أسامة شرشر يكتب: حكومة ضد الشعب
ما كنت أنوى أن أكتب عن الحكومة فى هذا التوقيت؛ لأننا فى حالة ولادة سياسية عسيرة، ولكننى أرجو أن يكون هناك تغيير شامل للحكومة وليس تعديلًا فقط؛ لأنها ستكون الطامة الكبرى وصدمة عام 2024 لدى الشعب المصرى.
ولكن ما لفت نظرى كنائب ومتابع لما جرى فى سؤال النائب والوزير على المصيلحى، وزير التموين، هو المسرحية السياسية الهزلية والتمثيلية التى لم تدخل على الشعب، وأحزننى أن يقف نائب ليقول للوزير سواء اتفقنا معه أو اختلفنا (إدينا عرض كتافك).
والسؤال لحزب مستقبل وطن الذى يمتلك الأغلبية- للأسف الشديد-: متى يتم استجواب الحكومة إذا كنتم تمثلون الشعب فعلًا؟! الحقيقة أننا (كلنا عارفين الحكاية جاية إزاى) ولكن هذا ليس وقت الإسقاطات السياسية ولكن الناس تعرف وتتابع ما يدور تحت قبة البرلمان.
إن هناك حقيقة لا بد أن نعترف بها وهى أن الأحزاب القائمة ليس لها وجود أو تأثير فى الشارع المصرى؛ لأنها أحزاب فوقية ولم تأت من خلال الحاضنة الشعبية.
وهذا يعطى مؤشرًا عن الغياب الحقيقى للرقابة البرلمانية وضرورة تفعيل الأحزاب بحاضنة شعبية حقيقية، وهذه هى الطامة البرلمانية عندما تكون الأحزاب غير قادرة على إسقاط الحكومة، فالشعب هو السيد وصاحب القرار، ولكن هناك غياب برلمانى فى تمثيله، لأن ولاء بعض النواب ليس للشعب ولكن لمن اختاره من خلال القوائم.
والواقع أنه لم تأت فى تاريخ الحياة السياسية المصرية السابقة، حكومة مثل حكومة الدكتور مصطفى مدبولى– الذى نكنّ له شخصيًّا كل التقدير والاحترام- تعمل مع سبق الإصرار والترصد على إثارة غضب الشعب بل هى حكومة ضد الشعب لسبب بسيط جدًّا، أنها حكومة تسمح للفاسدين والمحتكرين بأن يتلاعبوا بالأسعار ويرفعوها إلى درجة لم تحدث من قبل وهى صامتة أو غافلة أو مشاركة فى هذه المؤامرة على الشعب المصرى، فلا يمكن فى أى دولة فى العالم– تحترم حكومتها الشعب- أن يكون هناك سعر موازٍ أو سوق سوداء للدولار، يتلاعب فيها حيتان السوق بمقدرات الشعب المصرى، حتى وصل سعر الدولار إلى ضعف السعر الموجود فى البنك، وهذه كارثة اقتصادية حقيقية.. فدعونا نفكر ونبحث: هل هناك دولة فى العالم بها سعران للدولار بهذا الفرق الشاسع؟ وماذا عن باقى العملات؟ أعتقد لا يوجد هذا إلا فى حكومة مصطفى مدبولى.
وهنا أتذكر الدكتور عاطف صدقى، رئيس الوزراء الأسبق، والمجلس العسكرى برئاسة المشير طنطاوى، الذين رفضوا رفضًا وطنيًّا خالصًا لصالح الشعب أن يتم تحريك سعر الدولار حتى لو قرشًا واحدًا رغم أن الظرف الاقتصادى بعد ثورة 25 يناير كنا به فى احتياج شديد لقرض من صندوق النقد الدولى، وأتذكر الدكتور جودة عبد الخالق، وزير التموين وقتذاك، قدم لرئيس المجلس العسكرى مذكرة رافضًا أى قرض من صندوق النقد الدولى؛ لأن هذا فى حد ذاته بلاء للاقتصاد واحتكارًا للاقتصاد؛ لأننا دولة تعتمد على الاستيراد بنسبة 80% على الأقل وليس التصدير.
فهل على المصيلحى، وزير التموين، هو ضحية هذه الحكومة أم هو كبش الفداء الذى حاولوا معه أن يقدم استقالته بعد الضربات الموجعة من جهاز الرقابة الإدارية الوطنى الذى كشف أسماء أباطرة الفساد والمفسدين والسماسرة بداية من مساعد وزير التموين ورئيس جمعيتى وفى الشركة القابضة للصناعات الغذائية، وما خفى كان أعظم!.
