النهار
الأحد 29 ديسمبر 2024 08:32 صـ 28 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أســـامة شرشر يكتب: نكبة 2023

أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار

تساءلت وتساءل الكثير من أبناء الشعب العربى والإسلامى، من كل أنحاء الكرة الأرضية حول أسباب دمج القمتين العربية والإسلامية، فى قمة واحدة، ولكنى تفاءلت خيرًا باجتماع 57 دولة عربية وإسلامية تمثل أكثر من ربع دول العالم، وأنها ستتخذ قرارات حاسمة لإفساد مؤامرة بايدن والنتنياهو لإعادة سيناريو (نكبة 1948) لتصبح (نكبة 2023) فى غزة والضفة الغربية.. ولكن للأسف خاب ظنى كما خاب ظن جميع مواطنى الدول العربية والإسلامية.

فالحقيقة أن هذه القمة كان يجب أن تعترف بأن مصر والأردن هما البلدان الوحيدان المشتركان فى حدود مباشرة مع غزة والضفة، وأن ما يجرى الآن يهدد بصورة مباشرة الأمن القومى لكلا البلدين، وأن ما يقف حجر عثرة فى طريق تنفيذ إسرائيل وأمريكا مخططهما الشيطانى هو الجيش المصرى الذى دخل إلى المنطقة (ج) فى سيناء، فهو الجيش العربى الوحيد الذى يخشاه الكيان الصهيونى حقًّا، بسبب عقيدة الضابط والجندى المصرى خير أجناد الأرض.

ولقد وصل الأمر إلى أن إسرائيل كانت دومًا تشتكى من قيام الرئيس عبد الفتاح السيسى بإعادة تسليح الجيش المصرى، بترسانة من الأسلحة الحديثة من كل دول العالم، حتى إنه جاء فى تصنيف (جلوبال فاير باور) العالمى فى المرتبة الأولى عربيًّا وشرق أوسطيًّا، والعاشرة عالميًّا.

كما خيبت القمة العربية الإسلامية آمال الشعوب، بعدما رأى الجميع، على الهواء مباشرة، أمريكا تقوم بتحريك الأساطيل البحرية وقوات الردع و2000 من نخبة جنود المارينز الأمريكى وفتح ترسانة الأسلحة والدبابات والمعدات وآخرها القنابل الفسفورية لإسرائيل، من أجل إبادة غزة وإزالتها من على خريطة العالم، وكما قال بايدن عندما شارك فى مجلس الحرب الإسرائيلى إنه لا عودة لحماس فى غزة بعدما حدث فى 7 أكتوبر 2023، وإن إسرائيل هى جزء لا يتجزأ من الولايات المتحدة الأمريكية.

كل هذه المعطيات من تخاذل عربى، ودعم أمريكى غير محدود سمح بـ(محرقة المستشفيات) التى يقوم بها الكيان الصهيونى تحت ذريعة وجود خنادق وأنفاق لحماس وقادة حماس، فمنع بسبب ذلك الوقود عن المستشفيات؛ حتى توقفت العناية المركزة عن المرضى الفلسطينيين، والجريمة البشعة التى حدثت وسط صمت عالمى مريب هى قتل الأطفال حديثى الولادة بعد تعطل الحضانات بسبب نقص الوقود وانقطاع الكهرباء، وجاءت الصور أوضح وأسوأ من أى كلام، فكل لحظة تمر يموت فيها طفل تلو الآخر.

فالنتنياهو بهذا العمل الإجرامى يريد أن يمحو أى شكل من أشكال الحياة به روح فلسطينية من مستشفيات أو مدارس أو منازل عن أرض غزة، ويتبع سياسة الأرض المحروقة التى هى خطة متفق عليها ويقوم بتنفيذها الخبراء العسكريون من الأمريكان، فى محاولة منهم لفك شفرة ولغز الأنفاق الحمساوية تحت الأرض، حتى لو أدى ذلك لاستخدام أسلحة غير مشروعة (مثل غاز الأعصاب وأشياء أخرى لم يتم الإفصاح عنها) للوصول إلى رجال المقاومة.

أعتقد أن موضوع الهدنة الأمريكية ما هو إلا غطاء لإسرائيل لاستكمال محاولات القضاء على البشر والمقاومة، وهم لا يدركون أنه إذا تم القضاء على حماس ستخرج لهم ألف حماس أخرى، لأنها فكرة والأفكار لا تموت، فمن يدافع عن أرضه وعرضه لا يحتاج للانضمام إلى تنظيم لمقاومة المحتل، ولا يحتاج إلى أحدث الأسلحة للوقوف أمامه، فرجال المقاومة يدركون أن أى نكبة جديدة مثل نكبة 1948، ستكون نهاية للقضية الفلسطينية، ولكن المشكلة الحقيقية هى فى الصمت العربى والإسلامى والدولى أمام الفيتو الأمريكى والأوروبى، فإذا كانت حجة الأمريكان هى 230 أسيرًا إسرائيليًّا فى غزة، فإن الدول العربية والإسلامية يجب أن تنتفض ضد قيام إسرائيل باحتجاز 2.5 مليون رهينة فلسطينى فى غزة، و3 ملايين رهينة فلسطينى فى الضفة الغربية.

