أسامة شرشر يكتب: غزة.. أين أنتم يا عرب؟!
لا شك أن عملية الإبادة والتشريد الجماعى التى تقوم بها إسرائيل للفلسطينيين عامة وأهل غزة والقدس خاصة، هى وصمة عار فى جبيننا جميعًا كعرب.
وكما أعلنتُ فى الأمم المتحدة، فى منظمة حقوق الإنسان بجنيف، الأسبوع الماضى، فإن الترويج للإسلاموفوبيا لا يخدم إلا مجرمى الحرب أمثال بن غفير ونتنياهو، ولكن هذه الأفعال لن تثنى المقاومة الفلسطينية؛ لأنها تدافع عن الأرض والحق وتطبق القوانين وقرارات الشرعية الدولية– إذا كانت هناك شرعية دولية.
وتساؤلى وتساؤل الشارع المصرى والعربى من المحيط إلى الخليج: أين أنتم يا عرب؟! وأين الحكومات العربية التى ترى حالة التوحد الاستثنائى من أمريكا التى تقود الحرب ضد الفلسطينيين، بل معهما أوروبا بأسرها، وحتى أوكرانيا التى تشرب من نفس الكأس أعلنت دعمها الأعمى لإسرائيل لأنها مجرد تابع للأمريكان، الذين تجاوزوا كل الحدود بإعلانهم إرسال 2000 جندى أمريكى من قوات النخبة لدعم جيش الاحتلال الإسرائيلى فى حربهم ضد الفلسطينيين.
ولا بد أن نشيد بالموقف الرسمى المصرى والأردنى بصفة خاصة، ورفضهما المطلق أى عملية تهجير لأبناء غزة فى سيناء وأبناء الضفة فى الأردن، لأن هذا يعنى الخلاص من عرب 48 وتصفية القضية الفلسطينية تمامًا، وتتحقق المؤامرة الصهيونية بالخلاص من اسم فلسطين من على الخريطة العربية والإقليمية والدولية، وهذا المخطط الجهنمى يتم برعاية أمريكية بعد فشلهما الاستخباراتى، وليس هناك أدل على ذلك من إمداد أمريكا لإسرائيل بكل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة وحاملات الطائرات، فهذا الدعم الأمريكى لإسرائيل لم يحدث مثله منذ حرب أكتوبر 1973، وأمام شعب أعزل لا يملك إلا الحد الأدنى من المقاومة، وفى معركة لا يصنع فيها الفارق إلا الجندى الفلسطينى، وهو ما كان واضحًا فى عملية أسر الجنود الإسرائيليين، والذين استسلموا بلا مقاومة تذكر، لأنهم يعلمون أنهم مجرد محتل غاشم، بينما الجندى الفلسطينى يدافع عن نفسه وعن أرضه وعن وطنه، ولن يسمح بتكرار مأساة نكبة 1984 مرة أخرى.
فالألغام البشرية الفلسطينية موجودة فى كل فصائل المقاومة الفلسطينية وليست حماس وحدها، لأن المقاومة حق مشروع أقرته القوانين والأعراف الدولية، إلا أنه للأسف الشديد تقف هذه القوانين عاجزة أمام حماية المدنيين العزّل فى غزة، من النساء والأطفال، ويتم التفاوض الآن حول عمل هدنة مدتها 5 ساعات فحسب لإدخال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء ووقود إلى شعب انقطعت عنه كل سبل الحياة، بينما يتم قصفه بصواريخ وأسلحة محرمة دوليًّا.
فهذه المشاهد المروعة التى نراها لقصف الأطفال والمدنيين فى غزة، ستظل عارًا فى جبين مجلس الأمن والمجتمع الدولى الذى وقف صامتًا أمام الاجتياح البرى الذى يلوح به نتنياهو على مدار الساعة بل كل دقيقة.
وأنا أقولها من أعلى مئذنة فى قاهرة المعز، كما قلتها فى منظمة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، واعترض وقتها المندوبان الإسرائيلى والبريطانى خلال الجلسة، إن ما تقوم به إسرائيل فى غزة والقدس والضفة الغربية هى جرائم حرب بكل المقاييس والمعايير الدولية، وإن ما تقوم به المقاومة الفلسطينية هو دفاع مشروع عن النفس وعن الأرض والعرض.
وأؤكد أن إسرائيل إذا قامت باجتياح فلسطين وغزة جزء منها، سيكون ذلك كارثة على إسرائيل أولًا قبل الفلسطينيين، بل ستكون كارثة إستراتيجية وإنسانية ذات تكاليف بشرية لا يعرف أحد حجمها، فهذا القتل الجماعى سيؤثر على المصالح الأمريكية والأوروبية نفسها فى الشرق الأوسط، بل سيؤثر على التركيبة السكانية الفلسطينية والإسرائيلية، وحلفاء إسرائيل سيدفعون الثمن غاليًا فى المرحلة القادمة لأنهم سيجرّون العالم العربى إلى صراع كارثى ودموى سيكون نقطة سوداء فى جبين العالم الذى يرفع شعار (حقوق الإنسان والحيوان) وهو أبعد ما يكون عن ذلك.