فى أبجديات علم السياسة أى وزير فى الحكومة يعمل بشكل تضامنى وليس بشكل منفرد، وإذا كانت هناك أى محاكمة برلمانية لوزير فإنها يجب أن تكون إسقاطًا للحكومة من خلال تفعيل الأدوات البرلمانية وخاصة الاستجواب الذى أصبح فى خبر كان، لأننا كلنا نعرف كيف جاء هذا البرلمان، ليس بإرادة شعبية ولكنه بإرادة القائمة المطلقة التى أفرزت للأسف الشديد بعض النماذج من السادة النواب المحترمين الذين نراهم يتساقطون واحدًا تلو الآخر، من خلال شيك بدون رصيد أو من خلال غش أو تدليس أو من خلال تربح على حساب هذا الشعب العظيم الذى لم يجئ بهم أو ينتخبهم، ولكنهم جاءوا من خلال قوائم مطلقة فى شكل استفتاء نتيجة المحاصصة أو النسب التى كنا نتمنى أن يتم تعديل دستورى خاص بها.
فالقضية- باختصار شديد- أن الحكومة الحالية تعمل ضد الشعب وتعذبه وهو فى حالة غضب، وأصبحت هذه الحكومة عبئًا على رئيس الدولة وتأخذ من رصيده لدى الناس، ولكن جاءت أحداث غزة لتغطى على فشل الحكومة وتعطى قبلة الحياة لها ليخرج الناس دعمًا لرئيس الجمهورية لعله يخلصنا من هذه الحكومة التى أصبحت عبئًا عليه وعلى الشعب المصرى، وهذا ليس حديث المصريين فى الداخل فقط ولكن سمعناه من المصريين فى الخارج أيضًا فى كثير من الدول، ورجال الأعمال الذين لم يجدوا فى الحكومة الحالية إلا كل إذلال اقتصادى وقيود استثمارية وتضارب فى أسعار الدولار وهروب الأموال الساخنة، وسمعنا مؤخرًا عن الدولار المجمد (والدولار السائل!) ولا أدرى هذا فى أى نظرية اقتصادية إلا من خلال هذه الحكومة التى تناقضت سياستها البنكية مع سياستها المالية.
فلذلك عندما نريد أن نحلل المشهد السياسى فى مصر يجب أن يكون التغيير من القاعدة إلى القمة وليس العكس.
إن بداية الإصلاح السياسى الحقيقى تكون فى فتح النوافذ والشبابيك السياسية للرأى والرأى الآخر وإجراء انتخابات المجالس الشعبية المحلية على مستوى الجمهورية والممثلة فى أكثر من 55 ألف مقعد على كل المستويات المحلية، لأن مصر أيها السادة المحترمون كبيرة جدًّا جدًّا بها 120 مليون مواطن منهم 15 مليون ضيف عليها، رغم كل الأزمات على حدودها الشرقية والجنوبية والغربية وقضية سد النهضة والمياه والارتفاع الذى لم يحدث من قبل فى السلع الأساسية؛ حتى وصل إلى البصل والسكر اللذين كنا نصدرهما للخارج وأصبحا بأسعار خيالية.. ناهيك عن ارتفاع أسعار الكهرباء، وكما قلت من قبل إن هذه الحكومة منتهية الصلاحية وفولت الشعب على وشك أن يحرقها إن عاجلًا أو آجلًا، والحل الوحيد والأخير هو تغيير حكومى شامل به كفاءات اقتصادية من العيار الثقيل والمصريون فى الداخل والخارج منهم كفاءات تدير كبرى المؤسسات الدولية، ولكن الجميع يطالب بأن تكون له صلاحيات بعيدًا عن الوزارات السيادية.
ناهيك عما يتردد فى الكواليس السياسية عن حل مجلسى النواب والشيوخ وأن القيادة السياسية من خلال أجهزة المعلومات تعلم ما يجرى والشعب ينتظر القرار فى مارس القادم.. هل ستكون طلقة للأمام وإعطاء دور للقطاع الخاص أم أنها رصاصة الرحمة فى هذا التوقيت الاستثنائى؟!.. أنا على المستوى السياسى والمهنى متفائل تمامًا بأن هناك تغييرات كثيرة ستحدث فى الفترة القادمة استجابة لنبض الشعب المصرى الذى قال (جاااى) وأن ما يجرى من فساد وإفساد من خلال السماسرة السياسيين والاقتصاديين والمحتكرين هو بداية النهاية لهذه الفترة الصعبة التى مرت بها مصرنا العظيمة.
فالجائحة السياسية والاقتصادية التى نعيش فيها وتأخذنا إلى المجهول السياسى والاقتصادى سببها فيروس سياسى واقتصادى معروف تشخيصه وطريقة علاجه، وهو ما لن يتم إلا بمزيد من الحريات الحقيقية وإلغاء الحبس الاحتياطى لأصحاب الرأى، مع الرفض المطلق كما كان يدعى البعض أو يطالب بالمصالحة مع الجماعات الظلامية، وهذا مرفوض.
وأعتقد أن الشعب وصل إلى مرحلة النضج السياسى وينتظر أن يتم رد الجميل له، وأرى أن الفترة القادمة هى فترة نكون أو لا نكون على كل المستويات.
فالتغيير قادم لا محالة.
وإذا الشعب المصرى العظيم أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.