أسامة شرشر يكتب: رفح تحترق
هل تتكرر مأساة محرقة الهولوكوست وتحدث محرقة أكثر بشاعة فى رفح؟ العالم ينتظر، وفقد قدرته على اتخاذ القرار بوقف هذه المذبحة والمحرقة فى ظل تآمرات واتفاقيات لقتل الشعب الفلسطينى فى غزة.
والشىء المثير للدهشة والعجب أن هناك تداخلات عربية، وخاصة من الدولة الشقيقة قطر، فى محاولة القفز على الدور المصرى لأنه يمثل أمنًا قوميًّا لمصر، و(المسار الوحيد لمحاولة وقف هذه المجزرة هو المسار المصرى)، وبدلًا من أن يكون هناك تعاون ودعم قطرى وعربى للدولة المصرية، أرى أن هناك محاولات تنافس وليس تكاملًا واتفاقًا على أن تكون الأجهزة المصرية هى التى تتولى مقاليد الأمور والتى نجحت كثيرًا على مدار عشرات السنوات فى فك فتيل قنبلة الأزمات فى اللحظات الأخيرة.
وأنا على المستوى المهنى كمراقب ومحلل للموقف أثمّن أى دور عربى يكون داعمًا للدولة المصرية فى هذا التوقيت، وليس قافزًا على ثوابتها الخاصة بالأمن القومى للشعب المصرى والأراضى المصرية على الحدود الملاصقة.
إن الحكومة الدينية المتطرفة التى يقودها النتنياهو ومعه بن غفير وسموتريتش بدعم لوجستى من بايدن شخصيًّا، بدليل إرساله الأسلحة والأموال منذ ساعات للكيان الصهيونى فى رفح، فهو يريد أن يحدث (الفتنة الكبرى) بين مصر والدول العربية ويحقق ما فشل فيه من خلال المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس والجهاد رغم اختلافنا الموضوعى فى التوجه الأيديولجى أو الانتماء لكيانات ظلامية، ولكن المحصلة النهائية أنهم يدافعون عن أرضهم، فضرب من الخيال السياسى إعادة ترتيب الموقف فى غزة ورفح دون وجود هذه الفصائل، فهذا يعقّد الأزمة ولا يحلها، ولكن إيقاف هذا الغزو التترى الصهيونى عن رفح أولًا أهم من موضوع الرهائن وغير الرهائن؛ لأن الشعب يُباد على الهواء وفى بث مباشر أمام العالم بأسره.
ولا تكونن حماس شماعة، كما قالها سامح شكرى، ولنترك الأمر للفلسطينيين يحددون بعد وقف إطلاق النار فى غزة من خلال انتخابات حقيقية تشرف عليها الأمم المتحدة والعالم بأسره ماذا يريد الشعب الفلسطينى، والذى أفشل السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية، ودعّم حماس بشكل غير عادى هو النتنياهو نفسه من خلال الدعم القطرى الشهرى (30 مليون دولار شهريًّا) بالإضافة إلى الحاضنة الإسرائيلية حتى يتم القضاء على الدولة الفلسطينية وما يسمى منظمة التحرير الفلسطينية، حتى يكون هناك فراغ سياسى فى الضفة وفى غزة ويحدث نوع من الفراغ السياسى وتحقق إسرائيل هدفها الصهيونى الاستراتيجى بدولة إسرائيلية دينية من النهر إلى البحر ومن النيل للفرات، وفى نفس الوقت قامت إسرائيل بتحقيق مكاسب سياسية خطيرة وهى الاعتراف المطلق بالتطبيع مع كافة الدول العربية.
واليمين الدينى المتطرف فى إسرائيل يريد أن يحقق نصرًا معنويًّا بعدما لقنته المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطينى العظيم فى غزة درسًا بعدم خروجه من الأرض، ويحاول تصدير الأزمة للدولة المصرية، وكأن هناك اتفاقًا سريًّا بأن ما يتم من سيناريوهات إسرائيلية هو وطن بديل لأبناء غزة، وتصفية القضية الفلسطينية بتصدير أهل غزة الأبطال إلى الحدود المصرية وعلى طريق النصر (محور فيلادلفيا) ويكون الكيان الصهيونى بدعم أمريكى قد حقق ما فشل فيه على مدار أكثر من 70 سنة، وهو إخراج مصر من المعادلة الأمنية وإنهاء مشكلة المواطنين الفلسطينيين مع تصور أن يتم دفع مليارات الدولارات للحكومة المصرية لاحتواء اللاجئين الفلسطينيين فى مصر، فى سيناء، وفى دول العالم، ويكون بايدن حقق المعادلة المستحيلة فى تصفية ليس حماس كما يدعون ولكن أهل غزة بالكامل.
