النهار
الأحد 22 ديسمبر 2024 07:44 مـ 21 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: صبر مصر نفد يا نتنياهو

أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار

لماذا يحاول النتنياهو وحكومته المتطرفة أن يجر مصر إلى حرب مباشرة مع إسرائيل رغم وجود اتفاقيات سلام منذ عام 1979؟

فالأنباء التى نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية عن بدء عملية عسكرية بالدبابات بالقرب من الشريط الحدودى لغزة مع مصر فى محور فيلادلفيا (محور صلاح الدين) الذى يمتد من البحر المتوسط شمالًا، وحتى معبر كرم أبو سالم جنوبًا- تمثل استفزازًا لمصر، لأن هناك معاهدة تم توقيعها عام 2005 خاصة بالمعابر، وأى محاولة للاقتراب من الحدود المصرية ستقابل برد فعل لا تتخيله إسرائيل ولا قادتها من جانب رجال القوات المسلحة المصرية.

والواقع أن صبر مصر قد ينفد، والقوات المسلحة خير أجناد الأرض تراقب الموقف عن قرب وبحذر شديد وجاهزية للتدخل الفورى واللحظى لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح إذا استلزم الأمر.

وأنا أعتقد أن كل هذه الأنباء غير صحيحة، وأن كل ما هنالك أن هذه محاولات من النتنياهو وحكومته للهرب من محاكمته وإسقاط حكومته، فهو يحاول إطالة أمد الحرب فى غزة قدر المستطاع لعله يحقق أى نوع من النصر المعنوى يحفظ به ماء وجهه الذى مرغته المقاومة الفلسطينية وتراب غزة الأبية، خصوصًا أن هذه الحرب عشوائية فى المقام الأول وبلا هدف، وكل ما حققه نتنياهو من ورائها أنه أسقط النصب التذكارى لحماس، وهو يتوهم أنه قد قضى على حركة المقاومة، ولا يعلم أن غزة بها الآن 1.8 مليون فلسطينى كلهم حماس والجهاد، وكلهم يمثلون المقاومة التى تدافع عن أرضها، فحماس أصبحت فكرة، لا يمكن استبعادها من أى حل مستقبلى فى غزة.

فالنتنياهو قد فشل فى كل مخططاته، بعدما فشلت محاولته المفضوحة لتهجير قرابة 1.8 مليون فلسطينى من غزة إلى مصر بعدما حاصرهم قرب رفح الفلسطينية، وهى الخطة التى تم تأجيلها منذ عام 1971 لتصفية القضية الفلسطينية من خلال محو غزة من على الخريطة، وأن يتم حكم القطاع بسيطرة الكيان الإسرائيلى، أو حتى حكم مصرى، أو حكم يقوم به قوات دولية، وهذه هى الورقة الأخيرة التى تلعب عليها حكومة نتنياهو المتطرفة وبن غفير وزير الأمن القومى، وسموتريتش وزير المالية الإسرائيلى، رغم التأكيدات الأمريكية– التى لا أثق بها- وخاصة تأكيدات الرئيس الأمريكى بايدن– الذى لا أثق به- بأن الولايات المتحدة تقف ضد تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.

فهل كرة النار التى تلعب بها إسرائيل مع الجيش المصرى ستخرج عن سيطرتها؟ لأن محاولة جس النبض بترويج أنباء عن عمليات عسكرية قرب الحدود المصرية قد تؤدى إلى أن تشتعل الأوضاع فى أى لحظة نتيجة خطأ متعمد من الكيان الصهيونى الذى يحاول أن يجد مخرجًا بعدما نجحت المقاومة الفلسطينية فى ضرب أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يُقهر وقامت بإذلاله مرتين على الهواء مباشرة، الأولى يوم 7 أكتوبر 2023، بعد أن أذلهم من قبل الجيش المصرى فى حرب 6 أكتوبر 1973 وحطم خط بارليف، حائط الصد الوهمى للكيان الصهيونى.. والأخرى خلال الحرب البرية الحالية. وأعتقد أن سحب كتيبة النخبة الإسرائيلية (الجولانى) من ميدان المواجهات فى غزة، بعدما فقدت عددًا كبيرًا من ضباطها وجنودها فى المواجهات مع المقاومة الفلسطينية، يعطى دلالة خطيرة بأن المقاومة نجحت حتى الآن وبعد أكثر من 80 يومًا فى هز أركان الكيان الصهيونى، رغم الدعم الأمريكى غير المحدود، واستخدام إسرائيل كافة الأسلحة المحرمة دوليًّا، إلى جانب القنابل الفسفورية، فى محاولة للوصول إلى عناصر حماس والجهاد والمقاومة الفلسطينية- حسب زعمهم.

ولكن المقاومة الفلسطينية استطاعت أن تحقق نجاحًا باهرًا، حتى الآن، بقدرتها على الصمود كل هذه المدة، بدون غطاء عربى، من الدول التى قامت بالتطبيع مؤخرًا والتى ستدفع الفاتورة أمام شعوبها يومًا ما عندما يتم تحرير المسجد الأقصى والقدس الشريف، وبدون دعم لوجستى أو مادى، من الدول العربية والإسلامية، اللهم إلا مصر التى تقف وحدها مواجهة المخطط الصهيونى على حدودنا مع إسرائيل.

