أسامة شرشر يكتب: مصر حزينة
حالة من الحزن العام خيمت على المصريين بعد مباراة منتخبنا القومى لكرة القدم أمام الكونغو، فى بطولة الأمم الإفريقية، ويمكن تلخيص الوضع بأن (مصر حزينة) لأن شعبها يعتبر كرة القدم الرئة التى ينفس فيها عن همومه وأحزانه ومتاعبه، فكرة القدم عشق المصريين منذ دخلت إلى مصر، يهرب بها المواطنون من (فولت الأسعار) وارتفاع الدولار والحديد الذى خيم عليهم فى الشهور الأخيرة.
ونحن ننتظر التغيير الحكومى، ندعو أن يكون القرار السابق له قرارًا بإقالة اتحاد الكرة المصرى والمدرب القادم من المجهول الرياضى والذى لا يصلح لإدارة فريق فى الدرجة الأولى، فما بالك بمنتخب مصر، صاحب التاريخ الحافل فى أدغال إفريقيا؟!
والمصيبة أو الكارثة الرياضية الكبرى أن هذا الرجل يتقاضى شهريًّا 200 ألف يورو، أى ما يزيد على 13 مليون جنيه، فى ظل أزمة خانقة للدولار والعملة، وهذه جريمة فى حق الشعب والمواطن المصرى الذى نام حزينًا بعدما خرج المنتخب بضربات الجزاء الترجيحية، وليته خرج بأداء مشرف، فالمشكلة ليست فى الخروج، ولكن فى الأداء والمستوى الذى لا يرقى لفانلة منتخب واسم مصر، وهو أمر يدل على غياب المنظومة والتخطيط بشكل عام بعيدًا عن الفهلوة والعشوائية التى تعيش فينا ونعيش فيها.
ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون متوسط أعمار لاعبى المنتخب 29 عامًا عكس كل المنتخبات الإفريقية– ولا أقول الأوروبية- لأن القياس فى هذه الحالة ظلم بيّن.
والحقيقة أننا فى ظل وجود المدربين الأجانب– وهى إحدى خطايا اتحاد الكرة- لم نفز بأى بطولة إفريقية، بل على العكس فزنا ببطولات متتالية مع المدربين الوطنيين الأكفاء وآخرهم المعلم حسن شحاتة، والتساؤل: لماذا لم نستفد من التجارب السابقة بعد كيروش ونستعن بمدرب وطنى مصرى يعرف لوغاريتمات اللاعب المصرى ويتعامل مع المتغيرات الجديدة فى الخريطة الكروية الإفريقية وأهمها الأكاديميات الجديدة التى أصبحت مصدرًا لا ينضب للاعبين الأفارقة فى أغلب الملاعب الأوروبية، ولكننا للأسف الشديد تركنا فشل اتحاد الكرة والمدرب وأقمنا الحد على النجم محمد صلاح، وكأنه كان يلعب وحده، وخرجت علينا شبكات التواصل العنكبوتى والعالم الافتراضى لتقيم الحد على محمد صلاح، رغم أنه بكل المقاييس الكروية والمعايير الأخلاقية ثروة قومية لمصر فى كل أنحاء العالم، بل إننى أقترح أن يتم تدريس مسيرة محمد صلاح فى المدارس والجامعات كنموذج وقدوة للشباب، فى المثابرة والانطلاق من المحلية إلى العالمية فى كرة القدم، فهذه النماذج الوطنية العظيمة قلما تتكرر، فمحمد صلاح فى الرياضة مثله مثل مجدى يعقوب فى الطب وأحمد زويل فى الكيمياء وهانى عازر فى الهندسة، ويجب إلقاء الضوء عليهم ليعرف الشباب قيمة هذه النماذج الوطنية التى كانت وما زالت سفراء لمصر فى الخارج على المستوى الرياضى والطبى والأكاديمى والهندسى، لأننا فى زمن لم يعد أحد ينجو فيه من الشائعات والأكاذيب والاتهامات، خصوصًا أن هذه الرموز الوطنية ساهمت وتساهم فى نهضة الحضارة الغربية فى كل المجالات.
ولكن للأسف الشديد نحن هاجمناه وادعينا عليه كل شىء؛ حتى اضطر محمد صلاح للخروج بتعليقه الأخير بأنه عاشق لتراب مصر ولن يعلق.
إن مصر حزينة؛ لأنها للأسف الشديد بعدما كانت تسود إفريقيا أخلاقيًّا ورياضيًّا بالأداء والأسماء، أصبحت فى ذيل الأمم الإفريقية، وأعتقد أن تصنيفنا تراجع سواء على المستوى الإفريقى أو العالمى، وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على تخبط المنظومة الرياضية فى مصر، وخاصة اتحاد الكرة الذى جاء من المجهول الرياضى نتيجة العشوائية فى الاختيار، والاعتماد على الولاءات وليس الكفاءات، فعندما تريد أن تسقط أى كيان كل ما عليك هو أن تختار الفاشلين لإدارته فى كل المجالات (فالإنسان هو الكيان.. فإن لم تصنع الكيان وتملأ المكان فلا تقل أنا إنسان).
فهل وصل بنا الحال أن يكون اختيار عناصر اتحاد الكرة بيد أحزاب سياسية؟! أعتقد أن إدخال السياسة فى الرياضة أو الرياضة فى السياسة يفسدهما معًا.. وها نحن نرى منتخب مصر لا يستطيع الفوز فى 4 مباريات متتالية ويدخل مرماه 7 أهداف.
عزائى لشعب مصر الذى أنا منه، وكنت أتمنى أن يفرح الناس، ولكن للأسف الشديد كان أهل مصر فى غاية الحزن ليس للخروج فحسب، ولكن لتدنى مستوى الأداء الرياضى فى المحافل القارية، فانهيار المنتخب يهدد بكارثة، خصوصًا ونحن على أبواب تصفيات كأس العالم، وستكون جريمة مكتملة الأركان بحق الأجيال الجديدة إذا لم نصل إلى كأس العالم.
وأخيرًا وليس بآخر، يدور فى ذهنى تساؤل وأنا لست ناقدًا رياضيًّا ولكننى عاشق لكرة القدم.. أين لاعبو المنتخب الأوليمبى من المنتخب الأول؟ ولماذا لا ندعم المنتخب الوطنى بعناصر شبابية وبدماء جديدة بدلًا من الأسماء والكيانات الوهمية التى تقودها الأنا وليس الروح الجماعية والتى لم تستطع أن تدخل الفرحة على المصريين الذين ضاقوا بكل شىء وحتى تفاصيل الحياة ضاقوا بها؟!.
إن المصريين ينتظرون فرحة فى الأيام القادمة، فإما أن تكون هناك قرارات حقيقية وواقعية لنسف هذه المنظومة الكروية الفاشلة، وإعادة بنائها، وإما سيكون لكل فعل رد فعل، من تجاهل جماهيرى تام للمنتخب، لأننا كل مرة ننسى أنفسنا، ولا نتذكر المنتخب إلا عند البطولة الإفريقية الجديدة.
وشكر الله سعيكم
لأن مصر تستحق الكثير
وأكبر من الجميع.