وانتبهوا يا عرب.. واسألوا أنفسكم: لماذا تحاول أمريكا بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة تحييد طهران من المعادلة؟!
وأعتقد أن التصريحات الأخيرة التى أطلقها الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا - بأن إسرائيل ترتكب أكبر مذبحة فى تاريخ البشرية وهى تقوم بمحرقة أكبر من الهولوكوست لأنها تحاصر مليونًا ونصف المليون فرد فى مساحة محدودة جدًّا- مهمة جدًّا فى هذا التوقيت الذى صمت فيه العالم بأسره.
إن مصر لم تستنفد حتى الآن كل الأوراق التى فى حوزتها وتصر على احترام معاهدة السلام والمعابر حتى إشعار آخر. والسؤال: لماذا لا يتم عقد قمة عربية طارئة لدعم الدولة المصرية فى مواجهة المخطط الصهيونى الأمريكى المتطرف؟!
ولماذا لا تدعو مصر لعقد قمة إسلامية طارئة ليكون هناك دعم عربى وإسلامى فى مواجهة هذه المحرقة؟ لأننا لا نملك رفاهية الوقت، فالمحرقة لو بدأت من أصغر الشرر، ستحول المنطقة إلى ساحة حرب حقيقية.
فعلى العرب أولًا أن يتوحدوا لأول مرة فى التاريخ، وكذلك الدول الإسلامية الفاعلة (54 دولة) لاتخاذ قرارات عملية فى دعم الدولة المصرية فى مواجهة أى تجاوزات تحدث من الكيان الإسرائيلى، حتى تكون الرسالة واضحة (قفوا خلف مصر) بجيشها وشعبها، لأن صرخات أهالى غزة فى رفح تجد أن المخرج الوحيد هو مصر، لإيقاف هذه المحرقة والمجزرة والإبادة، وأن تكون جنوب إفريقيا فى القمة العربية والإسلامية ضيف شرف، لأنها فعلت ما عجزنا عن فعله فى تقديم إسرائيل، وبإذن الله بايدن، كمجرمى حرب أمام محكمة العدل الدولية.
العالم يترقب ويرفض ولكن ليس بالشعارات أو الخطب أو الكلمات ولكن باتخاذ موقف جماعى.. فإسرائيل تعمل حساب الجيش المصرى، وتحاول من خلال قنواتها ومحلليها المنتشرين فى أماكن كثيرة أن توصل رسالة أنهم حريصون على العلاقة مع مصر وأنهم يرددون أن قطر وحماس كيان واحد، وهذا مرفوض بالنسبة لنا.
فتوحدوا فى الوقوف خلف الدولة المصرية قبل فوات الأوان، لأن انعكاسات هذه الحرب ستطول الجميع، وكما أردد دائمًا أن المتغطى بالأمريكان عريان، فتغطوا بشعوبكم العربية والإسلامية أمام الشيطان الأكبر وهو أمريكا التى تعمل على إشعال الأزمة سواء فى رفح أو فى البحر الأحمر أو مع إيران أو فى العراق.. فالموقف لا يحتمل التأجيل، فاجتماع القمة العربية أصبح ضرورة من ضروريات البقاء لمواجهة هذه المحرقة.
وبدلًا من المهرجانات أو الاحتفالات سواء فى الأوبرا أو فى أى مكان آخر، يكون الهدف هو تعبئة الشعوب العربية، وتقديم سلاسل إمدادت من الأغذية والمياه والأدوية والأغطية لدعم الأطفال والنساء الفلسطينيين الذين يعيشون في العراء -ولهم الله-، ولأننا على بعد ساعات من المحرقة الكبرى لإبادة الطفل الفلسطينى، وهذه الساعات القادمة ستحكم بما لنا أو علينا.
أفيقوا قبل أن تندموا على ما فعلتم، والشعوب والأجيال القادمة والتاريخ لن ترحم أحدًا منكم.
مصر بحكم التاريخ والجغرافيا والحضارة لن تحيد عن مواقفها القومية وستكون حائط الصد الوحيد فى مواجهة المخطط الإسرائيلي الصهيونى الدينى المتطرف.
مصر تمصّر غيرها ولن تتغير.
أفيقوا يرحمكم الله قبل فوات الأوان.