النهار
الأحد 22 ديسمبر 2024 10:08 مـ 21 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: صرخة من مكة المكرمة والمدينة المنورة

أسامة شرشر رئيس تحرير جريدة النهار
أسامة شرشر رئيس تحرير جريدة النهار

وأنا فى طريقى إلى مكة المكرمة لأداء العمرة، فى أطهر مكان على وجه الأرض، وروحى وعقلى يهفوان لأداء العمرة، والذهاب إلى الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم، فى مسجده بالمدينة المنورة، لأقول له (محب من الزوار عوقه الذنب) خصوصًا بعد قلة حيلتنا فيما يجرى حولنا من قتل وإبادة جماعية بحق أهلنا فى غزة.

ولا يهوّن علينا الأمر إلا ما رأيناه من بطولة منقطعة النظير، وشجاعة أظنها تحظى برعاية ربانية من رجال المقاومة الفلسطينية فى غزة والضفة والقدس، من كافة الفصائل الفلسطينية، فبكل المقاييس والمعايير وإحكام لغة العقل وحسابات الواقع، فإن المقاومة لا يمكن أن تصمد لساعات أمام ترسانة الجيش الأمريكى الإسرائيلى، الذى استخدم كل الأسلحة المحرمة وغير المحرمة، ولكنها صمدت صمودًا أسطوريًا، بل حققت نجاحات نوعية وكبدت العدو الخسائر تلو الخسائر، حتى بدأ يسحب فرقه وكتائبه المميزة والمتميزة ويستبدلها من خط المواجهة، ثم اضطر لسحب عدد من فرقه العسكرية بعد خسائرها الضخمة، وأصبح الجيش الإسرائيلى يعيش رعبًا نفسيًا، ويخشى المواجهة فوق الأرض وتحت الأرض مع رجال حماس والجهاد وكل الفصائل الفلسطينية التى تصل إلى 12 فصيلًا بالإضافة إلى الفصيل الأكبر وهو شعبنا وأهلنا فى غزة الذين يصل عددهم إلى 2.5 مليون فلسطينى أصبحوا رمزًا للمقاومة ومعهم أهلنا فى الضفة وجنين والقدس الشريف الذين يسقط منهم عشرات بل مئات الشهداء رغم عدم وجود حماس هناك، وهو ما يبطل ادعاءات إسرائيل بأنها تحارب حماس فقط.

أعتقد أن إسرائيل تعيش الآن حالة من الرعب لم ترها من قبل إلا فى مواجهتها مع الجيش المصرى فى حرب أكتوبر، الذى أسقط خط بارليف المنيع يوم 6 أكتوبر 1973 وأذل غرور الجيش الإسرائيلى، ليأتى يوم 7 أكتوبر 2023 وتنهى المقاومة الفلسطينية البقية الباقية من أسطورة الجيش الذى لا يُقهر، (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).

ودعونا نعترف، وأنا بين يدى الله، عز وجل، وأمام قبر الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم، بأن ما يجرى فى غزة والضفة، فيه نصر من عند الله، وهذه ليست غيبيات أو روحانيات، ولكنها قراءة فى الواقع، فالعقل والمنطق يعجزان عن تصور نجاح عمليات المقاومة الفلسطينية بمثل هذه الأسلحة البدائية أمام أكبر ترسانة أسلحة فى العالم، فإذا لم تكن المقاومة تحظى بدعم ربانى، فكيف نبرر هذا النجاح الكبير؟! أعتقد أن من يدافع عن أرضه وعرضه ضد من يقتل النساء والأطفال، فإن يد الله تكون فوق أيدى الظالمين، لأن الحسابات البشرية لا تعادل الحسابات الربانية.

كنت أنوى ألا أتكلم وأنا أؤدى العمرة، التى اشتقت إليها كثيرًا، ولكن غمرتنى المشاعر والأفكار، لماذا يصمت عالمنا العربى عن كل ما يجرى فى غزة والضفة والقدس؟ وإلى متى هذا الصمت؟ هذه تساؤلات لم أجد لها إجابة؟ ولكننى توقفت وانفعلت وتم استفزازى أمام تصريحات أفيجدور ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق، أحد المتطرفين الجدد، فى تصريحات تلفزيونية، والتى قال فيها إن مصر هى المسئولة عن تهريب السلاح إلى حماس، ودعا لهدم الحدود بين مصر وقطاع غزة المتمثلة فى محور فيلادلفيا، لدفع الغزيين للهروب إلى سيناء، وهو الأمر الذى يمثل إعلان حرب إذا كان يمثل حكومة الاحتلال الإسرائيلى، لأن الجيش المصرى لن يقبل بأى حال من الأحوال أى محاولة للمساس بسيادة مصر على أراضيها أو دفعها إلى قرار خارج إرادتها الوطنية المستقلة.

