أسامة شرشر يكتب: ما بعد اغتيال حسن نصر الله
لقد انفردنا فى موقع «النهار» وكشفنا أن هناك 3 شواهد تؤكد اغتيال حسن نصر الله قبل إعلان الخبر من الجانب الإسرائيلى بأكثر من 12 ساعة.
ولكن الكارثة الكبرى التى تحزننا أشد الحزن أن الإعلام العربى يستقى معلوماته وأخباره من الإعلام الصهيونى، والإعلام الغربى الوجه الآخر له، وليست لنا مصادر خاصة نستقى منها المعلومات والأخبار للرأى العام العربى، وهذه هى (أم الكبائر الإعلامية).
فأصبح إعلامنا- كما قالوا فى أحد الأخبار- هو (إعلام عشة الفراخ)، أو (لا إعلام على الإطلاق).
ولا بد أن نعترف بأن ما يجرى من أحداث وحروب واغتيالات كشف تراجعنا إعلاميًّا بشكل خطير، وهذا له أسبابه التى سنوضحها فيما بعد، ولكن كما تعلمنا فإن وقت الأزمات والحروب هناك ما يُسمَّى «إعلام التعبئة»، الذى ينقل من خلال المراسلين العسكريين كل ما يدور لحظة بلحظة، وخير شاهد على ذلك حرب أكتوبر 1973، وهذا يعيدنا بالذاكرة إلى العصر الذهبى للإعلام العربى، عصر ثروت عكاشة ومحمد عبدالقادر حاتم، وإذاعة صوت العرب التى كانت منصة إعلامية عربية وإفريقية، وصوتًا لكل حركات التحرر الوطنى فى كل مكان.
وها هو اليوم رغم ثورة تكنولوجيا المعلومات والأقمار الصناعية والقنوات الفضائية، فإننا للأسف الشديد خارج اللعبة الإعلامية بتفاصيلها ومحاذيرها ومهنيتها وسرعتها واحترافيتها، والأدهى أننا سندخل فى المرحلة القادمة زمن إعلام الذكاء الاصطناعى، فإعلام الشائعات أصبح هو المسيطر، أما الإعلام المهنى ففى خبر كان.
أردت أن أكشف وأوضح الأمر قبل أن أتحدث فى المحتوى والمضمون من خلال ما يُسمَّى الواقعية الإعلامية.
ماذا نحن فاعلون بعد اغتيال حسن نصر الله، أحد رموز المقاومة اللبنانية والعربية، سواء اتفقنا أو اختلفنا أيدلوجيًّا مع توجه حزب الله؟!
فما بعد الاغتيال يثير علامات استفهام كثيرة.. ونحن ندين طريقة اغتيال حسن نصر الله، اللا أخلاقية واللا إنسانية بقنابل أمريكية مخصصة لإبادة ما فوق الأرض وما تحتها، وهى جريمة بشعة بكل المعايير الإنسانية.
وأنا أنبه وأحذر من أن تصعيد نتنياهو- الذى أصبح يتحدث بلغة المريض النفسى- يجعل الكيان الصهيونى يفكر فى مزيد من الاغتيالات قد تصل إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية على خامنئى، وكذلك يحيى السنوار رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، الهدف المطلوب رقم 1 (الجائزة الكبرى)، وإلى قادة سياسيين فى العراق وسوريا ولبنان واليمن، فجنون العظمة جعل نتنياهو يقول إن هناك شرق أوسط جديدًا، ويتصور أنه حاكم هذا الإقليم ويتحكم فى موازين القوى فى الشرق الأوسط بل العالم، مدعيًا أن هناك تآكلًا فى الهلال الشيعى ممثلًا فى الميليشيات المنتشرة فى بعض العواصم العربية، ويقول إننا نستطيع أن نضرب أي مكان في العالم.
فموجة جنون الاغتيالات ونشوة تحقيق الأهداف، هدفًا تلو الآخر، وخاصة بعد اغتيال قاسم سليمانى فى العراق، وإسماعيل هنية فى إيران، وبعدهما أخطر شخصية فى الجناح العسكرى لحزب الله وهو فؤاد شكر- يبدو أنها لا نهاية ولا سقف لها، وسط مباركة الأمريكان والدول الأوروبية الذين لم يعلنوا إدانة واحدة لاغتيال أى ممن ذكرنا أسماءهم.. وهذا يعطى دلالة وانطباعًا أنهم يباركون هذه الخطوات.
فالمشهد الإنسانى فى لبنان يموج بمئات القتلى والجرحى، وأصبح النازحون من المدن اللبنانية، الذين وصل عددهم إلى أكثر من مليون شخص، بلا مأوى أو مكان، وبدون مساعدات إنسانية تصل إلى هذا الشعب الذى يدفع فاتورة الخلافات العربية- العربية.
والسؤال الذى يدور فى الشارع اللبنانى والفلسطينى والعربى: هل رفعت إيران يدها عن أحد أهم مكوناتها فى لبنان وهو حزب الله؟ وهل المقابل هو المصالحة مع الأمريكان والدول الغربية؟ وهل تغيرت قواعد الاشتباك من خلال هذه الميليشيات المنتشرة فى بعض العواصم العربية وستستغنى طهران عن الأجنحة العسكرية وتكتفى بالأذرع السياسية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية فى هذه المرحلة؟!.
الصورة غامضة وضبابية، ولا أحد يعلم ماذا سيجرى فى الفترة القادمة!.
ولكن يبدو أن إيران من أجل إتمام الاتفاق النووى ستغير من قواعدها فى المنطقة العربية، خاصة بعد أن أعلن الرئيس مسعود بزشكيان أمام العالم فى الأمم المتحدة أنه يرغب فى إقامة علاقات طبيعية مع أمريكا والدول الأوروبية.
وأعتقد أن الجناح الإصلاحى أصبح أكثر قوة من الحرس الثورى ومكتب المرشد الأعلى فى إيران، وهو يتحرك بشكل عملى، ويقود هذا التحرك أحد جنود الإصلاح الإيرانى وهو جواد ظريف الذى يرى أن إيران عليها أن تسعى لرفع العقوبات عنها وتقيم علاقات متوازنة وطبيعية مع العالم بأسره، وهى ليست ملتزمة بأى رد بعد مقتل حسن نصر الله من خلال الكيان الصهيونى، اللهم إلا إذا حدثت مفاجأة وقامت إيران بخطوة غير متوقعة وهى ضرب إسرائيل.
لقد أصبحت اللعبة بين إيران والعالم الغربى مليئة بالأسرار والمعطيات الجديدة، ولا أحد يعلم حتى الآن كيف سيكون شكل المنطقة بعد اغتيال حسن نصر الله الذى كان يمثل المرجعية و(ولاية الفقيه) على مدار حوالى 40 عامًا وكان يحكم قبضته على لبنان وكأنه جزء لا يتجزأ من الجمهورية الإيرانية.
والتساؤل الواقعى: هل سيقوم حزب الله باستكمال المواجهة مع الكيان الصهيونى حتى بدون دعم إيرانى؟ أم ستسيطر حالة الارتباك والإخفاق على الحزب بعد مقتل أغلب قياداته التاريخية؟!.
ولكن الأمر الخطير هنا هو انتشار العملاء داخل الهيكل التنظيمى لحزب الله بصورة لم يكن يتخيلها أحد، فتحركات حسن نصر الله نفسه كانت مرصودة بالتوقيتات؛ حتى قيل إنهم وصلوا إلى أدق التفاصيل، وهذا ما أدى إلى موجة الاغتيالات التى أعدت لها المخابرات الإسرائيلية على مدار سنوات من خلال عملائها المنتشرين فى إيران وسوريا ولبنان، وهذه هى نقطة الخطورة فى قضية الصراع الإقليمى مع إسرائيل، وأصبحت الخيانة هى لغة التعامل الأساسية والاستثناء هو النجاة منها.
والجزئية الثانية هى العلاقة الإيرانية الروسية وتبادل المصالح بين الدولتين.. فهل ستسمح روسيا بضرب إيران، خاصة بعد التبادل العسكرى من خلال المسيّرات والصواريخ الإيرانية فى أوكرانيا التى أشعلت غضب الأمريكان والأوروبيين؟!.
العلاقات تتغير سريعًا، وأصبحنا لا نعلم من مع من وضد من، فالمصالح بين الأفراد كالمصالح بين الدول هى سيدة الموقف، (والذى يدفع الفاتورة هو الشعوب العربية) التى نسيت أو تناست على مر السنين والعقود السابقة أن تشكل «لوبى عسكرى» يواجه هذه اللوبيات التى لا تعرف إلا مصالحها فقط، وأن إسرائيل فوق الجميع.. فى ظل ما يستجد من غموض فى الموقف الصينى أمام ما يسمى المتغيرات الجيوسياسية للمواقف والمصالح بين الدول.
فهل سيصبح العالم متعدد الأقطاب أم يظل أحادى القطب تقوده الولايات المتحدة رغم أنف الجميع؟!.
الوضع خطير جدًّا، وتداعياته المستقبلية أكثر خطورة، ولعبة الاغتيالات فى تصعيد مستمر، والنتنياهو أثناء زيارته نيويورك حظى بدعم وتأييد من الحزبين الديمقراطى والجمهورى لاستمرار مسلسل الاغتيالات.
فلن يكون حسن نصر الله آخر من تم اغتياله، ولكن أخشى ما أخشاه أن تطال الاغتيالات قيادات فى إيران وسوريا والعراق ولبنان.
وأتساءل: لماذا لا تكون هناك مبادرة وطنية لإعادة ترتيب البيت اللبنانى فى هذا الظرف الاستثنائى، تجمع كل الأحزاب والقوى السياسية بما فيها حزب الله للمطالبة بوقف إطلاق النار حفاظًا على البقية الباقية من الدولة اللبنانية؟!.
وأقول إن المعركة مع إسرائيل فى بدايتها، والعبرة بالنهايات، وهناك حرب إبادة إسرائيلية لكل الشخصيات الدبلوماسية والعسكرية على مستوى الشرق الأوسط، وأصبح حزب الله (حزب تحت النار)، ولا نعرف متى تتوقف هذه المجزرة والعالم يشاهد ويتفرج.
وبعيدًا عن قدوم وزيرى خارجية فرنسا وأمريكا إلى المنطقة، فالمخطط الصهيونى يسير بسرعة الصاروخ ونحن صامتون متفرجون، والدور على من؟ هذا في علم نتنياهو الذى يتباهي بذلك، كما يدعي، ولكن نحن نؤكد أن ما سيجري في لبنان في علم الغيب فقط.
اللهم قد بلغت
اللهم فاشهد
وشكر الله سعيكم
ولا عزاء في الشهداء.