أسامة شرشر يكتب: ظاهرة رامز جلال
لا شك أن بعض ما يجرى على الساحة الفنية هو استفزاز حقيقى وكبير لمشاعر المواطنين فى مصر والعالم العربى، خاصة برنامج رامز جلال الذى أصبح ظاهرة عبثية فى كل البيوت المصرية والعربية، بأفعاله المهينة، وألفاظه الخطيرة، التى تروج لجيل من الشباب يعيش هوس برامج المقالب.
ورغم أن شقيقه ياسر جلال صديقى على المستوى الشخصى وعلى مستوى الكلمة، وهو فنان راقٍ ومحترم يقدم أعمالًا فنية ووطنية رائعة ويواجه الإرهاب الفكرى والإرهاب الفنى.. لكن هذا لا يمنع من نقد رامز؛ فهو يحتاج لنصح وإرشاد يقوده إلى تقديم شكل جديد من البرنامج فى شهر رمضان، بعدما حذر النقاد الفنيون على مدى سنوات من أن البرنامج بصورته الحالية فقد صلاحيته وأصبح كارثة!.
وأنا هنا لا أصادر طاقة رامز الفنية؛ فهو ممثل موهوب ومقدم برامج جيد صمد لسنوات فى المقدمة قبل أن يتراجع فى السنوات الأخيرة ولكنى أصادر الأفعال والألفاظ التى تخدش الحياء فى كل بيت مصرى؛ لأن أخطر ما فى برنامج رامز جلال أنه تحول من عمل فنى إلى عمل تجارى بحت، وأصبح «بيزنس» يستطيع أن يشترى أى فنان بحفنة من الدولارات ويفعل به ما يشاء.. وهذا هو المسكوت عنه فنيًا وأخلاقيًا وإنسانيًا، وأيًا كانت المبالغ التى يتقاضاها الفنان، فكرامة الفنان من كرامة الوطن، وكفانا عبثًا.
فرامز جلال- للأسف الشديد- أصبح أداة لنشر الفن الردىء والهابط وفن (السح الدح إمبو) مع تقديرنا الكامل لشخص رامز جلال، ولكن الاختلاف لا يفسد للفن هوية.
والأهم فى هذا الموضوع أن برنامج رامز جلال يقفز فوق الأشياء المنطقية فى عالم الفن والبرامج ويدخلنا فى مستنقع إهانة الفن بالمعنى الحقيقى ويهين كرامة الفنان، مقابل حفنة من الدولارات، تجعل من الفنانين أضحوكة وأكذوبة، ويطول الأمر حتى بعض الشخصيات الرياضية والعامة، التى تقبل على نفسها أن يتم هذا معها مقابل المال.
فهل يتم شراء كرامة الفنان أو الإنسان بهذا الشكل القبيح، الذى تتعرى فيه كل المبادئ والقيم الفنية، ويغوص بنا فى سفينة الفساد والانحراف النفسى، وإسقاط الضمير؟!.
فليس بالمال وحده يعيش الإنسان، ولكن بالحد الأدنى من الحفاظ على كرامة الإنسان، والفنان مطالب بأن يحافظ على سلوكياته ومواقفه أيًّا كان العائد المادى، فما حدث مع كثير من الشخصيات والفضائح المتبادلة والاتهامات والألفاظ غير اللائقة، تجعلنا لابد أن نقيم محكمة فنية لهذا الفنان الذى عبث بكل التقاليد الفنية بل والقيم الإنسانية.
والأخطر أنه على مدار أكثر من 11 عامًا، يستمر هذا العبث وتصدير الألفاظ والعبارات اللا أخلاقية واللا إنسانية، وهذا التمويل الكبير بلا حدود يجعلنا نفكر بشكل موضوعى مع احترامنا لكل الفنانين، لماذا يتم فعل هذا؟ ولماذا تُصرف ملايين الدولارات على هذا الهراء وهذا الاستهلاك الفنى؟ فى ظل أزمة اقتصادية تعانى منها المجتمعات العربية سواء فى مصر أو فى السودان أو اليمن أو فى سوريا أو فى بلدان العالم؟!.. نجد أن رفاهية إنفاق الأموال بلا سبب موضوعى وبلا رسالة فنية تجعلنا نضع النقاط على الحروف أن هذا هو مخطط لتدمير العقلية المصرية من خلال تصدير الأشياء التافهة للشعوب؛ حتى تسقط كل القيم وكل المعايير الفنية فى مستنقع الفساد المادى والأخلاقى واللا إنسانى.
أتمنى أن نشهد رمضان بدون هذا البرنامج لرامز جلال الذى أصبح يمثل ظاهرة سلبية فى كل بيت من البيوت العربية، فى الوقت الذى يحترق فيه الأقصى ويموت الفلسطينيون داخل القدس وهم يؤدون شعائرهم وصلواتهم، والعالم يتغير ويتحول نجد على الجانب الآخر من يقذف المجتمعات بألفاظ وحوارات تعتبر جريمة فى حق الإنسان وفى حق المجتمعات.
ودعونا نعود بالذاكرة إلى زمن الفن الجميل، زمن فوازير الفنانتين الرائعتين نيللى وشريهان ومخرج الروائع فهمى عبد الحميد والذين كانوا بأقل إمكانيات يسعدون ملايين المصريين والبيوت العربية بما يقدمونه من مواقف إنسانية ومواقف إيجابية.
فالزمن الجميل كان جميلًا؛ لأن الفن كان جميلًا، والفن كان عابرًا للحدود ويشكل وجدان الشعوب ويمثل قاطرة فنية فى العالم العربى، ولكن جاء رامز جلال ونسف كل هذه المواقف والأشياء الجميلة، بألفاظه الخطيرة.
أوقفوا برنامج رامز جلال فى شهر رمضان؛ لأنه يُخرج الناس عن صيامهم وصلواتهم وشعائرهم، ولأن البرنامج أصبح يمثل خطرًا على الفن المصرى والعربى، أيًّا كان العائد المادى من إعلانات هذا البرنامج، فالخطر الحقيقى هو نشر الفوضى الفنية والشائعات مقابل الحصول على الأموال فى وقت لا تجد الناس فيه قوت يومها نتيجة ارتفاع الأسعار فى كل مكان.