النهار
الأحد 22 ديسمبر 2024 11:37 مـ 21 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: مأساة وائل الدحدوح

أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار

تلقيت- أثناء أداء العمرة- نبأ استشهاد حمزة، الابن الأكبر للصحفى وائل الدحدوح، فى خان يونس، وتأكدت أن هذا الإنسان يمثل حكاية أرض وأهل غزة.

فأى تهجير للفلسطينيين، أو تصفية للقضية الفلسطينية، يمكن أن يحدث، وهناك نماذج مثل وائل الدحدوح فى أرض فلسطين؟! أعتقد أن هذا نموذج نادر لإنسان فقد ابنه الأكبر أثناء عمله بعدما فقد بالأمس القريب زوجته وابنه الآخر وابنته وحفيده، حتى بدأت أعتقد أن المستهدف الحقيقى هو وائل الدحدوح نفسه –لا قدر الله- لكنه ما زال صامدًا يؤدى رسالته وينقل صوت أهله إلى العالم، وكأنه يرسل رسالة للأمريكان والصهاينة أننا لن نترك الأرض ولن نبيع الوطن، وسنحبط مخططاتكم بتهجيرنا إلى سيناء وسنروى بدمائنا وبدماء أبنائنا وأطفالنا ونسائنا أرض غزة لتمثل حكاية للأجيال القادمة.

إن وائل الدحدوح نموذج استثنائى وفريد بتغطيته فى موقع الأحداث، وفضح الإجرام الصهيونى الذى ينتقم منه باستهداف أولاده، ورغم ذلك يستمر فى أداء عمله رغم الحزن ولا يفرط فى قضيته ولا يستسلم للاكتئاب، بل يزداد إيمانًا ويقينًا بأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، ويمارس عمله فى قناة الجزيرة التى يجب عليها أن تخلد اسم هذا الصحفى الاستثنائى فى العالم وليس فى غزة فقط، أما نحن فلا يسعنا إلا أن نقول له (وبشر الصابرين)، أو كما قال نبينا- صلى الله عليه وسلم- لعمار بن ياسر وأبويه (صبرًا آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة).

قد يتساءل ويتعجب البعض من هذه النماذج البشرية الأسطورية، رغم أنها بيننا ونراها كل يوم على الشاشات، ونحن عندما نسلط الضوء على مأساة وائل الدحدوح، فإننا نحكى حكاية كل فلسطينى حر، ويا له من نموذج يمثل بكل المقاييس والمعايير الدنيوية (أيوب الصابرين)، وأعتقد أن له منزلة ودرجة عند الله لا تُعادلها كنوز الدنيا، ولا نزكى على الله أحدًا.

فنحن عندما نسلط الضوء على وائل الدحدوح، فهذا نابع من أننا لا نعرف أسماء كثير من أبطال غزة والضفة الغربية والقدس وقراها الذين يقدمون نفس التضحية كل يوم، فهناك آلاف بل ملايين- ولا أبالغ- مثل وائل الذين يضحون بأنفسهم ولا يتركون الأرض، وقد هزنى موقف سمعته عندما قالوا: سألوا امرأة عجوزًا تجاوزت الثمانين من عمرها لماذا لا ترحلين إلى مكان آمن وتتركين غزة؟ فردت عليهم: «إما أرض غزة أو قبرها»، فهل هذا شعب مهزوم؟!

ستسمع الأيام والأجيال القادمة وسيسجل التاريخ قصصًا وروايات وحكايات عن البطولات التى حدثت داخل غزة والضفة والقدس، أعتقد أنها ستتجاوز فى واقعها ما تقدمه أفلام السينما الأمريكية فى خيالها، أو شاشات الدراما المصرية فى بطولاتها، وأنها تحتاج إلى أفلام تسجيلية ووثائقية لتسجل هذه الحالة الفلسطينية التى أذهلت الأمريكان والصهاينة وجعلت النتنياهو وبن غفير وسموتريش يتعجبون من هذا الشعب الذى يرفض بكل الطرق وتحت تهديد كل أنواع الأسلحة والقنابل الفسفورية أن يترك شمال غزة أو جنوبها أو وسطها، ويقول "لن نتحرك من أرضنا، ولن نذهب إلى سيناء فى مصر الشقيقة، ولن ننتقل إلى دول العالم. لقد استوعبنا درس نكبة 1948. لن نترك أرضنا ووطننا مهما حدث. سنبقى فى غزة، وسنبقى فى الضفة، وسنبقى فى القدس إلى أن يتحقق النصر أو الشهادة".

أعتقد أن هذا الشعب الأبى العظيم الذى تخلى عنه العرب وكل العالم وقف صامدًا حتى الآن، متحديًا كل الاحتمالات والتوقعات، وأنا لا أستغرب من هذه المقاومة التى تسلحت بأقوى سلاح، وهو سلاح السماء (الله أكبر)، والذى هو أقوى من أسلحة البشر وترسانات الأمريكان والأوروبيين، لكننى أتعجب من مجلس الأمن، وكل هذه المنظمات الدولية التى فشلت فى حماية الشعب الفلسطينى ووقف الجرائم الصهيونية، ووقف الحرب، فما ضرورة وجود هذه المنظمات الآن إذا لم تكن قادرة على أداء دورها الذى تم إنشاؤها من أجله أساسًا؟!

إن ما حدث للدحدوح وكل دحدوح فى أرض غزة يمثل رسالة قوية للأنظمة العربية: متى تتحركون؟ أو أعلنوا أنكم لن تتحركوا أصلًا حتى نفقد أى أمل فيكم!

كفانا يأسًا عندما يكون هناك أمل وولادة جديدة لأطفال الحجارة وأطفال المقاومة الذين استخدموا أسلحة بدائية هزت عروش الأمريكان والأوروبيين وكل خائن وكل عميل.

وأخيرًا.. ألا يعتبر وائل الدحدوح ودماء الشهداء من أبناء غزة، رسالة أو عظة تحرك ضمير العالم إذا كان هناك ضمير أصلًا لكى يتم إيقاف الحرب، أعتقد أنها لن تتوقف حتى يدفع الفلسطينيون ثمن بقائهم فى أرضهم وتمسكهم بها، لكن التاريخ سيسجل أسماء أبطال هذه الأرض بأحرف من نور؛ لأنهم أناس ضربوا مثالًا للوطنية سيبقى فى ذاكرة أهل غزة وأهل مصر وأهل الأردن الذين هم على خط المواجهة تضامنًا مع الفلسطينيين.

وأقترح منح وائل الدحدوح عضوية نقابة الصحفيين المصريين بصورة استثنائية، وجعله رئيسًا شرفيًا لاتحاد الصحفيين العرب؛ لأن فى تكريمه تكريمًا لكل أهل غزة والضفة والقدس وشهدائهم جميعًا.

وأعتقد أن زيارة بلينكن وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة للمرة الرابعة هدفها الحقيقي هو ضمان أمن إسرائيل، أما أهل غزة والعرب فهم خارج اهتمامات الإدارة الأمريكية والصهاينة لأنه لن يحدث وقف لإطلاق النار إلا بموافقة المتطرفين الجدد من الصهاينة، وعلى رأسهم النتنياهو.

ولقد دعوت وأنا على جبل الرماة أمام قبر سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب أن أرى سهمًا عربيًا في قلب بلينكن.. لكن لا تعليق يا عرب!

ولا يسعنى إلا أن أقول لعالمنا العربى وعالمنا الإسلامى..

شكر الله سعيكم

والبقاء لله فى رجولتكم وكرامتكم..