أسامة شرشر يكتب: الزلزال الإنسانى
هناك فرق بين الزلزال الإنسانى الذى يحدث بأمر السماء والطبيعة، والزلزال السياسى الذى يحدث بأمر الحكام من البشر، ولكن أن يعاقب الشعب السورى من خلال الزلزال السياسى فهذه هى الجريمة الإنسانية الكبرى التى لا تعادلها أى جرائم فى الحياة.
فكفانا كلامًا وشعارات رنانة تزعم حماية الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات، فما حدث فى الشمال السورى عرّى وفضح كل هذه الشعارات الأمريكية والأوروبية؛ لأنهم عاقبوا الشعب فوق الأرض وتحت الأرض، وهذه إشارة من السماء للعرب والمسلمين أن يتوحدوا.
وبدا المشهد وكأننا نرى بعض أهوال يوم القيامة التى وصفها الله- عز وجل- فى القرآن الكريم بقوله (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا* وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا).
وهذا الزلزال الإنسانى هز الأرض فى شمال سوريا وتركيا، وكانت صرخات الضحايا تنبعث من تحت الركام، وتقول للعالم: أنقذونا، ولكن للأسف الشديد الذين يدعون الإنسانية وحقوق الإنسان وهرولوا إلى أوكرانيا ليمدوها بكل ما تشتهى الأنفس من مال وسلاح ودعم إنسانى احتوى ملايين اللاجئين الأوكرانيين، لم يحركوا ساكنًا.
فللأسف الشديد الإنسان فى سوريا الشقيقة الحبيبة التى تعتبر البوابة الشرقية للأمن القومى العربى، ليس له قيمة، وذهبت صرخات الشهداء الضحايا فى مهب الريح، وحتى أبسط القواعد الإنسانية فى عمليات الإنقاذ لم تتوفر بالنسبة للشعب السورى الذى لم يجد للأسف الشديد من يحنو عليه، فالمستشفيات تفتقر إلى الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية ومن المستلزمات الطبية ومن الأطباء نتيجة العقوبات التى تنفذها أمريكا على سوريا؛ تحت شماعة رفضهم نظام بشار الأسد، وهم الذين زرعوا الفتنة والدكتاتورية فى كل أنحاء العالم العربى، ليس فى سوريا وحدها، ولكن فى بغداد الحزينة التى مزقوها وفرّغوها من جيشها وشعبها وحولوها إلى طوائف سنية وشيعية وكردية، وهكذا الحال فى سوريا الشقيقة التى استطاع الجيش الوطنى السورى أن يحافظ على البقية الباقية من وحدة الأراضى السورية، وحاول أن يساهم فى عملية الإنقاذ رغم الحصار والعقوبات.
فكان المشهد المأساوى الذى رأيناه فى سوريا يجعل الحجر، وحتى الزلزال الذى ضربها يتكلم (أنقذوا هؤلاء الأبرياء الذين لا ذنب لهم إذا كنتم تدعون الإنسانية وحقوق الإنسان، وحتى الحيوان لا تستطيعون أن تفعلوا معه هذا!).
وعلى الجانب التركى، فنحن نواسى الشعب التركى المسلم العظيم، الذى يحتفظ مع الشعب المصرى بخصوصية رائعة، فالزلزال ضرب 10 محافظات فى تركيا، بدرجة 7.7 ريختر، ومع هذا الانقلاب الجيولوجى من باطن الأرض، تساءل البعض: هل هو غضب السماء، أم هو بلاء واحتساب لهذا الشعب التركى العظيم، الذى سقط منه عشرات الآلاف من الشهداء تحت الأنقاض، وتشرد أكثر من 23 مليون مواطن تركى بلا مأوى؟!.
فلقد هب المجتمع الدولى وأكثر من 67 دولة، تدعم بفرق الإنقاذ والمستلزمات الطبية والغذائية، وكان الاتصال من الرئيس السيسى بنظيره التركى أهم اتصال حدث فى هذه الأزمة؛ لأنه فى الشدائد يُمتحن الحكام والشعوب، وكذلك كانت مصر، رغم ظروفها الاقتصادية الصعبة، من أوليات الدول فى العالم التى قام رئيسها بالاتصال بالرئيس بشار الأسد وإنشاء جسر جوى إلى سوريا، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، من أبناء الشعبين السورى والتركى، وتبع ذلك فرق من الأطباء هم أول من وصلوا إلى المستشفيات السورية بالمستلزمات الطبية، فانعكس هذا على المواطن السورى العظيم، الذى لم يصدق هذا؛ لأن مصر غابت لفترات طويلة عن سوريا.
ويجب أن تكون هذه المحنة منحة من السماء للشعب السورى، وأن تقوم مصر بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا الشقيقة من أجل شعبها العظيم الذى تحمل على مدار 11 عامًا ما لا يتحمله بشر، وجاء الزلزال ليكمل على البقية الباقية من هذا الشعب العظيم.
وبعيدًا عن المعارضة والموالاة والنظام، فالشعب هو الباقى، ويجب أن تكون الجامعة العربية من خلال دولها سباقة لإعادة مقعد سوريا فى الجامعة العربية إليها، وأن تعود سوريا إلى الحضن العربى بعد أن تركناها أسيرة للإيرانيين، الذين وقفوا بجانبها عندما غاب العرب.
فلذلك جاء هذا الزلزال ليهز العالم العربى أمام الصمت الدولى للمدعين أمثال أمريكا وأوروبا الذين لم يحركوا ساكنًا أو يرسلوا فرق إنقاذ أو مساعدات إنسانية رغم دعوات الأمم المتحدة بعدم تسييس هذا المشهد المأساوى الذى لا يتكرر إلا كل 100 عام.
وكذلك نخرج من هذه المحنة بدرس مهم وهو ضرورة أن تتحالف الدول العربية مصر والسعودية والإمارات والجزائر لإمداد سوريا بكل احتياجاتها من مواد إغاثة ومستلزمات وأطباء وأدوية بعيدًا عن الخوف من العقوبات الأمريكية، فأى عقوبات بعد موت البشر؟!
فما فعلته الدول العربية الغنية فى الأزمة السورية لا يتماشى مع هول هذ الحدث والزلزال الذى هز الحجر قبل الإنسان، فكنت أعتقد أن مليارات الدولارات من دول الخليج ستذهب إلى سوريا، ولكن للأسف الشديد المعونات والدعم لم تصل إلى دولة عربية وشعب مسلم عانى ويعانى منذ 11 عامًا ولا يتمتع بالحد الأدنى من الكرامة الإنسانية فى حقوقه الطبيعية.
هل نستفيق؟ لأن غضب السماء وغضب الطبيعة لا يفرق بين هذا وذاك.
هل نستعيد دور العرب ومصر فى دعم الشعب السورى للخروج من هذا الزلزال الإنسانى والمأزق اللا إنسانى؟ فبعد 11 عامًا عانت فيها بلاد الشام من تقسيمها على يد الأمريكان إلى مناطق، يجب أن تتوحد الأراضى السورية وأن يكون الدعم العربى الذى نتوقعه فى المرحلة القادمة لا يفرق بين الشمال والجنوب، ولا بين دمشق وحلب وحمص وإدلب وحماة وكل المناطق السورية العظيمة، فلقد دفع المواطن السورى وملايين اللاجئين ثمن هذا البعد العربى.
ارحموا من فى الأرض
يرحمكم من فى السماء.