اسامة شرشر يكتب: فوضى التسريبات تحكم العالم
انتقل العالم من عصر فوضى الفوتوشوب إلى عصر فوضى التسريبات، وبدلاً من تسخير التكنولوجيا الحديثة لخدمة البشرية والمساهمة فى مواجهة الأزمات والكوارث التى تهدد بقاء الإنسان وتنذر بفنائه، تحولت التكنولوجيا إلى وسائل للعبث والابتزاز.. عبث وابتزاز يمارسه الكبار والصغار على حد سواء. وليس واقعة الحديث عن تسريبات روسية ضد الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب فى لحظة توليه مقاليد الأمور، واضطراره للرد على هذه التسريبات المزعومة فى حفل تنصيبه- سوى دليل على ما ينتظر العالم من فوضى التسريبات التى ستوجه أنظار الناس بعيداً عن القضايا الخطيرة والمصيرية التى تواجههم بل ستوجه أنظار زعماء العالم ليتفرغوا للنفى أو الرد على تسريبات مزعومة أو حقيقية أو خليط من الاثنين... نحن أمام فخ يراد للجميع أن يسقط فيه ليستنزف العالم طاقته فى عبث بلا نهاية بدلاً من أن يؤدى كل صاحب دور دوره.
وعلينا أن نتذكر كيف تسببت التسريبات المزيفة التى زعم كولن باول فى الأمم المتحدة أنها تسريبات من النيجر عن حصول صدام حسين على يورانيوم لصناعة قنبلة نووية عراقية ثم اتضح أنها تسريبات مصطنعة. ولكن ما فائدة الاكتشاف والنتائج الكارثية التى ترتبت على هذه التسريبات قد حدثت وأدت لمقتل مئات الآلاف من العراقيين الأبرياء فى واحدة من أبشع جرائم العصر، ثم تابعنا بعدها بسنوات الضجة التى أحدثتها تسريبات ويكيليكس والأزمات الدولية التى تسببت فيها والتى أحدثت شروخاً فى العلاقات الدولية لن يتم ترميمها بسهولة، ومنعت التعاون الفعال واستبدلته بالمؤامرات المتبادلة. ويبدو أن العالم مرشح للمزيد من هذا العبث الذى تسهم التكنولوجيا الحديثه فيه بالدور الأبرز.. تماماً كما صنعت برامج الفوتو شوب بالصور فشوهت سمعة أشخاص وأدت لإدانة أبرياء ولم يكتشف الناس الحقائق إلا بعد أن أتت الجريمة ثمارها.. والذى لا شك فيه أن كوارث التسريبات ستكون أشد خطراً ولن ينجو أحد من زعماء العالم بل غير زعمائه من هذا الوباء الذى لا تصلح معه أية أمصال أو مضادات حيوية.. وباء يستخدمه الفسدة وأصحاب الأغراض الدنيئة كوسيلة ضد من لا يرضون عنهم أو يعجزون عن شرائهم.
لقد أصبح العالم الآن مرشحاً باعتقادى لحرب تسريبات يختلط بها السليم بالمصطنع.. تسريبات وتسريبات مضادة.. لنشهد صراعاً أسوأ من صراع الثورة والثورة المضادة.. سيتفرغ زعماء العالم عبر أجهزة مخابراتهم وعبر العبث بالتكنولوجيا الحديثة لممارستها.. لنشهد واحدة من أغرب الحروب التى سيدفع العالم كله ثمنها.
ومن المؤسف أن المواثيق الدولية بكل ما تضمنته من نصوص لحماية حقوق الإنسان وكذا الدساتير والقوانين ستكون عاجزة أماما تكنولوجيا الابتزاز فى حماية أبسط حقوق الإنسان... وهو حرمة الحياة الخاصة.. هذه الحرمة التى لم يعد لها وجود فى ظل سطوة وجبروت البرامج ذات التكنولوجيا التى سهلت للإرهاب ممارسة التفجيرات والاغتيالات وسهلت لضعاف النفوس محاولات اغتيال الشرفاء.. لكن المؤكد أن الله بالمرصاد لأولئك الذين يخربون ويستخدمون التكنولوجيا سلاحاً للاغتيال الجسدى والمعنوى وسيعلمون أى منقلب ينقلبون.