النهار
الخميس 3 أكتوبر 2024 11:17 مـ 30 ربيع أول 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
الرئيس: ما حققته مصر فى حرب أكتوبر سيظل أبد الدهر شاهدا على قوة إرادة الشعب حزب الله يعلن مقتل 17 جنديا وضابطا إسرائيليا فى مواجهات اليوم جنوبى لبنان الرئيس يشهد الفيلم التسجيلى ”قادة فى وجدان الأمة” بتخرج الكليات العسكرية جواو فيليكس يقود هجوم تشيلسى أمام جينت فى دورى المؤتمر الأوروبي محافظ بورسعيد يتابع الاستعداد لبطولة العالم للخماسي الحديث: يعكس المكانة المتميزة التي تتمتع بها الدولة المصرية دورة مدرسة.. إصابة 6 تلاميذ في حادث سيارة على الطريق الإقليمي بالمنوفية العربية وقعت بيهم في الترعه ... نجاة عروسين أثناء ذهابهم إلى قاعة الأفراح بالفيوم حفل موسيقي لطلاب كونسرفتوار موسكو على ضفاف النيل فيفا يوافق على فتح سوق انتقالات مؤقتة للفرق المشاركة فى كأس العالم للأندية 2025 محمد صلاح خارج التشكيل المثالى للجولة الثانية لأبطال أوروبا بنزيما يقود تشكيل الاتحاد ضد الأخدود في الدوري السعودي إجراء ٤٧ قسطرة قلبية بمستشفى الزقازيق العام بالشرقية خلال شهر ٩ وتركيب منظم ودعامات لحالات جلطات حادة

