اسامة شرشر يكتب : الحكومة تحرق البرلمان بـورقة «تيران»
الشعب والتاريخ لن يرحم نواب البرلمان، إذا قاموا بمناقشة اتفاقية تيران وصنافير التى أحالتها لهم الحكومة بعد الموافقة عليها وهى لا تزال منظورة أمام القضاء، وستكون هذه سابقة هى الأولى من نوعها فى تاريخ البرلمان المصرى، أن يتم مناقشة موضوع لا يزال منظوراً أمام القضاء ولم يصدر حكم نهائى بشأنه، لأن كل السوابق البرلمانية تؤكد أن البرلمان كان دوماً ينحاز للدستور وللوطن والمواطن والدستور والقانون.. والاتجاه العام بين نواب البرلمان أنهم لن يقعوا فى الكمين الدستورى الذى نصبته لهم الحكومة؛ ما من شأنه أن يقود للوقيعة بين السلطة التشريعية والسلطة القضائية، فالحكومات راحلة والأوطان باقية.
فلذلك أعلن أمام الله والشعب والتاريخ أننى أرفض رفضاً نهائياً مناقشة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية قبل حسمها قضائياً طالما ذهبت إلى القضاء أولاً، لأن هذا مخالف للدستور، وأذكر نفسى وإياكم بأن الدكتور على عبدالعال، رئيس البرلمان، فى الفصل التشريعى الأول عند طرح موضوع تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات فى قضية هشام جنينة للمناقشة فى البرلمان، قالها حاسمة: إنه لا يجوز مناقشة قضية منظورة أمام القضاء.
والتساؤل الذى يدور فى الشارع المصرى الآن، والذى نسمعه من الناس مباشرة: لماذا صمتت الحكومة طويلاً ثم قررت سريعاً إحالة الاتفاقية إلى البرلمان؟ وهل يعقل أن تقدم الحكومة مستندات للدلالة على أن أرضاً تضع يدها عليها بأنها أرض ليست مصرية؟
إن غياب المستشارين الحقيقيين والمتخصصين يجعل الهواة الجدد فى مجلس الوزراء يعبثون فى ثوابت هذا الوطن ويخلطون الأمور المستقرة فى تاريخ الممارسة السياسية المصرية والقائمة على الفصل بين السلطات.. والقضية هذه المرة حساسة، واسألوا أهل الشهداء الذين روت دماء أبنائهم أرض تيران وصنافير وأم الرشراش وشبه جزيرة سيناء بالكامل، هل هذه أرضنا أم لا؟
لماذا لم تنتظر الحكومة حتى يفصل القضاء فى القضية المنظورة أمامه قبل إحالة الاتفاقية لمجلس النواب؟ مثل هذا العمل برأى كثير من المتخصصين مخالفة دستورية صارخة يجب أن تحاسب عليها الحكومة، لأنها بهذه الطريقة تريد أن تحرق أعضاء مجلس النواب، وتثير الرأى العام ضدهم.. وتخلق وضعاً كارثياً لا يجب على حكومة فى العالم أن تصنعه بأيديها.. ولو كان هناك مستشارون سياسيون لنصحوا بالانتظار حتى يفصل القضاء بعد أيام قلائل فى هذه القضية الخطيرة التى تستحوذ على اهتمام الشارع والبيت المصرى، حتى أصبحت هذه القضية ورقة مزايدة من بعض المدعين والأفاقين لحرق هذا الوطن، وقد رأينا من يحركون المظاهرات بشأنها.
والسؤال الأهم: إذا كانت المملكة العربية السعودية قد وجدت وثائق تثبت ملكيتها للجزيرتين، فلماذا لم تلجأ الحكومة إلى التحكيم الدولى لتغسل يديها من هذه التهمة التى ستحاسبها عليها الأجيال القادمة؟
إن مصر ليست وطناً نعيش فيه بل وطن يعيش فينا، كما قال البابا شنودة، والأوطان ليست مجالاً لعبث الهواة، وليست عرضة للبيع، ولكنها تمثل الوجود المصرى منذ عصر الفراعنة، وحتى الآن.. وارتباط المصريين بالأرض مضرب الأمثال، ولا يعادله أى ارتباط بأى شىء آخر، فالأرض بالنسبة للمصرى، هى العرض والشرف والانتماء والوجود والحياة ذاتها.
وبرغم كل ما سبق، فلن ينسى الشعب المصرى، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمة الله عليه، ومواقفه التاريخية تجاه مصر وشعبها ورئيسها بعد ثورة 30 يونيو، فقد كان، رحمه الله، حائط صد ضد كل ما تقوم به ميليشيات الإخوان فى العالم، وكان داعماً لمصر قولاً وفعلاً، فلذلك عشقه المصريون هو ووزير خارجيته، سعود الفيصل، الذى كان من أفضل وزراء الخارجية العرب، وكان مانعاً لكثير من المؤامرات القطرية والتركية والأمريكية التى تدبر من وراء الكواليس، ولن ينسى الشعب المصرى وقفته مع الرئيس الفرنسى لمنع العقوبات الاقتصادية على مصر من الاتحاد الأوروبى بعد ثورة 30 يونيو، فكل هذا ما زال المصريون يحفظونه، ولكننا نتحدث هنا عن ثوابت وطنية ممزوجة بدماء المصريين الذين دافعوا عن العالم العربى، وحطموا نظريات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وأنهوا رغباتهم فى فتح نافذة للهيمنة على البحر الأحمر.
فتيران وصنافير حتى كتابة هذه السطور فى يد القضاء المصرى ليحكم فيها، والمشهد المصرى ليس فى حاجة إلى مزيد من الارتباك غير المحمود، خاصة أن الجزيرتين جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى، وأراض مصرية خالصة حتى ولو كان للمدعين الجدد رأى آخر.