العالم بيتفرج.. معاناة أطفال غزة من التجويع والقتل والصدمات النفسية
هل يمكنك وضع نفسك مكان طفل فلسطيني يأكل الموز لأول مرة في حياته مُنذ بدء الحرب الغاشمة؟، هذا ليس فحسب بل يظن أنه يأكل الدجاج كونه لا يستطيع التفرقة بين أصناف الطعام، وماذا يكون رد فعلك إذا علمت أن هناك الكثير من الأطفال يكونوا في حالة دهشة عند رؤية البيض الذي حُرموا منه لأكثر من عام مُنذ اندلاع الحرب على غزة، هذا هو الوضع المأساوي الذي يعيشه الطفل الفلسطيني والذي يقضي على طفولته وروحه البريئة بسبب الانعدام الحاد للأمن الغذائي في قطاع غزة والذي يزيد من الأمر سوءًا على وضع الطفل النفسي والغذائي، بسبب ما فرضته إسرائيل من قيود صارمة لمنع وصول المساعدات الإنسانية في القطاع كي تتبع سياسة تجويع ممنهجة يقع آثارها على الطفل الفلسطيني.
فقدان الإحساس بالأشياء الملموسة
قال أيمن الرقب، المحلل السياسي الفلسطيني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إنه خلال فترة 15 شهر من الحرب، هناك أجيال لا تدري الكثير من الأشياء الملموسة بسبب الظروف القاسية التي يعيشونها، وبالتالي فقدان الأشياء والأطعمة والاحتياجات المختلفة لفترة طويلة أدى ذلك أنها تكون في طريقها إلى النسيان لدى الأطفال، لافتًا أن حتى الصدمات النفسية جعلتهم أقل تركيزًا بسبب قسوة الظروف التي يمرون بها ورائحة الموت التي تنتشر في أرجاء الوطن.
وأضاف «الرقب» خلال تصريحاته الخاصة لـ«النهار» أن هذه الظروف القاسية كانت سببًا في فقدانهم الإحساس بالأشياء الملموسة، ومن ثم هذا يحتاج إلى علاج نفسي طويل حتى يعودوا مرة أخرى إلى حياتهم الطبيعية، متابعًا أنه هناك حرمان من الاحتياجات والإمدادات الغذائية إلى قطاع غزة وهذا يكون له أثره السلبي على السلامة الغذائية للطفل.
وتابع، أن الكثير من الإمدادات الغذائية ترتفع أسعارها بشكل ملحوظ، ومن ثم هذا يكون مساهمًا في عدم قدرة الأهالي على شرائها والحصول عليها، وخاصًة أن الأسرة بها عدد أفراد كبير نتيجة لأن مجتمع غزة عالٍ الخصوبة، ومن ثم هذا يتسبب في عدم القدرة على توفير هذه المستلزمات.
وأكد، أنه يمكن تجاوز هذه المرحلة المأساوية، بعد انتهاء الحرب أولًا، ثم يتم توفير لهذه الأجيال ملذات الحياة، وبعد ذلك يتم البدء في عملية العلاج النفسي لمختلف الأجيال في غزة، كما أنه يجب في هذه المرحلة إدخال الإمدادات ولكن بأسعار مُخفضة حتى يستطيع الجميع الحصول عليها.
قلة الطحين وفقدان رغيف الخبز
من جهته، أوضح ثائر أبو عطيوي، كاتب صحفي، ومدير مركز العرب للأبحاث والدراسات في فلسطين، أن واقع الطفل الذي يعيشه في الحرب المستمرة للشهر الرابع عشر على التوالي من حيث التغذية والحالة النفسية والصحية على وجه الخصوص هي حالة مأساوية صعبة للغاية، وذلك لأن المجاعة الحالية التي يعاني منها أكثر من مليون ونصف المليون نازح مشردين في الخيام ومراكز وهذا لقلة الطحين وفقدان رغيف الخبز من الأسواق، وتوقف المخابز التجارية كذلك لعدم وجود ما يكفي ولو القليل لسد احتياجات أهالي قطاع غزة من الخبز الذي يعتبر المصدر الأساسي للتغذية.