والأكثر خطورة تصريحات النتنياهو بضرورة إعادة تأمين الحدود مع مصر وعمل جدار عازل، وكذلك رفض المقترح المصرى لوقف الحرب على غزة وتبنى المقترح القطرى.. فهل هؤلاء يحاولون استفزاز مصر وشعبها وجيشها؟ لأن الأمر إن كان كذلك فإن (صبر مصر نفد يا نتنياهو) كما قلتها فى مقالتى السابقة.

فالمخطط الصهيونى المعد منذ سنوات وكان حبيس الأدراج، بالاتفاق مع المخابرات الأمريكية والبريطانية، هو تهجير الغزيين إلى سيناء فى مصر، وأهل الضفة إلى الأردن، وعرب 48 إلى أوروبا، وتصفية القضية الفلسطينية تمامًا، وهذا هو المخطط الجهنمى الذى يسعى لتنفيذه الآن النتنياهو وبن غفير وزير الأمن القومى وسموتريتش وزير المالية المتطرفون، والذين أعلنوها صراحة أن الحرب لن تتوقف بل ستمتد لشهور طويلة.

وأصبحت التصريحات الاستفزازية من المسئولين الإسرائيلين ضد مصر، معلنة، بعدما كانت تتم فى السابق داخل الغرف المغلقة، فى محاولة لجر مصر إلى حرب لتوحيد الجبهة الداخلية الإسرائيلية التى أصبحت ممزقة بعد صدمة 7 أكتوبر، فى تجاهل تام لاتفاقيات السلام والمعابر، ولكنهم لا يدركون ولا يعلمون أننا جاهزون منذ يوم 7 أكتوبر– بل قبله- لهذا السيناريو وغيره، بل مستعدون لإفساد خطة حكومة نتنياهو الأخيرة، بدفع الغزيين للهروب الاضطرارى إلى سيناء فى محاولة لدفع الجيش المصرى للاشتباك مع أهل غزة، وتصدير مشهد للعالم كله أن الجيش المصرى يحارب أهل غزة.. ولكن هيهات، فإن الجيش المصرى يقظ لكل هذه المخططات ولديه الخطط والتدابير اللازمة لمنع هذه السيناريوهات من الأساس.

وأنا أحذر وأنبه الدول العربية بأنه قد آن الأوان لأن تقف خلف مصر وتدعمها فى مواجهة التحديات الاقتصادية، التى تستغلها كتائب الإخوان الإلكترونية وأجهزة مخابرات بعض الدول فى محاولة لإحداث بلبلة ونشر الشائعات وشق الجبهة الداخلية المصرية، لتصبح المنطقة العربية لقمة سائغة لمن يريد بعد تحييد الدور المصرى وإخراجه من المعادلة، وهذا هو قدر مصر وقدرها على مر التاريخ، أن تتصدر قضايا الأمة العربية وتكون رأس الحربة فى كل معاركها.

وأعتقد أن هذا لن يحدث إذا حصلت مصر على دعم الدول العربية وخاصة دول الخليج التى هى فى موقف وامتحان أمام التاريخ، لأنهم أشقاؤنا الأعزاء، وهم منا ونحن منهم، ولا ننسى مواقفهم معنا، ولا ينسون مواقف مصر معهم أيضًا، وهذه المواقف ليست منّة من أحد على أحد، ولكنها واجب قومى وعربى وإسلامى، لأن مصر هى المعادل الاستراتيجى للعرب أمام إسرائيل وإيران وتركيا، وأى محاولة للتدخل من الخارج لإفساد العلاقة المصرية العربية سيدفع الجميع ثمنها غاليًا.

فانتبهوا واحذروا من مخططات الخارج التى تحاول تقسيم المقسّم أصلًا، وهز أركان الأنظمة العربية، فهذه المخططات لا تستثنى أحدًا، فالقضية أكبر مما يتصور البعض، وإسرائيل لديهم فوق كل المصالح العربية، لأنها أداة الصهيونية العالمية لتحقيق حلمهم القديم من النهر (نهر الأردن) إلى البحر (البحر المتوسط).

سأدعو لكم من أمام الكعبة المشرفة، ومن أمام قبر الرسول، صلى الله عليه وسلم، أن تتوحد الأنظمة العربية، وأن نستعيد جميعًا مواقف حرب أكتوبر 1973؛ لأن ما يجرى التخطيط له إذا نجح، سيدفع الجميع ثمنه غاليًا.

فانصاعوا إلى رغبات شعوبكم، واحذروا الفيتو الأمريكى وبيت الطاعة الأوروبى.

وارحموا من فى الأرض

يرحمكم من فى السماء.