النهار
الأحد 29 ديسمبر 2024 08:46 صـ 28 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: الحكومة تحرق الشعب

أسامة شرشر - رئيس تحرير جريدة النهار
أسامة شرشر - رئيس تحرير جريدة النهار

لأنها حكومة لا تمتلك أى حس سياسى أو جماهيرى، قامت- وهى تدرك أو لا تدرك- بحرق الشعب المصرى فى منتصف شهر رمضان المبارك بإعلانها رفع أسعار المحروقات من البنزين والمازوت الذى سبب اشتعالًا فى كل الأسعار، رغم أن الناس كانت عاشت أو تعايشت على حلم وأمل فى استقرار الأسعار بعد مليارات الدولارات التى دخلت خزانة الحكومة، والصفقات الدولارية الأخرى القادمة.

ولكن الكارثة الحكومية أنها لم تصبر أو تتمهل حتى ينتهى شهر رمضان الكريم وأيام العيد وتعلن هذه المفاجأة السخيفة والمُرّة التى أشعلت غضب الناس- حتى لو كان غضبًا صامتًا-، ولكن ما شاهدناه فى مواقف السيارات فى محافظات مصر يعطى دلالة خطيرة على أن هذه الحكومة التى اُبتلينا بها تلعب مع الشعب بنار الأسعار، وسوف تكتوى بها فى لحظة ما.

فنحن نحذر وننبه بأن هذه الحكومة دخلت موسوعة جينيس فى كراهية الشعب المصرى لها، فلم تجئ حكومة قبل الثورة أو بعدها وحظيت بهذا الرفض المطلق من كل فئات المجتمع، فهى تبرر بأن تعليمات صندوق النقد الدولى كانت سببًا فى ارتفاع أسعار السولار والبنزين، وأنا أتساءل وأقول لها: إذا كنت أنت تستمعين لشروط وتعليمات صندوق النقد الدولى، فلماذا لم تستمع الحكومة ولو مرة واحدة منذ مجيئها إلى السلطة (لتعليمات الشعب المصرى) وتلتزم بما تقوم به أى حكومة منضبطة؟!، وأبسطها الشفافية والمصداقية وإعلام الناس بما يتم، على الهواء مباشرة، فلماذا لا تعلنين يا حكومة شروط صندوق النقد الدولى على الرأى العام، وكذلك صفقة رأس الحكمة، والصفقات القادمة بإذن الله؟!.

هل أنت يا حكومة تسعدين بنكد وغضب ورفض المواطن المصرى؟! أم أن هناك أسبابًا أخرى لا نعرفها هى السبب فى فرض زيادة الأسعار حتى أصبحت تأخذ شكل إتاوة على الناس الذين عاشوا لحظات أمل لم تطل، بعد إعصار الدولار؟!.

فما كاد الناس يستبشرون بدولارات صفقة رأس الحكمة التى دخلت الخزانة العامة، حتى قامت الحكومة بتعويم الجنيه أمام الدولار- الشيطان الأكبر- بحجة مكافحة السوق السوداء. صحيح أن السوق السوداء انهارت، ولكن الحكومة فى المقابل جعلت سعر الدولار الجمركى الذى يتم تسعير المنتجات المستوردة على أساسه، حوالى 50 جنيهًا، بدلًا من 30 جنيهًا، وهو ما جعل انخفاض الأسعار حلمًا مستحيلًا، ولكن على الأقل توقع الناس ثبات الأسعار لمدة من الزمن يلتقطون فيها أنفاسهم بعدما صبروا صبرًا أكثر من أيوب نفسه خلال السنوات القليلة الماضية فى ظل السياسات الاقتصادية الحكومية التى جعلت الحليم حيران.

وبينما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى عن حزمة حماية اجتماعية ترفع الحد الأدنى لأجور الموظفين فى الدولة، وترفع قيمة المعاشات، ليستبشر الناس؛ أتت القشة التى قصمت ظهر البعير فى نهار رمضان بقيام الحكومة برفع أسعار المحروقات من بنزين وسولار ومازوت وغاز، لتتسبب تلقائيًّا فى رفع أسعار كل المنتجات بعد رفع سعر نقلها، ليقف الناس مذهولين أمام هذه الحكومة التى تتفنن فى عذابهم، ولا تدع لهم متسعًا يلتقطون فيه أنفاسهم ويكفّون فيه احتياجات أسرهم.

أعتقد أنه آن الأوان أن ترحل هذه الحكومة، قبل شهر إبريل، حتى لا تكون الحكومة (كذبة إبريل) لأنها فعلت بالناس ما لا تفعله أى حكومة أخرى.

وللأسف الشديد فإن مجلس النواب أصبح جزءًا لا يتجزأ من الحكومة، ولا يحاسبها أو يراقبها أو يسقطها بحكم القانون والدستور، ولكنه اكتفى بالبيانات العاجلة، وهو كلام فى الهواء، ولم يفعّل أدواته البرلمانية، فى الاستجوابات، حتى يُسقط هذه الحكومة التى اُبتلى بها الشعب المصرى.

