شعبان خليفة يكتب : ملح الأرض
للملح وظائف عديدة فى الطعام، الشراب، الدواء، الزراعة والصناعة, والملح هو الذى يعطى للطعام مذاقه.. كما أنه يستخدم فى حفظ الأطعمة من الفساد. وبعض أنواع الأملاح لها استخدامات عديدة.
وهو يذوب أينما يتم استخدامه ناكرًا ذاته وكمية قليلة منه تكفى لطعام كثير.
ويُطلق على العلماء والشعوب التى تكدح وتسعى ملح الأرض، ولكل تسمية أسبابها، وللملح خاصية عظيمة فى الحفظ، ولذا قيل: من يفسد الملح إذا الملح فسد! وفى الإنجيل قال المسيح عيسى، عليه السلام، لتلاميذه: "أنتم ملح الأرض، ولكن إن فسد الملح فبماذا يملّح؟! لا يصلح بعد لشىء إلا لأن يُطرح خارجًا ويُداس من الناس" (متى5: 13).
والمعنى أن العالم والعابد الحقيقى هو الذى يعطى لحياة البشر مذاقها، فبالرغم من أن كميته تكون قليلة إلا أنه يملح وفساده فساد كبير للبلاد والعباد.
ومن القصص ذات الدلالة التى وردت فى الأثر أن رجلًا أحب سيدة جميلة وذات أدب وعلم، وبعد فترة من الزواج وقعت خلافات فى القبيلة تم الحكم بسببها على الرجل وزوجته الجميلة الحكيمة بالطرد من أرض القبيلة فخرجا لبلد آخر واستقبلهما شيخ القبيلة فى البلد الجديد ووقع فى نفسه حب زوجة الرجل.. فقربه منه ثم احتال، وأرسله مع عدد من الرجال فى مهمة لعدة أيام خارج البلاد، وبعد سفره ذهب ليلًا لبيت السيدة وأخبرها أنه شيخ القبيلة ويريدها لأمر مهم ففتحت مخافة أن يكون الأمر خطيرًا، ولما دخل أخبرها أنه أحبها وأنه يريدها لنفسه.. فقالت له السيدة الحكيمة: لك ما تريد إن حللت لى هذا اللغز، فوافق، فقالت له: من يصلح الملح إذا الملح فسد؟.
واحتار شيخ القبيلة، فقال لها: الغد آتى إليك بحله، وجمع الرجل أهل العلم والخبرة فى القبيلة، وطرح عليهم السؤال؛ فلم يستطع أحد الإجابة إلا رجلًا حكيمًا قال له اصرف الناس وأحله لك، ففعل شيخ القبيلة، فقال له الحكيم: أنت راودت سيدة ذات علم وحكمة عن نفسها؛ فأنكر، فقال الحكيم: لا حل إن لم تصدقنى. قال: حدث، فقال الحكيم: إن المرأة بعلمها وأدبها أرادت تأديبك بالعلم؛ فهى تقصد أن الرجل من القبيلة إذا فسد أصلحه شيخ القبيلة، ولكن من يُصلح شيخ القبيلة "الملح" إذا فسد. ورحم الله أبا سفيان الثورى؛ فقد كان ينشد شعرًا:
يا رجال العلم يا ملح البلد
من يصلح الملح إذا الملح فَسَدْ