وإلا فأى عدل وأى قانون سواء إنسانيًّا أو غير إنسانى يسمح بهذا الطوفان الأمريكى والإسرائيلى لإبادة شعب بأكمله؟!، فما يحدث الآن فى غزة هو جرائم لم يحدث مثلها فى الحربين العالميتين الأولى والثانية، أو فى أى مكان فى العالم، لأن المستشفيات والمدارس كانت دائما خطًا أحمر، إلا أننا أمام صورة تحدث لأول مرة يرى فيها العالم الدبابات الإسرائيلية تحاصر المستشفيات فى غزة.

نريد أفعالًا لا أقوالًا.. وكنت أتمنى، كمواطن مصرى وعربى وإسلامى، أن تخرج القمة العربية الإسلامية بقرارات حاسمة لقطع العلاقات العربية والإسلامية مع إسرائيل، أو استخدام سلاح البترول لمواجهة هذا الغزو الذى لم يشهد له التاريخ مثيلًا، ولِمَ لا؟! فالعرب قاموا باستخدام البترول كورقة ضغط خلال حرب 1973 المجيدة، أيام الرئيس السادات، رحمة الله عليه، عندما قام خادم الحرمين الشريفين الملك فيصل بن عبدالعزيز بالتهديد بورقة البترول وقطعه عن أمريكا ودول أوروبا، ونتذكر من الذاكرة المنسية قيام الرئيس هوارى بومدين، بالذهاب إلى الاتحاد السوفييتى فى ذلك الوقت، وتقديمه شيكًا على بياض إلى الكرملين لتسليح الجيش المصرى والجيش السورى، وغيرهما من المواقف المشرفة لكل الدول العربية بلا استثناء، سواء بالدعم بالسلاح أو بالمال أو بالجنود، فسلاح البترول وقتها أحدث زلزالًا فى أمريكا وأوروبا.

فهل بعدما يجرى وما زال يجرى، لا نستخدم أوراق الضغط على المصالح الأمريكية والأوروبية من خلال قيام الشعوب العربية بمظاهرات فى كل العواصم العربية والإسلامية، مثلما يجرى من مظاهرات يقوم بها الجيل الجديد من الشباب فى أمريكا، ومظاهرة نصف المليون متظاهر التى تم إقالة وزيرة داخلية بريطانيا بسببها، ومظاهرات فرنسا وكندا وكل عواصم الدنيا؟!.

أعتقد أنه إذا اتحدت المواقف العربية والإسلامية، فإن المواقف الأمريكية والأوروبية ستتبدل، خصوصًا أن أمريكا هى التى تدير كل المنظمات والهيئات الدولية، ونحن متفرجون وصامتون أمام قتل آلاف البشر من النساء والأطفال، لدرجة– ولا أبالغ- أن الحجر فى غزة والضفة يكاد ينطق من هول الفظائع التى يراها والتى لم تحدث فى تاريخ البشرية من أيام قابيل وهابيل.

ودعونا نتساءل مجددًا: لماذا لا تدعمون مصر وتقفون وراءها؟!

ولماذا لم يتوحد القرار العربى داخل الغرف المغلقة فى قمة الرياض؟!

وما الأسباب الحقيقية التى تجعل أمريكا وإسرائيل لا تكترثان لأى مبادرات أو توصيات– وليس قرارات- خرجت بها القمة العربية والإسلامية فى السعودية؟!.

دعونا نصارح أنفسنا: هل ستتحمل مصر والأردن وحدهما فاتورة ما يجرى فى فلسطين؟!

لقد قدمت مصر الكثير من الشهداء من أبنائها، والأموال من اقتصادها المنهك، ودخلت حروبًا عديدة من أجل القضية الفلسطينية، وهى حائط الصد الوحيد أمام محاولات تهجير الفلسطينيين، أو بمعنى أدق وأشمل، تصفية القضية الفلسطينية، من خلال تهجير أهل غزة إلى سيناء، وأهل الضفة إلى الأردن، والتخلص من عرب 48.

فهذا هو المخطط الذى تم تأجيله منذ عام 1974، وأرادت كونداليزا رايس إحياءه تحت مسمى الفوضى الخلاقة، ولكنهم اكتشفوا أن الجائزة الكبرى (مصر) بها تلاحم بين الجيش والشعب؛ فتوقف المخطط، وها هم اليوم يحاولون تحقيق حلم إسرائيل (من النيل إلى الفرات)، ولكن الشعب المصرى والعربى يعلم تفاصيل التفاصيل، ويعلم من يخون ومن يدعم القضية، ومن يقف أمام مخططات بايدن ونتنياهو وبن غفير لإنهاء القضية الفلسطينية.

غزة لن تموت..

والمقاومة لن تنتهى، وستظل فلسطين فى قلب مصر وقيادتها وشعبها، ولن يتم تنفيذ المخطط الصهيونى حتى لو استخدموا القنبلة النووية، فقنبلة البشر هى الباقية، فهل تتحقق نبوءة الشيخ أحمد ياسين بنهاية دولة إسرائيل من الوجود فى عام 2027؟!

ارحموا الشعوب العربية والإسلامية

يرحمكم من فى السماء