فهل يُعقل أن يقوم معرض فرانكفورت للكتاب باستبعاد الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلى من مناقشة كتابها؟ هل وصل الأمر بأوروبا وأمريكا إلى حصار كل شىء حتى الثقافة والمعرفة التى تقرب الشعوب؟ هل أصبح ممنوعًا الآن فى ظل هذا الطوفان الأمريكى الأوروبى أن نسمع صوتًا فلسطينيًّا؟ وليس أدل على ذلك من الكذب والتزييف والسقوط والفشل المذل الذى سقط فيه الإعلام الأمريكى والأوروبى.
نقول لهم إن رجال المقاومة الفلسطينية الذين أقاموا شبكة أنفاق سرية تحت الأرض بطول 500 كيلومتر قادرون على مفاجأة الجيش الإسرائيلى مرة ثانية، بعد أن سقط فى أول احتكاك مباشر مع رجال المقاومة يوم 7 أكتوبر الماضى، وسقطت معه أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يُقهر، وهذه هى أم الكوارث التى يعانى منها الجندى الإسرائيلى والشعب الإسرائيلى، أنه أدرك أنه ليس شعب الله المختار، بل هو صاحب أسوأ جيش شهدته البشرية.
إن هذا التتار الإسرائيلى المسلح بعقيدة المتطرفين والذى يريد أن يحتل المسجد الأقصى ويمنع أهل القدس من إقامة الصلوات فى المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، وأن يحوله إلى مكان ومرتع للحفاة العراة من المستوطنين الذين جاءوا من شتات العالم ليمارسوا التقاليد والمراسم الدينية- ليس بشرًا يعرفون ويدركون ما يفعلون، ويدعون أنهم سيقومون بتهويد القدس، وهذا ضرب من المستحيل.
وأتوقع أن يتحول هذا الصراع إلى صراع إقليمى، وعندها بإذن الله ستكون مصر طرفًا فيه بشعبها الأبى وجيشها خير أجناد الأرض الذى دفع الثمن من دماء شهدائه من الجنود والضباط، ونحن كمصر لا نملك الأموال أو البترول ولكننا نملك ما هو أقوى وهو إرادة الضابط والجندى المصرى الذى يهفو كل منهما إلى الشهادة، فهذه عقيدة ليست موجودة إلا عند الضابط والجندى المصرى، ففلسفة رجال القوات المسلحة خير أجناد الأرض ستظل هى الفاصل فى قضية الصراع العربى الإسرائيلى.
وكشفت الأيام الأخيرة أيضًا أن القاهرة ستظل هى القبلة السياسية للعالم العربى، وهى المركز وافق من وافق وأبى من أبى، وانعقاد قمة السلام يوم السبت القادم فى مصر، هو دليل قوى بأن مصر تقود العالم العربى، وأنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا بمصر مهما حاول البعض القفز على الأدوار والتاريخ والجغرافيا السياسية، فمصر هى حجر الزاوية بشعبها وجيشها العظيم.
وأنا أنبه على أمريكا وأوروبا بأن تنقذ إسرائيل من نفسها لأنها أصبحت فى مرمى النيران العربية، لأن السواد الأعظم من أحرار العالم لا يرضون أن يباد ملايين من الفلسطينيين، فى أرضهم وأمام أعين العالم وفضائياته.
وأتعجب من أن الجماعات الظلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان الإجرامية، لم تصدر بيانًا واحدًا لإدانة إسرائيل على ما تفعله فى الفلسطينيين وأهلنا فى غزة، من استهداف بشع للأطفال والنساء والشيوخ، فى مشاهد تجعل الحجر قبل البشر ينطق من هول المآسى التى لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
أين أنتم يا عرب؟ ولماذا لم يتم إعلان دعم المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطينى بالأسلحة والجنود والأموال؟ ولماذا لم يعلن القادة العرب رفضهم المطلق لتهجير الشعب الفلسطينى وإبادته؟ لأن ما يجرى على فلسطين إذا لم يتم إيقافه من خلال قرار عربى موحد سيكون الدور على الدول العربية دولة تلو أخرى.
فالتطبيع مع إسرائيل لا وجه له، وأى مبادرة سلام لا وجود لها، وأى اتفاقيات أُبرمت أصبحت فى مهب الريح.
أفيقوا يا عرب قبل فوات الأوان، فأنين الأطفال وصراخ النساء ما زالا يهزان كل إنسان حر فى العالم، لأن ما يجرى فى إسرائيل هو أم الجرائم وأم الكوارث، فنتنياهو وبن غفير مكانهما الطبيعى فى المحكمة الجنائية الدولية كمجرمى حرب؛ لأنهما فعلا بالفلسطينيين ما يشيب لهوله الولدان.
انتبهوا يا عرب، فهذا النداء الأخير؛ إما أن نكون أو لا نكون، بعدما سقطت أقنعة كل الخونة والذين هرولوا للتطبيع مع إسرائيل، وأعتقد أن هذه هى مصيبتنا كعرب أننا لا نتوحد حتى عندما يطرق الخطر باب كل بيت فلسطينى وعربى، فالأيام دول والدول أيام.
وأخيرًا (أوقفوا تنفيذ الإعدام فى الشعب الفلسطينى؛ لأن الحياة حق للجميع).