِّينَ، وعَيْنِ جالوتَ، والمَنصُورةَ، ورَشِيدٍ، هى دائما مصر قاهِرةُ المُعِزِّ، هي مِصرُ اليومَ وغدًا، مَهمَا جارتْ عليها الأيَّامُ، وتَقلَّبَ لها الخصومُ، والأعداءُ، وستظل هي الصخرة التي تتحطم عليها كل التحديات، مهما عظمت(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).


جاء بيان البيت المحمدي في ختام الندوة الحوارية(التهجير القسري للفلسطينين وأبعاده القانونية والسياسية والأمنية) التي شارك فيها أساتذة القانون الدولي وعلماء التصوف وشيوخ من الأزهر وأساتذة الجامعات.

موضوعات متعلقة