أسامة شرشر يكتب: «القمة العربية».. غزة ليست للبيع أو الشراء
رغم التوقف المؤقت للحرب فى غزة، فإن تداعياتها وآثارها ما زالت محفورة فى قلوب وعقول أبناء غزة، والضفة الغربية، لأن من عاش الإبادة لن يقبل بحال من الأحوال أن يترك وطنه وبلده.
وفجأة جاءت الماكينة الترامبية بعد صناعة قرار التهجير الشيطانى، الذى تم طبخه وإعداده منذ فترة طويلة داخل الغرف المغلقة فى تل أبيب وواشنطن، ليُفاجأ برد مصرى رسمى وشعبى أحدث زلزالًا سياسيًّا لترامب، ومفاجأة من العيار الثقيل داخل مراكز صنع القرار الأمريكية والإسرائيلية والصهيونية، رغم الاتهامات والأكاذيب والشائعات وماكينات التضليل للنيل من مصر والرئيس السيسى والتلويح بالورقة الاقتصادية والأزمة الدولارية، ولكن جاءت المحصلة النهائية أن واشنطن تنسف السلام وحل الدولتين.
وما لا يعلمه الكثيرون من المتابعين للشأن العام أن مصر بعد بداية طوفان الأقصى رفضت إغراءً وعرضًا أمريكيًّا صهيونيًّا سخيًّا يتجاوز (250 مليار دولار) حتى تصمت وتخرج من المشهد، ولكنهم فوجئوا بأن مصر تعود لصدارة المشهد والموقف العربى والإقليمى والدولى بخطوات دبلوماسية واقعية ورسائل شعبية محسوبة وتحركات عسكرية لتأمين الوضع على الحدود بشكل مدروس. ليعلم الجميع أن مصر عادت بقوة إلى محيطها العربى وأنها لا تتبنى جبهة الرفض لمجرد الرفض ولكنها تدافع عن وجودها وأمنها القومى المباشر مع غزة، وأن أى محاولات للتهجير أو لتصفير القضية الفلسطينية ستحظى برفض القادة العرب قبل الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج؛ لأنها مسألة تاريخية ومبدأ وجود للعالم العربى (فإذا تنازلت عن الأرض فأنت تتنازل عن الهوية وعن الوطن) وهذا أمر مرفوض لدى عقيدة القادة والشعوب العربية، خاصة خير أجناد الأرض رجال القوات المسلحة المصرية.
ولا بد أن أذكر موقف السعودية وولى العهد الأمير محمد بن سلمان الذى وجه- لأول مرة وفى سابقة تُعد الأولى من نوعها- وزارة الخارجية السعودية بإصدار بيان شافٍ وعاجل ورافض لما جاء فى المؤتمر الصحفى لترامب ونتنياهو الساعة 4 فجرًا بعد ساعة واحدة من المؤتمر، وهو البيان الذى أكد أن المملكة داعمة للموقف الرافض لتهجير شعب غزة، وأنه لا تطبيع مع الكيان الصهيونى إلا بعد حل الدولتين.
وجاء الموقف القطرى بقيادة الأمير الشاب تميم بن حمد، لتمارس فيه الدبلوماسية القطرية جهدًا ملموسًا وتنسيقًا مع مصر فى أقسى ماراثون تفاوضى مع جماعة حماس- وما أدراك ما حماس!- ونجحت بامتياز رغم دعوات التشكيك والاتهامات التى أثارها الجانب الإسرائيلى، بحق مصر وقطر، وأنهما يدعمان الجماعات الإرهابية!
ودعونا أيضا نثمن الموقف الجزائرى، وهذا ليس بجديد على بلد المليون شهيد، فهى تسخّر كل إمكانياتها الدبلوماسية لنصرة الشعب الفلسطينى، وكذلك الموقف الإماراتى الذى لعبه الشيخ محمد بن زايد، فى وقف كل أشكال التطبيع لحين حل الدولتين.
ولا يمكن أن ننسى أو نتناسى موقف رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى، وهذا ليس بجديد على بلاد الرافدين التى تمثل الآن البوابة الشرقية للأمن القومى العربى، والذى أعلن من بغداد دعمه الكلى للموقف المصرى (لا لتهجير أهلنا فى غزة)، ناهيك عن موقف الملك عبد الله، ملك الأردن، الذى رفض منذ اللحظة الأولى أى خطط أو مؤامرات أو تنازلات، ولِمَ لا؟ فالهاشميون هم حراس القدس حتى يتم تحريرها.
وأعتقد أن الرئيس محمود عباس أبو مازن يجب أن يكون حكيمًا للفلسطينيين فى هذه المرحلة، ويترك الفرصة للكوادر الواعدة لكى تدير قطاع غزة ومنظمة التحرير الفلسطينية، المعترف بها دوليًّا، وأن يسمو فوق الخلافات الضيقة مع الفصائل سواء حماس أو الجهاد، لأن الموقف جلل، وغزة تُعرض فى مزاد علنى تحت مسمى (ريفييرا الشرق الأوسط).
فهل هذا وقت صراع على السلطة أم وقت توحد وانصياع لرؤية مصر والقرار العربى؟
كل هذه الخواطر تدور فى عقل وضمير كل عربى حر، وجعلتنى أعرض اقتراحات محددة:
أولًا: لا بد أن تكون القمة العربية الطارئة القادمة هى (قمة اللاءات)، فلا للتهجير ولا للتنازل عن أى شبر من الأراضى العربية سواء فى فلسطين أو لبنان أو الجولان، وللهيمنة الأمريكية، فهى أخطر قمة عربية فى تاريخ القمم، منذ إنشاء الجامعة العربية، لأنها ستحدد البوصلة «نكون أو لا نكون».
ولا بد أن يتم ترجمة هذا القرار إلى أفعال لوجستية باتخاذ قرار عربى موحد بإعادة إعمار غزة ومدها بالمال والمعدات فورًا، حتى نفوّت الفرصة ونهدم المشروع الترامبى الصهيونى، حتى لو أدى ذلك إلى التلويح باستخدام ورقة البترول والغاز، مع الحشد الإسلامى والإقليمى والدولى لعقد مؤتمر بعد القمة العربية فى شرم الشيخ يكون عنوانه أيضًا (لا للتهجير.. ودعم تمويل إعادة إعمار غزة).
ثانيًا: أن تتحرك اللجان الشعبية والأفراد على كل المستويات العربية والإسلامية والدولية لرفع دعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية، واتهام نتنياهو بالتهجير القسرى للشعب الفلسطينى من أرضه، والتطهير العرقى، فهذا منافٍ لكل القوانين الدولية، ورفع دعاوى ضد القرارات التى اتخذتها الولايات المتحدة ضد أعضاء المحكمة الجنائية الدولية، واتهام ترامب ونتنياهو باستخدام البلطجة ضد إرادة الشعوب والبلدان.
ثالثًا: أن يكون قرار القمة العربية هو (غزة ليست للبيع أو الشراء)، فلو كان ترامب هو المشترى كما يقول.. فمن البائع يا سيد ترامب؟ هل هو نتنياهو؟ وهل يحق لنتنياهو بيع ما لا يملك؟ فعملية البيع نفسها باطلة لأنها تتنافى مع الأخلاق والتاريخ والدبلوماسية والواقع.
وأخيرًا: التلويح بالمواجهة سواء دبلوماسية أو برلمانية أو شعبية أو عسكرية إذا لزم الأمر.
نحن أمامنا فرصة استثنائية أن يتوحد العالم العربى والإسلامى خلف مصر، حتى لا يذهب الجميع إلى الفناء.
اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد