اسامة شرشر يكتب : التعديل الوزارى
كما أقول دائماً: الأشخاص زائلون ويبقى الوطن.. فكل مسئول يأتى ليقوم بدوره، فإن أحسن استمر، وإن لم يحالفه التوفيق فعليه أن يرحل ليتولى مسئول آخر.. والتغيير سنة الحياة ولا يمثل نهاية المطاف.. والتعديل الوزارى كان ضرورة تنبه إليها الرئيس بعد أن صارت مطلباً شعبياً أمام عجز بعض الوزراء عن تقديم أى أفكار خارج الصندوق لتحسين الأداء أو مواجهة الأزمات، بل إن بعضهم أصبح صانع أزمات، ومصدراً من مصادر الغضب الشعبى المتزايد.. ورغم أن التغير لم يكن بالحجم الكبير الذى كنا نتوقعه إلا أنه لمس مصدر الوجع المتمثل فى وزراء المجموعة الاقتصادية والخدمية الذين فشل بعضهم فشلاً ذريعاً فى مهمتهم.. وبعضهم يستحق كلمة شكراً.
منذ أن أعلن الرئيس عن التعديل فى منتصف يناير الماضى والتعديل يتعثر، فقد كان الرئيس يريد تغييراً يحدث أثراً، ولذلك استمرت المشاورات فترة ليست قصيرة ما بين حذف اسم وإضافة آخر، بالإضافة إلى دمج بعض الوزارات.. ورغم تعثر ولادة هذا التعديل إلا أنه اكتمل فى النهاية برحيل ما يقارب ثلث الوزراء وإحلال وجوه جديدة بديلة أخذت موافقة البرلمان رغم أن بعض الأصوات لم تكن راضية عن حجم التعديل والسرية التى أحيط بها لدرجة أن كثيراً من النواب لم يتعرف على قائمة التعديلات إلا قبيل التصويت على التعديلات، ولكن يبقى للبرلمان آلية الرقابة والمحاسبة وحق سحب الثقة من أى وزير فى أى وقت، متى توفرت الدواعى لذلك.
علينا أن ندرك أن هذه أول مرة فى ظل دستور 2014 يتم تعديل وزارى. من هنا فإن الآلية التى اتبعها البرلمان لإجراء التعديل، وفق الدستور، تعد بمثابة قاعدة لأى تعديل قادم، وسيأتى يوم تكون فيه الأغلبية البرلمانية هى المسئولة عن تشكيل الحكومة وفق الدستور، ما يؤكد أننا نمضى نحو بناء ديمقراطى يسير فى مساره الصحيح، وإن تعثر أحياناً أو واجهته بعض العقبات أحياناً أخرى.
ليس ثمة شك فى أن بعض الأسماء الجديدة فى التعديل الوزارى تحظى بتقدير كبير، وأن اختيار الدكتور على مصيلحى، رئيس اللجنة الاقتصادية، لشغل وزارة اقتصادية هامة له دلالته لسابق خبرته فى العمل الوزارى والنيابى معاً.
أتمنى بعد أن يتسلم الوزراء الجدد عملهم أن يبدأ تفعيل آليات الرقابة البرلمانية التى ستعيد للحياة السياسية فى مصر وجهها البراق عبر الاستجواب الذى يمثل أعلى آليات الرقابة البرلمانية لمساءلة الحكومة، خاصة أن أمامنا تحديات كبيرة وخطيرة، وطموحات الشعب كبيرة فى نوابه الذين اختارهم فى انتخابات هى الأكثر نزاهة فى تاريخ مصر النيابى.
ولا شك أن محاسبة ومساءلة الوزراء، عبر البرلمان، سوف تسهم فى إعادة تدفق الدم فى شرايين الحياة السياسية، حيث إن الشعب متعطش لهذا الدور من زمن طويل يسبق ثورة 25 يناير، حيث أفسد الحزب الوطنى بقيادة أحمد عز ورفاقه العمل البرلمانى والسياسى وعشنا عصر الثلاثة فى واحد وكوارثه، حين كان الحزب الحاكم هو حزب رئيس الدولة وهو الحكومة وهو البرلمان؛ فلم يعد للبرلمان دوره، وهى ذات الجريمة التى أسقطت برلمان 2010 ثم برلمان الإخوان والسلفيين، ومن حسن حظ مصر أن الرئيس السيسى لا ينتمى لأى حزب سياسى، فليس لدينا حزب الرئيس ولا هيمنة حزب الرئيس على البرلمان.. وهى فرصة تاريخية ليتحرر البرلمان فى عمله ولا يعيد إنتاج هذه الكوارث مرة أخرى.
فمن مصلحة الوطن والمواطن أن يبدأ البرلمان مع التعديل الوزارى الجديد فى تفعيل أكبر آليات الرقابة والمساءلة والمحاسبة وفق الدستور والقانون والأعراف البرلمانية العريقة التى لمصر منها الحظ الكبير والوافر على مدى ما يزيد على قرن ونصف القرن هى عمر البرلمان المصرى.
نتمنى أن يكون التعديل الوزارى نقطة فارقة فى مسيرة مصرنا الحبيبة، وأن يتحقق للوطن والمواطن الرخاء الذى ننشده جميعاً.