وتابع الكاتب الصحفي خلال حديثه الخاصة لـ«النهار» كي يشرح الوضع بشكل أوضح، أنه لا بد الإشارة وفقًا للاحصائيات الفلسطينية الموثقة والصادرة عن جهات الاختصاص والعلاقة بأن هناك 44 استشهدوا نتيجة نقص التغذية ونقص الطعام والمجاعة معظهم من الأطفال، وهناك أيضًا 3500 طفل معرضون للموت بسبب سوء التغذية ونقص الغذاء، وهناك أيضا 60 ألف امرأة حامل معرضة للخطر بسبب انعدام الرعاية الصحية، وهناك تقارير إعلامية سابقة من جهات الاختصاص تؤكد انجاب الحوامل لأطفال قصار القامة في المستقبل وهذا بسبب عدم توفر الأغذية المناسبة للنساء الحوامل وافتقارهن الشديد للأغذية التي يحتاجهن في فترة الحمل.
وأضاف، أما على الصعيد النفسي للطفل الفلسطيني الذي يعيش حرب الإبادة في قطاع غزة فهي تعتبر ظروف نفسية مأساوية للغاية، بداية من المعاناة من التبول اللاارادي بسبب الخوف والأرق المستمر وعدم انتظام النوم بسبب تواصل العدوان وسماع أصوات القصف والتدمير ومشاهدته للمجازر البشعة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد سكان القطاع، وخصوصًا عند رؤيتهم نفس الفئة العمرية الذين ينتمون لها وهي أشلاء مُقطعة بالكامل.
وكشف، أنه ووفق ما سبق فحياة الأطفال في ظل الحرب المستمرة حياة غير طبيعية، بل تعتبر الجحيم بعينه لأنها لا تدل على أي معالم للحياة سوى انتظار الموت قصفًا أو جوعًا أو مرضًا، لافتًا أنه من الممكن تخطي هذه الأزمة المأساوية ولكن بعد سنوات طويلة لترميم الواقع الصحي والنفسي للأطفال، بالإضافة إلى توفير لهم الأغذية المناسبة للنمو العقلي والجسدي من جهة والرعاية النفسية الخاصة، ومن جهة أخرى ضمن مشروعات عالمية كبيرة ومتخصصة في مجال رعاية الطفولة، لأن حجم ضرر هذه الفئة العمرية كبير للغاية بسبب الحرب الغاشمة، وبالتالي لا تستطيع الجهة الرسمية الفلسطينية أو أي من مؤسسات الطفولة أن تعمل على سد أقل الاحتياجات الصحية والنفسية واللوجستية للأطفال.
وأكد، أن هناك أطفال صغيرة في السن عاشت تجارب قاسية، من حالة اللجوء في الخيام ومراكز الإيواء ولا تعرف العديد من أنواع وأصناف الطعام وأسمائها وحتى لا تعرف أسماء الخضروات والفواكه نظرًا لندرتها في الأسواق التجارية، وإن كانت متوفرة بعضها فهي ليست في متناول الشراء من جموع النازحين ومن معظم أهالي قطاع غزة بسبب ارتفاع أسعارها.
وتابع، أنه يجب إدراك الواقع الإنساني والعامل النفسي والاجتماعي لأطفال كبرت أعمارهم و أصبحوا يدركوا الأشياء التي حولهم دون معرفة أسمائها، والتي منها الأطعمة والأغذية، نظرًا للعيش في الخيام وفي بيئة غير مؤهلة لتعليمهم وإدراكهم لكافة هذه الأشياء ومعرفتها عن قرب وملامستها بشكل مباشر و على أرض الواقع، الأمر الذي يعني كوارث نفسية حقيقية تنتظر أطفال غزة بالمستقبل ذات أمراض نفسية جديدة يحتاج علم النفس البشري لسنوات طوال للوصول لعلاج لها وهنا تظهر حجم المأساة والمعاناة والنكبة الإنسانية التي وقعت على أطفال غزة.
وسرد، أن المواد الغذائية التي تصل إلى قطاع غزة لا تكفي بالمطلق سد احتياج الأطفال والرضع منهم وكذلك من هم في عمر الطفولة، بسبب فرض الاحتلال الإسرائيلي القيود على إدخال أصناف معينة من الأغذية، وبسبب الحصار الإسرائيلي وإغلاقه للمعابر والمنافذ في معظم الأوقات والتحكم بالأصناف الغذائية وكمياتها وحجمها وإعدادها، فلهذا تجد الغالبية العظمى من الأطفال يتناولون في اليوم وجبة طعام واحدة فقط لا غير، الذي يعكس الصورة الحقيقية للمجاعة وصور الأطفال وهم يتضورون جوعًا، أو وهم يقضون طيلة يومهم واقفين منتظرين تكيات الطعام غير المناسب والصحي لهم من أجل ملء مواعينهم وحملها والذهاب بها لكي تكون وجبة أسرية واحدة للجميع ولمرة واحدة في اليوم.
