بين الحاجة والتسمم.. الوجه المظلم لإعادة تدوير زيت الطعام
في قلب مجتمع نابض بالحياة يتطلع إلى مستقبل صحي ومزدهر، تبرز كوارث صحية مقلقة تهدد حياة المصريين وتلقي بظلالها على حياتهم اليومية، من بين هذه المخاطر، تقف عملية إعادة تدوير زيت الطعام التي تبدو ظاهريًا كحلاً اقتصاديًا، لكنها تحمل في طياتها أضرارًا جسيمة، عندما يُعاد استخدام الزيوت المستعملة، تتشكل مركبات كيميائية خطيرة تتحول إلى سموم تتسلل إلى أجسامنا عبر الأطعمة، مسببةً أمراضًا خطيرة مثل السرطان وأمراض القلب.
ولا تتوقف الكارثة هنا؛ فالتخلص العشوائي من هذه الزيوت يلوث مواردنا المائية والتربة، مهددًا البيئة والحياة البرية، في مواجهة هذه التحديات، يتوجب علينا العمل على نشر الوعي وتبني حلول أكثر أمانًا وصداقةً للبيئة، لضمان حياة صحية ومستدامة للأجيال القادمة.
في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بقطاع واسع من المصريين، يجد الكثيرون أنفسهم مضطرين للجوء إلى حلول غير آمنة لتلبية احتياجاتهم اليومية، من بين هذه الحلول، تبرز ظاهرة إعادة تدوير زيت الطعام المستعمل، والتي تشكل "قنابل موقوتة" تهدد صحة المواطنين دون أن يدركوا خطورتها.
أسرة تلجأ لبيع زيت الطعام المستعمل للتغلب على الفقر
في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العديد من الأسر المصرية، تجد بعضها نفسها مضطرة للبحث عن طرق غير تقليدية للتغلب على الأزمات المالية وتلبية احتياجاتها اليومية، من بين هذه الأسر، تبرز قصة أسرة السيد أحمد، التي لجأت إلى بيع زيت الطعام المستعمل كمصدر دخل إضافي يساعدها على تجاوز الضائقة المالية.
تعيش الأسرة في منطقة شعبية بالقاهرة، حيث يعمل السيد أحمد كسائق تاكسي، بينما تقوم زوجته أم أحمد برعاية الأطفال والعمل في أعمال منزلية بسيطة لتحسين دخل الأسرة، ومع تصاعد تكاليف المعيشة وتزايد الأعباء المالية، قررت الأسرة البحث عن وسائل جديدة لدعم ميزانيتها.
تقول أم أحمد: فكرت في فكرة بيع زيت الطعام المستعمل بعد أن سمعت عن أشخاص آخرين يفعلون ذلك، بدأت بجمع الزيت المستعمل من بيوت الجيران والأقارب، ثم بعته لشركات صغيرة تقوم بإعادة تدويره، وتشير إلى أن هذه الشركات تستخدم الزيت المستعمل في صناعات مثل الوقود الحيوي والمنظفات، مما يساعد في تقليل التلوث البيئي وتوفير مصادر دخل بديلة.
على الرغم من أن بيع زيت الطعام المستعمل ليس حلاً مثاليًا، إلا أنه كان طوق نجاة للأسرة خلال الفترة الصعبة.
وفي `ذات السياق قال السيد أحمد نحن ندرك أن هذا ليس حلاً دائمًا، ولكن في الوقت الحالي هو يساعدنا في دفع بعض الفواتير وشراء مستلزمات الأطفال.
أبرزهم السرطان.. عواقب وخيمة لإعادة تدوير الزيت المستعمل
خالد عيش، رئيس النقابة العامة للسلع الغذائية، عن الفجوة المتزايدة بين إنتاج الزيت المحلي والاستهلاك، يشير إلى أن هذه الفجوة كانت موجودة منذ سنوات، لكن تأثيرها الحقيقي ظهر بشكل جلي خلال أزمة فيروس كورونا في عام 2020، حيث تعطل الاستيراد بشكل كبير، هذا التعطيل دفع التجار إلى استغلال الوضع لتحقيق أرباح عالية عن طريق شراء الزيوت المستعملة وتكريرها وبيعها مجددًا، مما جعل من هذه التجارة السريعة مجالاً جذابًا للكثيرين.
