أسامة شرشر يكتب: لغز تشكيل الحكومة
هناك مقولة تذكرتها الآن وهى تعبر عن حالتنا فى مصر (هناك من يسعد الناس أينما ذهب.. وهناك أيضًا من يسعد الناس إذا ذهب!).
فلا شك أن تشكيل الحكومة المرتقب منذ أسابيع، أصبح لغزًا، يحير الناس فى ظل حالة القرارات التى أغضبت الشارع المصرى نتيجة الانقطاع المدمر للكهرباء لحياة المواطن أولًا، والبنية الصناعية لهذا البلد ثانيًا، حتى أصبحت تضرب المواطن بشرارة عدم الرضا عن هذه الحكومة التى أُعيد تكليف الدكتور مصطفى مدبولى بتشكيلها منذ شهر كامل، وكأننا فى معركة تحاط بكثير من الكتمان والغموض وكأنها حكومة حرب وليست حكومة مدنية، فتارة يقولون إن هناك تغييرًا شاملًا للوزراء وتارة يقولون إننا نختار كفاءات وخبرات دولية، وأخشى ما أخشاه فى هذه الحكومة التى وُلدت ضعيفة أن يستعين مدبولى بصندوق النقد الدولى، ويأخذ روشتة اختيار الوزراء منهم مثل الأسعار، وهذا ليس مستبعدًا عن حكومة تفتقر إلى الحد الأدنى من الحس السياسى والاقتصادى والإحساس بالمواطنين، فلقد اكتشفنا ببساطة شديدة أن منطق حكومتنا العجيب واستمرارها رغمًا عن إرادة الشعب، هو (اللامنطق) فى إدارة شئون البلاد والعباد.
فأمام درجات الحرارة المشتعلة التى أوقفت الحياة لدى المواطن، وأصبح لا يشعر بالأمان الكهربائى، من حكومة كانت تدعى أنها تمتلك محطات كهرباء من شركة سيمنز وآبارًا من الغاز والبترول، نجد أنفسنا أمام كرة اللهب الحكومية التى تقطع الكهرباء عن المنازل والمصانع والشركات، فى ظل غضب معلن من المواطنين الذين وجدوا فى هذه الحكومة المكلفة نوعًا من أنواع البلاء الربانى، للشعب المصرى الذى صبر كثيرًا وكثيرًا؛ حتى أصبح صبره يعادل صبر أيوب أو أكثر، فصبرًا قليلًا أيها الشعب العظيم على هذه الرِدَّة الحكومية التى قضت على الأخضر واليابس فى مصرنا العظيمة، فشعبنا المصرى لم يستطع أن يفهم شفراته أحد، وكتالوج المواطن على مر العصور والأيام كان محيرًا، وفى بعض الأحيان كان غامضًا.
وأمام تشكيل الحكومة تجد التسريبات والشائعات هى الخبر الرئيسى لدى أبناء الشعب المصرى والمصريين بالخارج الذين يتابعون ما يجرى فى التشكيل، والشعب كله يجد ما يحدث شيئًا غريبًا وعجيبًا ومستفزًّا لدى العامة أكثر من المتخصصين والنخب، والسياسيين والمهتمين بالشأن العام.
كل هذا يجرى والحكومة لا تدرك، وإذا أدركت للأسف الشديد فهى تسير فى الاتجاه المعاكس ضد إرادة الشعب، لأنها فشلت فشلًا ذريعًا فى إدارة كل الملفات فى الفترة السابقة، فخطوة اختيار رئيس الحكومة وإعادة تكليفه مرة أخرى ليست خطوة غير موفقة فقط ولكنها خطوة أصابت الشعب المصرى بخيبة الأمل فى تغيير واختيار كوادر وكفاءات وعناصر، وما أكثرها داخل مصر المحروسة وبين المصريين فى الخارج!، وهذا قدر الشعب المصرى أن يرى الذين أفسدوا الحياة، وصنعوا السوق السوداء للدولار، وأوقفوا المصانع، ودعموا محتكرى ومافيا الأسعار، مستمرين فى أداء مهمتهم المستحيلة فى إيجاد حلول عملية وما أكثرها.!