وأشار إلى أنه، ليس هناك للأسف مقترحات لحماية أطفال غزة من الحرب سوى العمل من الدول العربية والمجتمع الدولي في إنهائها بشكل سريع وعاجل ونهائي، من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه وخصوصًا على صعيد الأطفال واحتياجاتهم للرعاية الغذائية التعويضية والصحية والنفسية والاجتماعية، حتى لا نجد أنفسنا في السنوات القريبة أمام جيل يعاني من العديد من الأمراض النفسية والعضوية التي لا حل لها.
وأوضح أنه يستوجب إنقاذ الأطفال في قطاع غزة، من خلال إطلاق نداء خاص لجامعة الدول العربية وأن تحمله للمجتمع الدولي ولكافة المؤسسات الدولية الإنسانية والحقوقية والمعينة بالطفولة، وأن يكون عنوان هذا المشروع «أنقذوا أطفال غزة»، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأن تتوحد كافة الجهود العربية والعالمية لحماية الطفل ودعمه غذائيًا وصحيًا ونفسيًا من أجل ضمان حالة الترميم الاجتماعي لأطفال قطاع غزة بشكل عاجل قبل فوات الأوان وأن يتحول معظهم لأصحاب أمراض عضوية ونفسية مزمنة ترافقهم طوال حياتهم وللأبد.
استهداف أطفال غزة
وفي سياق متصل، قال صلاح عبد العاطي، المحامي والناشط الحقوقي، ورئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني حشد، إنه يوجد في قطاع غزة قرابة مليون و100 ألف طفل، هؤلاء عانوا خلال حرب الإبادة الجماعية، من مختلف أنواع القتل المتعدد عبر المجازر المرتكبة بحقهم، فأن 70% من تركيبة الشهداء البالغ عددهم 60 ألف شهيد ومفقود هم من الأطفال والنساء، إضافة إلى 107 من الجرحى يكون 70% منهم من الأطفال والنساء، مضيفًا أنه هذا أن دل على شيء يدل على تعنت الاحتلال واستهداف الأطفال، فضلًا عن الترويع الذي تعرض له الأطفال جراء استخدام مختلف أنواع الأسلحة المدمرة.
وتابع الحقوقي الفلسطيني خلال تصريحاته الخاصة لـ«النهار» أن الأسلحة المدمرة تسببت في القضاء تمامًا على البنية التحتية، ومن ثم تدمير آمال وتطلعات أهل قطاع غزة، بالإضافة العيش في جحيم جراء سياسة التجويع والتعطيش ومنع الدواء والنزوح المتكرر والبقاء في أماكن غير صالحة للإنسان كمراكز الإيواء والخيام المحترقة، بالإضافة إلى فقدان كل الاحتياجات الإنسانية والأساسية وبالأخص الإمدادات الغذائية، لافتًا أن هناك الكثير من الأشياء يفتقدها الأطفال ومن أهمها الغذاء الذي قد يتعرف إليه الطفل وكأنها المرة الأولى له، وخاصًة أن هناك أطفال ولدوا في الحرب وعاشوا في فصولها ومعاناتها.
وحكي الناشط الحقوقي، أن الضغط النفسي أصبح جزءًا من حياة أطفال غزة، بسبب الصدمات النفسية التي يتعرضون إليها بصفة مستمرة، وبالتالي قد يتسبب ذلك في التأثير على ذاكرتهم وحياتهم المستقبلية وفي ظل نقص الاحتياجات من الطبيعي أن يفتقد الأطفال إلى الفاكهة والغذاء واللحوم والحلوى ومن ثم فأنها باتت مفقودة، كل ذلك يترك آثارًا نفسية وخيمة بسبب انتهاك كل حقوق الطفل سواء الواردة في اتفاقية حقوق الطفل أو الأخرى الواردة في قواعد القانون الدولي التي توفر حماية خاصة للأطفال، هذا كله يستوجب مسألة دولة الاحتلال على هذه الجرائم بحق الطفولة وأيضًا تقديم كل الدعم والإسناد لأطفال غزة وضمان تدفق المساعدات الإنسانية ووقف حرب الإبادة الجماعية.