أسامــــة شرشر يكتب: روح أكتوبر
نعيش فى هذه الأيام ذكرى اليوبيل الذهبى لانتصارات أكتوبر العظيمة بمناسبة مرور 50 عامًا على هذا النصر العظيم، والتى كان أعظم ما فيها هو (روح أكتوبر)، التى أعادت مصر من حالة الانكسار والهزيمة والتردى إلى حالة العزة والكرامة والنصر، وخلقت إرادة وطنية جديدة حول مشروع قومى، لا يختلف عليه أى مصرى مهما كان توجهه السياسى.
وأعتقد أن هذا الانتصار الاستثنائى يجب أن يُبنى عليه، وأن يتم استلهام روح أكتوبر وإعادة بثها فى صفوف الشعب المصرى العظيم، من خلال إعادة الدولة المصرية لريادتها العربية والإقليمية مثلما حدث فى حرب أكتوبر عندما التف العرب حول مصر ودعموها بكل شىء لتحقيق النصر.
فلا ننسى موقف الملك فيصل عندما استغل سلاح البترول للضغط على الأمريكان والدول الغربية الداعمة لإسرائيل، ولا موقف الرئيس الجزائرى هوارى بو مدين، ولا موقف العراق والكويت وبقية الدول العربية التى شاركت ببعض جنودها أو بجنودها وسلاحها لدعم القضية المصرية العربية.
وسواء اتفقنا أو اختلفنا حول كامب ديفيد، فإن استعادة الجيش المصرى الأراضى المصرية وخاصة سيناء الحبيبة، واستعادة الحدود المصرية، تجعلنا نستلهم من حرب أكتوبر قدرة الشعب المصرى العظيم والجيش المصرى خير أجناد الأرض على مواجهة أى تحدّ مهما بدا مستحيلًا، فأجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية كلها كانت تؤكد أن الجيش المصرى لن يحارب وأن هذه هى نهاية الدولة المصرية وأن الشعب المصرى فقد الأمل فى أى عمل عسكرى يعيد له أرضه وكرامته، إلا أن المفاجأة كانت صادمة والحرب انتهت بمنظر الأسرى الإسرائيليين المذل للجيش الإسرائيلى الذى كان يزعم أنه جيش لا يُقهر، والصراخ والعويل الذى قامت به جولدا مائير وموشى ديان للأمريكان والأوربيين (أنقذونا.. إسرائيل تنهار).
وفى هذه الأيام نتذكر أيضًا الشائعات والنكات التى انتشرت فى هذا الوقت قبل حرب أكتوبر، والتى كانت جزءًا من الحرب النفسية لإحباط الروح المعنوية للشعب المصرى وضباط وجنود الجيش المصرى العظيم وخاصة عندما قامت القوات المسلحة بالاستعانة بضباط الاحتياط فى كل التخصصات ليكونوا جزءًا من أفرع القوات المسلحة المختلفة، فعملية الخداع الاستراتيجى التى أجادها بامتياز الرئيس السادات جعلت أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية فى حالة ذهول أنها لم يكن لديها أى معلومات عن توقيت الحرب، وجعل جولدا مائير وموشى ديان فى حالة رعب، وكانت آثار الهزيمة واضحة أثناء عودة الأسرى الإسرائيليين بشكل مهين، وهذا يؤكد على كذب ادعاءات الإعلام الصهيونى الذى يحاول أن يغير التاريخ والجغرافيا السياسية بادعاء أنه لم يكن هناك انتصار لمصر فى حرب أكتوبر، وهناك بعض الأبواق الغربية صدقت هذه الشائعات، ورددها وراءهم الجماعة الظلامية الإخوان المسلمين التى نشرت هذه الادعاءات لأنها بينها وبين الجيش الوطنى المصرى العظيم كراهية التحريم والإبادة، وهذا ليس بجديد عليهم، فمرشد الإخوان حسن البنا تعاون مع المخابرات البريطانية فى الإسماعيلية وكانت أول رشوة له منهم 500 جنيه، وكان ضد فكرة الاستقلال الوطنى وضد ثورة 1952 وضد أى شىء مصرى؛ لأن ولاءهم للغرب واعتقادهم أن الوطن حفنة من التراب لا قيمة له، وهذا ما أكده سيد قطب فى كتبه أن (الوطن والحدود لا تعنينا ولكن يعنينا نشر فكر الإخوان فى أى زمان وأى مكان وأن أعيننا دائمًا على السلطة وأن الجيش المصرى هو الحاجز والمانع والساتر فى وصولنا للحكم).
فلذلك أقترح ضرورة معرفة الشباب المصرى والطلاب فى المدارس بتاريخ الجيش المصرى منذ أيام تحتمس حتى الآن، وأن تسجل هذه الأحداث والمواقف والحروب باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، والشباب يقرأ ويقرر، ولا نملى عليه الأحداث، ولكننا نجعلها متاحة له وهو الذى يقرأ ويقرر حتى لا يكون الممنوع مرغوبًا، لأن فكر الشعب المصرى له تركيبة خاصة، وآن الأوان أن يكون لشباب هذه الفئة العمرية الخطيرة التى تمثل 60% من الشعب المصرى قدرة على التمييز والمقارنة واختيار القرار.
فلذلك نرى أن احتفالات أكتوبر يجب أن تعود من خلال لجنة مستقلة تقوم بوضع خطة للتوضيح للشباب المصرى ما فعله الجيش المصرى منذ عهد الفراعنة حتى الآن وخاصة انتصارات أكتوبر وقدرة الضباط والجنود المصريين فى هذا التوقيت على إحداث زلزال عسكرى هز كل المراكز الأكاديمية فى العالم من خلال عبور الساتر الترابى وخط بارليف.
وننبه أيضًا إلى غياب الإعلام غيابًا تامًا، ودعونا نعترف بصراحة وبصدق بأنه إذا عدنا لاحتفالات أكتوبر منذ 50 عامًا فسنجد أنه فى كل عام تتكرر نفس الصورة فى البرامج والاحتفالات والأغانى وليس هناك أى فيلم وثائقى أو تسجيلى كبير يسجل أحداث حرب أكتوبر التى ما زال بها أسرار كثيرة لا يعلمها الشباب أو الشعب المصرى، والإفراج عن الوثائق العسكرية بعد مرور 50 عامًا عامل مهم، وآن الأوان أن يتم تداول المعلومات من خلال خبراء عسكريين ما زالوا على قيد الحياة يكشفون للشباب ماذا دار فى الحرب وكيف تم الإعداد لها على كل المستويات، وخاصة حالة الإبداع التى صنعها ضباط وجنود الجيش المصرى فى السرية والتعتيم الإعلامى والتضليل المدروس فى عدم معرفة ساعة الصفر.
دعونا نعترف ولو مرة واحدة بأن هناك تراجعًا إعلاميًا فى تغطية أى حدث قومى، فماذا عن حدث مثل حرب أكتوبر؟!
فليالى وأيام 6 أكتوبر ما زال فيها الكثير من المفاجآت والحكايات والأحداث الوطنية العظيمة مثل رائعة ليالى الحلمية لأسامة أنور عكاشة.
وأقولها بكل صراحة وشفافية إن (المواقف والحروب تصنع الرجال والنواقص تصنع أشباه الرجال)؛ فيجب أن تعاد النظرة بشكل عام واستراتيجى وثقافى وإعلامى فى احتفالات حرب أكتوبر بطريقة جديدة حتى يعلم الشعب المصرى ما فعله رجال القوات المسلحة من معجزة بكل المقاييس.
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها وأزهرها وكنيستها.