مقالات

الـعـمــــيـاء والـمــجـنـونـة

لا زالت جدتي تنظر من النافذة إثر سماعها أصوات خناقة شديدة تجلبها رياح أمشير التي تسللت عبر الشباك الموارب.. أصوات الاشتباكات في الشارع ينافسها أصوات معارك تليفزيونية تتم بالتوازي عبر برنامجي توك شو شهيرين يدور اختيار الريموت كونترول بينهما.. تلتقط أنفاسك لتحاول أن تفهم علام كل تلك الجلبة سواء في الشارع أو على الشاشة ؟!! ورغم الفضول الذي قد ينتابك لمعرفة أسباب الجدة في تحليلها لهذه المعركة إلا أنك تتجاوزه بسبب سخونة مناقشات برامج التوك شو أمامك.. فالناشط الحقوقي بجهاده الإلكتروني عبر صفحته التي تجاوز عدد مرتاديها المليون يصر أن يضع بنفسه كتالوج الرئيس القادم الذي لا ينبغي وفق رؤيته أن يكون عسكرياً، وألا يكون محسوباً على النظام السابق في أي مرحلة من تاريخه السياسي، وأن يكون شريفاً، وأن يخضع لاختبارات نفسية، ومشدداً على أهمية ألا يزيد عمره عن 55 عاماً لأننا كقوى ثورية (وفق تصريح الناشط الثوري) لا تعجبنا صبغة شعر كمال الجنزوري ولا حكومته.. يستمر المذيع في هز رأسه إيجاباً، تغير القناة لتفاجئ بتهديد المحامي الشهير بأنه لو لم تتم محاكمة رموز النظام السابق بشكل يلائم طموحات الشعب المصري سيتم عقد محاكمات شعبية موازية ولتبدأ سلسة من الاغتيالات وقد أعــذر من أنــذر، وحين يهم الضيف المقابل والكاتب اليساري المخضرم في وصف ما سمعه بأنه (عــدالـة الشــوارع) يغضب المحامي الشهير ويذكرّه بماضيه الثوري وكيف تغير ويلمح أنه باع تاريخه ونضاله الثوريين، وكأن الثورة حالة لابد أن يلتزم الناس بها حتى لو تجاوزوا السبعين من عمرهم.. ولا ينافس هذه العروض سخونة ولا تشويقاً إلا عروض مجلس الشعب حين يقوم النائب برفع الآذان في حين يرفع الآخر بأصابعه الخراطيش الفارغة والقادمة من محيط وزارة الداخلية.. حالة من الاستفزاز والتسخين المتعمد تبعد عن لغة منطقية هادئة وتقصي أي صوت للعقل وتمجد العصيان والانتقام وتزايد على عقلك واحساسك، ولا تدخر جهداً في استخدام كافة الأساليب مثلما هو الحال في معركة الشارع التي تتابعها جدتي فالسيوف بدلاً من السنج والمطاوي والشماريخ والصواريخ بدلاً من الشوم والعصي والتي كانت أداة العراك التقليدية أيام جدتي التي حاولنا عبثاً إقصائها عن الشباك كي لا يصيبها طلق ناري (لا قدر الله) مما أطلق لفض المعركة، نحاول معها: يا حاجة كفاية كده.. تعالي بقى.. مالناش فيه.. وتصر الجدة على مشاهدة عروض الشارع التي لا تقل عن عروض الاعلام وضيوفه ممن يستخدمون أسلحة التهكم والسخرية بخلاف التهديد والوعيد دون تنوير حقيقي أو عرض موضوعي للحقائق، وكله من أجل اجتذاب المشاهدين واستدرار الإعلانات على الفضائيات الوليدة بعد ثورة الخامس والعشرين ممن تختار موضوعاتها وتطرحها بشكل مبالغ في التسويقية والتسليعية دون أي اعتبارات مهنية أو أخلاقية.بسؤال الجدة عن سبب الخناقة تجيبك بأنه اختلاف في توزيع غلّـة اليوم بين المعلم زكي عروة صانع العاهات وأحد صبيانه السريحة والذي سانده أنصاره ضد ظلم المعلم واستـئـثاره بنصيب كبير من غلة اليوم، تترك التوك شو قليلاً حين تخبرك الجدة بأن صانع العاهات مهنة مصرية قديمة تهدف للتشويه لاستدرار العطف على الشحاذين واخراج ما في جيبك لهذه الطائفة وتبدأ ببتر الأطراف ولا تنتهي بفقأ الأعين.. تتسائل من أين أتى العمى الذي أصاب البلاد هل من طول عهود الاستبداد أم من طول مقام الفقر؟ هل بالتمويل الخارجي أم بعشق شهرة الفضائيات؟ هل بفرحة النصر والانتشاء جراء السيطرة على البرلمان؟ أم برغبة ملحة للشعور بالاستقرار بأي ثمن. تنتشلك الجدة من تساؤلاتك حين تذكرك بمثل من أمثالها الشعبية يصدق على الاصرار على مغازلة الثورة ومطالبها بشكل دائم ومستمر حتى لو انتابها الشطط وعدم الواقعية: (عمياء بتمشّـط مجنونة وتقولها: حواجبك مقرونة..) هكذا أردفت الجدة بعد زفرة طويلة، وفي حين لا تشكك جدتي في نوايا العمياء (فربما كانت نيتها خيراً) لكن العمياء لا ترى ما تفسده في وجه المجنونة، ولا المجنونة تدرك ما تفعله بها وفيها صديقتها العمياء.. فالعمياء لا ترى أو تدرك انتزاعها لحواجب صديقتها وتصر على وصف الحواجب المنتزعة بالجمال حتى أنهما يشبها الهلال في استدارته وتتغزل في صنعها أو تشويهها لوجه صديقتها المجنونة من ليس عليها حرج. وعمياء اليوم رغم أنها مفتحة ومتعلمة تعليم عالي وتعرف لغات وعضو نشط في المجتمع المدني ولهلوبة سوشيال ميديا تمشط الوجه المصري الذي يفتقد التعقُّــل ويبحث عن رُشــد مطلوب في الفترة الانتقالية، لا يتوافر في كثير من أدعياء الثورة كافتقادهم للرؤية المستقبلية ومعرفتهم مكانة مصر وقدرها، وغلوهم في وضع خارطة طريق ثورية وفورية النتائج. والمجانين المصريين اليوم ليسوا مجانين بعشق الوطن كما كان أسلافهم حين أنتجوا وأبدعوا رغم نير الاحتلال وحتى في عهود غياب الديمقراطية التي ننعم اليوم بممارسة أكثر أشكالها تطرفاً، ولكنهم مجانين بعشق الذات وصيَّـادي ونهَّــابي فرص.. وبين عــمــى التطرف للمد الثوري وجــنـون واقعنا الراهن سيظل صانعوا العاهات وتظل بهية رهينة الجنون والعمى.. سلِّـم يا رب.