وقد يتساءل البعض: لماذا لم تجعل مصر محور فيلادلفيا أو محور صلاح الدين، خطًّا أحمر، مثلما فعلت فى مدينة سرت الليبية؟ ونوضح لهم أن الوضع هنا مختلف تمامًا، فهنا نحن نتعامل مع كيان بيننا وبينه اتفاقية سلام، وأى محاولة لخرق هذه الاتفاقية من قبله ستقابل بالقوة، ولكن مصر دولة تحترم اتفاقاتها ومعاهداتها ولن تكون البادئ بالإخلال بهذه الاتفاقيات، وذلك من منطلق القوة وليس الضعف، ومصر دولة لا تتدخل حتى فى الشأن الداخلى الفلسطينى ما بين منظمة التحرير وحماس والجهاد، ولكنها كانت– وما زالت- دائمًا الدولة العربية الحاضنة لتلك الخلافات السياسية والأيديولوجية وحتى العقائدية بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، ودليلنا على ذلك هو (المبادرة المصرية الجديدة) التى قدمتها مصر ومجىء إسماعيل هنية إلى القاهرة، وأمس واليوم قادة الجهاد فى القاهرة أيضًا للتواصل مع أفضل أجهزة الاستخبارات العالمية (المخابرات المصرية العظيمة) مع احترامنا وتقديرنا للدور القطرى، ولكن القاهرة كانت وما زالت هى محطة التقارب الفلسطينى- الفلسطينى، وكذلك الأمر مع كل جيرانها فى الجنوب أو الغرب أو الشرق، لأن مصر قدمت الكثير من الشهداء من جنودها وضباطها من أجل القضية، وهو ثمن لا تقدر أى دولة عربية أخرى أيًّا كانت على تقديمه، حيث التضحية بالدماء الزكية لرجال القوات المسلحة المصرية منذ عام 1948 وحتى الآن.

فلذلك على إسرائيل والنتنياهو وحكومة حربه الشكلية، التى أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الحل، أن تعى تمامًا أن أى اقتراب أو استفزاز على الحدود المصرية، ستدفع ثمنه غاليًا، وسيدخل المنطقة كلها فى حرب وصراع إقليمى، تجر معه دول الجوار العربى كلها، وهى حرب لا يعلم أحد متى تنتهى.

إن الشعب المصرى يقف صفًّا واحدًا خلف قواته المسلحة وقيادته السياسية، ينتظر لحظة الانطلاق، للثأر مما يجرى من مجازر جماعية وإبادة لأهلنا فى غزة وفى الضفة، خاصة أن مجلس الأمن الدولى أصبح خارج الخدمة طالما أن الفيتو الأمريكى موجود، لأن الاعتماد على الموقف الأمريكى سيغرق المنطقة فى دوامات وصراعات وحروب ستكتب نهاية إسرائيل.

وأعتقد أن تدخل روسيا والصين فى المرحلة القادمة سيكون له أبعاد خطيرة على موقف الولايات المتحدة الأمريكية وقواعدها العسكرية المنتشرة فى بعض العواصم العربية، لأن الشعوب العربية وصل بها الأمر إلى حد الانتفاضة الشعبية من المحيط إلى الخليج، ودليلى على ذلك ما قام به الحوثيون، وهى مجرد جماعات مسلحة، بوقف الملاحة قرب باب المندب والبحر الأحمر لأى سفينة تحمل العلم الإسرائيلى أو متجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلى الذى أصبح شبه فارغ تمامًا.

ومن عجائب الأحداث واللامعقول التى نراها فى المشهد العالمى أن أمريكا قامت بعمل تحالف دولى يضم 20 دولة، لمواجهة «التمرد الحوثى» الداعم لأهل غزة والقضية الفلسطينية، رغم أن الحل أسهل بكثير، وهو أن تقوم أمريكا بوقف الحرب ووقف إطلاق النار فى غزة، ولا أقول حل الدولتين ولكن البدء فى أن تكون هناك خطوات حقيقية لإقامة دولة فلسطينية؛ لأنه لا معنى لحل الدولتين وهناك دولة قائمة هى إسرائيل، ودولة غير قائمة هى فلسطين وعاصمتها القدس، وأن تكون حماس جزءًا من معادلة الدولة الفلسطينية الجديدة من خلال انتخابات مباشرة خلال 6 شهور فى الضفة وغزة وكل الأراضى الفلسطينية، يقوم فيها الشعب الفلسطينى باختيار قيادته الجديدة، لأن موقف حماس المتهمة الآن بالإرهاب هو نفس موقف حركة طالبان المتهمة سابقًا بالإرهاب فى أفغانستان، وها هى اليوم تحكم أفغانستان بعد أن أذلت الجيش الأمريكى لسنوات طويلة فى المستنقع الأفغانى، وأعتقد أن نهاية إسرائيل والنتنياهو وبن غفير وسموتريتش ستكون فى المستنقع الفلسطينى، بفضل مقاومة 2.5 مليون فلسطينى فى غزة و3 ملايين فلسطينى فى الضفة.

نحن نحذر الكيان الصهيونى من أن أى لعب بورقة المعابر والمحاور ومحاولة تصدير الأزمة إلى مصر سيتم مواجهتها برد فورى وعملى وصاعق.

انتبهوا.. فأنتم تتعاملون مع جيش مصر
خير أجناد الأرض.

ووراءه شعب مصر التواق للثأر لكرامة الشعوب العربية.