لقد اكتشفنا أخيرًا أن الفقر الحقيقى الذى نعيشه ويعيشه الناس، ليس فقر الأموال والثروات، ولكنه ببساطة شديدة (فقر النفوس) التى استباحت كل شىء حتى (حقوق الغلابة)، لأنها باعت ضمائرها وأوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن، وهو وضع لا يحتاج إلى كلام، ولكن إلى قرارات رادعة، ومحاكمات شعبية، لأنهم فى النهاية بلاء على الشعب المصرى العظيم الذى أصبح (أهل بلاء) على مر الأيام والعصور.
فاختيار رئيس وزراء جديد بخلفية اقتصادية وكوادر سياسية من الوزراء تمتلك الحس التخطيطى والعلمى وقريبة من الناس، ليس بأمر مستحيل، وقد عبرنا أزمات وأزمات، ولكن لم نجد أزمة مثل التى صنعتها حكومتنا غير الموجودة أصلًا.
فنبض المواطن وإحساسه بالمسئول هو الحكم الحقيقى لأداء أى وزير أو محافظ فى هذه الفترة الصعبة على المستوى الداخلى كما ذكرنا من قبل، وعلى المستوى الخارجى وحدودنا مشتعلة من ناحية غزة والسودان وليبيا.
والسؤال: ماذا ستفعل حكومتنا الرشيدة إذا ارتفعت أسعار البترول والغاز، نتيجة الحرب المحتملة بين إسرائيل ولبنان؟! هل ستقوم بقطع الكهرباء 24 ساعة يوميًّا؟! هذه ستكون الكارثة الكبرى، خصوصًا أن أمريكا واليمين المتطرف الإسرائيلى لن يتركوا (حزب الله)، باعتباره شماعة لتنفيذ المخطط الصهيونى المتفق عليه منذ عشرات السنوات، مثلما فعلوا ودمروا وأبادوا الشعب الفلسطينى فى غزة.. فما لا يتم نشره أن الأسباب الحقيقية للحرب فى غزة ولبنان هى البترول والغاز الموجود بكثرة فى غزة والجنوب اللبنانى.. وخلص الكلام.
كل هذا يجرى، وما زال رئيس الوزراء المكلف يشكل الحكومة، وأخشى ما أخشاه أن يكون تشكيل الحكومة لشعب آخر، وليس للشعب المصرى، لسبب بسيط أن مصر ولّادة، بها عقول وكفاءات شهدت بها المؤسسات الدولية فى كل المجالات، فكيف أن يستمر تشكيل الحكومة هذا الوقت، الطويل، الذى توقفت فيه كل سبل الإحساس بالأمان الكهربائى والمائى والأسعار؟!.
دعونا نقول: (هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟)، وهذه هى الطامة الأخرى، فالفاشلون يسيطرون والشرفاء غير موجودين، والأغنياء يرتشون، والفقراء يتصدقون حبًّا فى هذا الوطن ونحن نمتلك أكبر شبكة تكافل اجتماعى وهم يمثلون العمود الفقرى لهذا الشعب العظيم ويقومون بدور الحكومة التى ابتلانا الله بها.. وبشر الصابرين من الشعب المصرى أن لهم الجنة، وهذه هى المعادلة الصعبة التى نمر بها الآن.
فهل تحدث المعجزة السياسية ويقوم البرلمان برفض تشكيل الحكومة؟ أعتقد أن هذا خيار مستحيل فى برلمان يعبر عن الحكومة وليس الشعب.
وأخيرًا.. فإن إرادة النجاح فى العمل العام والتنفيذى تحتاج إلى تدريب مستمر، لكوادر حقيقية، حتى يتم صناعة مسئول قادر على اتخاذ القرار، لأن تحقيق النجاح يعتبر شرفًا حقيقيًا فى مواجهة الفشل المستمر.
اتقوا الله يجعل لكم مخرجًا.
وارحموا هذا الشعب العظيم يرحمكم الله.
ولا عزاء للشرفاء والأكفاء فى هذا الوطن العظيم.