النهار
الأحد 29 ديسمبر 2024 09:15 صـ 28 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: سقوط الإعلام الغربى فى غزة

النائب والإعلامي أسامة شرشر
النائب والإعلامي أسامة شرشر

لا شك فى أن أحداث غزة، وعملية الإبادة الجماعية التى يقوم بها الكيان الصهيونى وأمريكا، بحق الشعب الفلسطينى سواء فى غزة أو فى الضفة الغربية، تعطى دلالات خطية أن الحرب الدائرة الآن ليست مع إسرائيل ولكنها مع أمريكا والغرب، ودليلى على ذلك أنه بعد إرسالهم حاملة الطائرات الأمريكية فى البحر المتوسط، توالت عمليات وصول قوات الردع السريع الأمريكية إلى غزة.

فأمريكا هى التى تدير الصراع مع حركة المقاومة الفلسطينية من خلال خبرائها العسكريين وطائراتها والمارينز، وهذا ليس سرًّا، ولكنه أمر معلن أمام صمت العالم العربى وصمت المجتمع الدولى ومع احترامى الشديد للأمين العام للأمم المتحدة، وكريم خان، رئيس المحكمة الجنائية الدولية، وما قاله من أن ضرب المستشفيات والكنائس والمساجد ومدارس الأونروا التابعة للأمم المتحدة ضد القانون الإنسانى والأخلاقى، وسيحاسَب كل من فعل ذلك كمجرمى حرب؛ لأنهم يقومون بإبادة المدنيين بشكل لم يحدث منذ أيام هتلر الهولوكوست، أو فى مجزرة البوسنة والهرسك أو أى مكان فى العالم، ومع احترامى لكل هذا فإننا نريد أفعالًا وليس أقوالًا لوقف إطلاق النار؛ لأن حركات المقاومة ليست جماعات إرهابية ولكنها حركات تحرر ومقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلى المستمر منذ 75 عامًا.

فإذا كان الأمر كما تدعى أمريكا أن حق الدفاع عن النفس مكفول لإسرائيل فقط (فمن يكفل حق الدفاع عن القدس والأقصى والضفة وغزة على مدار عقود طويلة يا عالم؟!) فنريد أفعالًا وليس أقوالًا ولا نفرح بعمليات الشجب والإدانة والبيانات دون أى دعم عربى لوجستى واقعى.

والفضيحة الكبرى التى كشفت عنها الوثائق السرية الإسرائيلية التى تم كتابتها عام 1971- هى محاولات تهجير أهل غزة إلى سيناء دون اكتراث بردود الفعل الدولية أو العربية؛ لأنهم يمتلكون حق الفيتو الأمريكى، وهو ما يؤكد أن (وعد بايدن للوبى الصهيونى وإسرائيل بمحو وإلغاء اسم فلسطين من الخريطة هو- يا عرب- أكثر خطورة من وعد بلفور عام 1917 والذى كان يقسّم فلسطين)، ودليلنا على ذلك أنه لأول مرة فى تاريخ الرؤساء الأمريكيين على مر التاريخ يحضر رئيس أمريكا (بايدن)، أثناء ضرب غزة، مجلس الأمن القومى الإسرائيلى.. ومجلس الحرب؛ فيا حكام العرب سأرددها إلى أن ألقى الله: (المتغطى بالأمريكان عريان).

وننتقل إلى قواعد اللعبة الإعلامية التى سقطت خلالها كل الأقنعة التى كان يتخفى خلفها الإعلام الغربى بكل صوره وأشكاله، وهو الذى كان يدعى المهنية والحيادية وحقوق الإعلام وصمتوا صمت القبور عما يجرى فى غزة، وأعتقد أن مشهد أسرة الزميل وائل الدحدوح تجعل الحجر قبل البشر ينطق من هذه البشاعة عندما فقد زوجته وابنه وابنته وحفيده الذى لم يتجاوز عمره أيامًا، ولم أصدق كصحفى وإعلامى مستقل ما يقوله الإعلام الغربى على الإطلاق وهذا ما شاهدته أيضًا منذ أسبوعين فى الأمم المتحدة فى جنيف فى مجلس حقوق الإنسان أن هناك حالة تربص بمصر أولًا وأن الآلة الإعلامية الغربية المزيفة سقطت فى مستنقع غزة سقوطًا مزريًا بعدما كشف الحقيقة (لأن الحقيقة دائمًا مؤلمة) ودور الإعلام كما تعلَّمنا وعَلَّمنا هو نشر الحقائق مجردة.

ولكن ما يجرى يجعلنا نسقط كل الشعارات التى يتشدق بها الغرب عن المهنية، بعدما أصبح سحر الإعلام الغربى الذى تعايشنا معه سنوات طويلة مفعولًا به وليس بفاعل فى أحداث غزة، وبعدما تم كشف المستور عن ادعاءات المهنية التى سقطت فى بئر الانحياز وعدم المهنية بالصوت والصورة، وكأن الحرب بها طرف واحد وهم الإسرائيليون، أما الفلسطينيون فلا وجود لهم عندهم على الإطلاق، ولا إشارة أو نقل بأمانة، وكأن المشروع الإعلامى الصهيونى الغربى يعلن عن مؤامرته الرخيصة بعدم نقل الحقيقة، وهو ما قلته فى جنيف فى مجلس حقوق الإنسان أمام 194 دولة (إن مصر تتعرض طوال 24 ساعة يوميًّا على مدار السنة لحملة أكاذيب وشائعات يقودها الإعلام الغربى وأجهزة المعلومات التى حاولت وما زالت تحاول العمل على عدم استقرار مصر وقيادتها).

ولكن جاءت أحداث غزة لينقلب السحر على الساحر، وهنا أتذكر ما قاله مرشد الإخوان الأسبق مهدى عاكف، عندما شبه الإعلام المصرى فى عصر ازدهاره بـ(سَحَرة فرعون)، وهنا أقول إن الإعلام الغربى بأسره هو (سَحَرة بايدن ونتنياهو وبن غفير) مجرمى الحرب، وأن المحرقة الإعلامية التى تمارسها وسائل الإعلام الغربية أصبحت بالنسبة للرأى العام العالمى والعربى تمثل نوعًا من أنواع الخيانة الإعلامية للمواطن فى كل مكان، ودليلنا على ذلك المظاهرات الحاشدة التى جابت واشنطن وميدان الحرية الوهمى فى نيويورك وأكبر حشد فى تاريخ بريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية وهى المظاهرة المليونية فى لندن وكذلك فى ألمانيا وفرنسا.

ولكن ما لفت نظرى وكان رسالة للحكومات العربية وهزّنى جدًّا صورة المظاهرات الحاشدة بالآلاف لنساء تعِز باليمن السعيد الذى لم يعد سعيدًا، لتطالب الحكومات العربية بالدعم الفعلى وليس بالتصريحات والشعارات لأهلنا فى غزة والضفة الغربية والقدس الشريف، فهذه المظاهرات لنساء تعِز فى هذا التوقيت الذى يعانى فيه الشعب اليمنى العظيم هى رسالة للعالم أننا لن نصمت ولن نسكت، لأن الحقيقة أصبحت واضحة لكل شعوب الدنيا.

وأقترح على الحكومة المصرية ألا تحضر مؤتمر حقوق الإنسان فى شهر نوفمبر القادم، والمقرر أن يلقى فيه السفير خالد البقلى، مساعد وزير الخارجية لحقوق الإنسان، كلمة مصر، وهذا أبسط رد على ما يجرى فى غزة والأراضى المحتلة.

ارحموا من فى الأرض

يرحمكم من فى السماء.