يضيف "عيش" أن ظاهرة السيارات المتنقلة التي تشتري الزيت المستعمل من المنازل هي ظاهرة جديدة في المجتمع المصري، هذا الزيت يُجمع لاستخدامه في صناعة الصابون، وهو الاستخدام الأمثل بدلاً من التخلص منه في الصرف الصحي، حيث أن مصر تستورد حوالي 97٪ من احتياجاتها السنوية للزيوت الغذائية، حيث يكفي الإنتاج المحلي لتلبية حوالي 3٪ فقط من هذه الاحتياجات، تشمل الزيوت المستوردة زيت بذور القطن، فول الصويا، زيت الذرة، وزيت دوار الشمس.
من ناحية أخرى، تظهر مبادرات تسعى لإعادة تدوير الزيت المستعمل في صناعات كيميائية مختلفة، مثل الوقود الحيوي. من بين هذه المبادرات، تأتي مبادرة "جرين بان" التي تستخدم الزيت المستعمل في صناعات أخرى مثل المنظفات، الجلسرين، زيوت التشحيم، والشمع، هذه المبادرات تمثل خطوات هامة نحو استخدام أكثر استدامة للموارد وتعزيز الاقتصاد الدائري.
وفي سياق متصل قالت خبيرية التغذية منه الله محمود، إن زيت الطعام المستعمل الذي يعاد تكريره واستخدامه في القلي مجدداً قنبلة موقوتة، حيث يؤدي إلى تكوين مركبات كيميائية ضارة عند تسخينه مرة أخرى، تُعرف بأنها مسببة للسرطان وأمراض القلب.
وأضافت "محمود" أن إعادة استخدام الزيت المستعمل في الطهي ينتج عنه مواد مسرطنة بسبب التحولات الكيميائية التي تحدث أثناء عملية التسخين المتكرر، هذه المواد تشكل خطراً كبيراً على صحة الإنسان، حيث تزيد من احتمالية الإصابة بأمراض خطيرة مثل السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية.
لم تقتصر الأضرار على الصحة فقط، بل إن البيئة أيضاً تتضرر بشكل كبير من هذه الممارسة، التخلص غير السليم من الزيوت المستعملة يلوث الموارد المائية والتربة، مما يشكل تهديدًا حقيقياً للحياة البرية والبيئة العامة، حيث أن الزيت المستخدم الذي يلقى في مجاري الصرف الصحي يمكن أن يؤدي إلى انسداد المجاري وتلويث المياه الجوفية، مما يعقد عملية التنقية ويزيد من تكاليفها.
وبسبب الفجوة الكبيرة بين إنتاج الزيت المحلي والاستهلاك، يلجأ بعض التجار إلى تكرير الزيوت المستعملة وبيعها مجدداً لتحقيق أرباح سريعة.
الدولة تتصدى لمخاطر زيت الطعام المستعمل
تنص القوانين على أن غش الزيت يُعاقب بالسجن وبغرامة تتراوح بين 100,000 جنيه و500,000 جنيه، أو بقيمة السلعة المتعلقة بالجريمة، أيهما أكبر، وتشمل هذه العقوبات الأغذية، العقاقير، النباتات الطبيعية، الأدوية، المنتجات المغشوشة أو الفاسدة أو المنتهية الصلاحية، وكذلك المواد التي تستخدم في الغش وتشكل خطرًا على صحة الإنسان أو الحيوان.
تعمل وزارة البيئة على تنفيذ خطة تهدف إلى التخلص الآمن من الزيوت المستعملة، وتشمل هذه الخطة التواصل مع مبادرتي "أنتي البداية" و"جرين بان"، اللتين تهتمان بإعادة تدوير الزيوت، يمكن للأفراد التواصل مع هذه المبادرات عبر الخط الساخن 19481، حيث يقوم مندوب معتمد بجمع الزيوت المستعملة التي تم تصفيتها من الشوائب، بشرط أن تكون في زجاجات بلاستيكية سعتها لا تقل عن 5 لترات.