وأعتقد أن الحكومة أصبحت عبئًا على الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى ينحاز للمواطن المصرى، والحكومة تعذب الشعب المصرى الذى يعيش على أرض مصر المحروسة، وهو يدعو عليها ليل نهار: كفاية يا حكومة ما فعلتِه بالشعب المصرى.. وشكر الله تعذيبكم للمواطنين بالأسعار والإتاوات وتعليمات صندوق النقد الدولى.

فإذا كانت الحكومة فعلت ذلك بعد أن عاش الناس أملًا جديدًا للتخلص من مافيا التجار الذين استحلوا كل شىء ورفعوا الأسعار أضعافًا مضاعفة، فكيف تطلب من التجار أن يرحموا الناس الذين لم ترحمهم الحكومة نفسها؟! وكأن هناك (اتفاق شرف اللصوص) بين التجار والحكومه لتعذيب الناس ليس برفع الأسعار فحسب، ولكن بالقضاء على الأحلام التى عاشها المواطن المصرى بعد حصار الدولار والانفراجة التى حدثت فى مشروع رأس الحكمة.

ونحن نتساءل: هل هناك حكومة فى العالم تتفنن فى إيذاء الناس وتسىء اختيار توقيت قراراتها مثل هذه الحكومة؟ أعتقد لا يوجد، فقنبلة زيادة أسعار المحروقات انعكست على كل شىء حتى أصحاب التكاتك وليس السيارات فقط، قاموا برفع تعريفة الركوب فى القرى والنجوع والمدن وكأننا فى حرب خفية مع الحكومه والتجار وارتفاع الأسعار!.

فهل تستمر هذه الحكومة بعد يوم 2 إبريل وحلف اليمين من الرئيس عبد الفتاح السيسى؟! لا أتمنى.

ورغم كل هذا ما زال هذا الشعب العبقرى العظيم يكافح ويعانى ويدخر من قوت يومه لعمل كرتونة لشعب غزة الكريم، ورغم ظروف مصر الاقتصادية فإن نسبة 80% من المساعدات هى من شعب مصر العظيم، وهذا ما اعترف به فى الأمس القريب الأمين العام للأمم المتحدة جوتيريش، الذى قال «أشكر مصر والشعب المصرى على كم المساعدات التى شاهدتها بنفسى أمام معبر رفح للإخوة الفلسطينيين من أهل غزة الذين لا يجدون قوت يومهم فى شهر رمضان».

والحقيقة أن المشاهد التى نراها يوميًّا لأهل غزة ورفح خصوصًا، هى عار على الدول العربية التى ترى وتشاهد على الهواء مباشرة الاحتلال الإسرائيلى يمارس حرب تجويع جديدة على شعبنا فى غزة، ولا تحرك ساكنًا، كما يقوم الاحتلال بممارسة كل أنواع الجرائم على مرأى ومسمع من العالم ولا أحد يفعل شيئًا، فالاحتلال يقوم بإبادة جماعية وتطهير عرقى ومجاعة جماعية لأنه فوق القانون والبشر ولا يهمه اهتزاز صورته أمام العالم؛ لأنه فى حماية أمريكية، ورغم ما يجرى فى غزة هناك تطبيع يتم من بعض العواصم العربية.

وأعتقد أن أخطر ما فى المفاوضات التى تجرى لإحداث هدنة هى القناعة التى وصلت لنا جميعًا أنه لا مفاوضات جادة إلا بالتوحد العربى وضرورة عودة العلاقات المصرية الإيرانية؛ لأننى أعتقد أنه بالسلاح والقوة سنستعيد المسجد الأقصى والأراضى الفلسطينية بعيدًا عن كل الشعارات والنداءات والقرارات التى يطلقها العالم، لسبب بسيط أن إسرائيل أكبر قولًا وفعلًا من كل نداءات ومناشدات العالم لأنها تعتبر نفسها شعبًا مختارًا من الله.

وصدقونى فإن عودة العلاقات المصرية الإيرانية فى هذا التوقيت هى أكبر رد على الأمريكان واليمين المتطرف الأمريكى بالإضافة إلى الضلع الآخر وهو تركيا؛ ليكون هذا المثلث الجديد هو الذى يعيد الأرض والعرض ويحفظ الهيبة التى افتقدناها على مدار سنوات طويلة. وأكرر للمرة المليون إن بعض الدول التى تحتفى بإسرائيل وتلعب بورقة التطبيع معها ينطبق عليها ما قلته فى مقالات متعددة وأقوله وأكرره للمرة المليون (المتغطى بالأمريكان عريان).

وأخيرًا وأنا أكتب هذا المقال جاءنى اتصال تليفونى من المدينة المنورة ووجدت على الطرف الآخر شيخ المنشدين وبلبل الصعيد الرجل الذى حول أشعار ابن الفارض وابن عربى إلى كلمات بسيطة عاشت فى وجدان الشعب المصرى من صعيد مصر إلى الإسكندرية وكل قرى الجمهورية الشيخ ياسين التهامى وهو يؤدى العمرة، فطلبت منه أن يدعو لمصر وشعبها وقائدها وأن يرحمنا من الحكومة وهو فى هذه الزيارة المباركة، على وعد أن نلتقى به فى المنوفية فى شهر 7 أو 8 القادم.