أسامة شرشر يكتب: اتفاق غزة إلى أين؟!
على طريقة الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل (مصر إلى أين؟)، يسيطر على منطقة الشرق الأوسط بل العالم كله سؤال هام وهو (اتفاق غزة.. إلى أين؟!).
وكما توقعنا لم يحدث اتفاق فى القاهرة بعد فشل مفاوضات الدوحة أيضًا، لأن نتنياهو تجاوز كل الخطوط الحمراء، وضرب بكل القوانين والمعايير الدولية، ومناشدات المنظمات والمؤسسات الدولية عرض الحائط، فى استمراره فى ارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطينى الأعزل فى رفح وغزة والضفة الغربية، واستمرار الاعتداء على المقدسات الإسلامية حتى سمعنا بن غفير على الهواء مباشرة يقول لإذاعة الجيش الإسرائيلى إنه يريد بناء معبد يهودى داخل المسجد الأقصى، فى استفزاز لمشاعر أكثر من 2 مليار مسلم فى العالم.
ولكن يجب الإشادة بالدور المصرى، فالقاهرة لعبت دورًا محوريًا فى محاولة الوصول لاتفاق لإنهاء الحرب فى غزة، أو على الأقل هدنة يلتقط فيها أهالى غزة ورفح بل الضفة الغربية والقدس أنفاسهم، من المجازر اليومية التى يرتكبها الاحتلال الصهيونى بحقهم.
ولا شك أن المخابرات المصرية برجالها الذين يعلمون تضاريس الموقف السياسى والأمنى فى المنطقة فنيًا وتقنيًا وميدانيًا يلعبون دورًا كبيرًا، بقيادة اللواء عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات المصرية، ومعاونيه، فى محاولة الوصول لحل لإنهاء هذه الحرب الضروس، وخاصة فى الدوحة الأسبوع الماضى.
فالمتابع لما جرى فى الدوحة يدرك أن اللواء عباس كامل كان حاسمًا وحازمًا فى التعبير عن الموقف المصرى، الساعى لإنهاء الحرب فى غزة من ناحية، مع الحفاظ الكامل على ثوابت الأمن القومى المصرى، خصوصًا فى ممر فيلادلفيا (محور صلاح الدين الممتد على مسافة 14 كيلومترًا)، وكذلك فى قضية المعابر وخاصة معبر رفح.
إن أكثر ما لفت نظرى فى هذه المفاوضات الماراثونية هو التنسيق التام بين الجانب المصرى الذى يمثل اللاعب الرئيسى فى المفاوضات، والجانب القطرى الذى يمثله الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثانى، رئيس وزراء ووزير خارجية قطر، الذى استطاع إقناع المقاومة الفلسطينية، وخاصة الجناح السياسى لحركة حماس، بالجلوس على مائدة المفاوضات، وكذلك التنسيق مع مدير المخابرات الأمريكية الذى اقتنع بوجهة النظر المصرية، بأن التأجيل تلو التأجيل سيؤدى فى النهاية إلى طريق مسدود يدفع الجميع ثمنه.
ولكن عندما جاء بلينكن إلى المنطقة علمت أن الاتفاق لن يتم، لأن (فاقد الشىء لا يعطيه)، ولأن بعض المؤسسات الأمريكية هى التى تدير هذه اللعبة القذرة وهى جزء من المشروع الصهيونى لإقامة الدولة اليهودية (إسرائيل الكبرى)، وهذا يدل على أن المفاوض الإسرائيلى جاء إلى القاهرة مستمعًا وليس متفاوضًا، لتوفير مزيد من الوقت حتى يتم فتح الجبهة الشمالية إن آجلًا أم عاجلًا لأن كل المعطيات الدولية والإقليمية والعربية تؤكد عدم وجود هدنة أو وقف لإطلاق النار، من جانب اليمين المتطرف الإسرائيلى.
فهذه الولادة السياسية المتعسرة للاتفاق والإجهاض المستمر لها، رغم محاولات بايدن الوصول لاتفاق قبل اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية فى نوفمبر القادم، التى قد تغير مستقبل العالم، فالإدارة الديمقراطية الأمريكية تدرك أن نجاحها فى إتمام الاتفاق سيكون له أثر مباشر وقوى لصالح كامالا هاريس، وسيكون ضربة قوية لترامب والحزب الجمهورى الذى يعول على الفشل المستمر لإدارة بايدن ونائبته هاريس فى إدارة ملف حرب غزة.
ستظل مصر سواء أرادوا أو لم يريدوا هى حجر الزاوية الحقيقى فى الشرق الأوسط، وستفشل محاولات استغلال الظرف الاقتصادى للقفز على الدور المصرى الداعم بشكل عملى وحقيقى للمقاومة والقضية الفلسطينية.
المشكلة يا سادة فينا كعرب.. فإذا كان هناك ظهير عربى حقيقى لمصر سياسيًا واقتصاديًا لتغيرت المعادلة على الأرض، لأنه عندما تتحرك مصر يتحرك من ورائها العالم العربى كله، ولكن للأسف الشديد فإن الشيطان الأكبر بايدن والسفاح الإسرائيلى نتنياهو استطاعا أن يصورا مصر على أنها جزء من المشكلة الفلسطينية برفضها التهاون فى أمنها القومى وليست جزءًا من الحل كوسيط كان يتم من خلاله إجراء محادثات ومفاوضات فى أصعب الظروف، ولكن ما لا تدركه إسرائيل أن احتلال محور فيلادلفيا (صلاح الدين) ليس نسفًا لاتفاقية المعابر فحسب، كما يقول المحللون، ولكنه نسف لاتفاقية السلام (كامب ديفيد 1979).
هناك الكثير من الأسرار والمفاجآت سيتم الكشف عنها إذا تم وقف إطلاق النار، أهمها أن هناك أيادى طعنت مصر فى ظهرها وضربت القضية الفلسطينية فى مقتل فى هذا التوقيت الهام والحساس، لصالح المشروع الصهيونى الكبير لدولة الاحتلال، وأن هناك أدوات ساهمت فى إثارة تعنت نتنياهو ورفضه المطلق للدور المصرى فى حل الأزمة.
الصورة قاتمة وغير واضحة المعالم، وتحمل ألغازًا ومعطيات كثيرة جدًّا، بينما المنطقة تشتعل حول مصر حرفيًّا، فى صراعات دموية فى السودان يتهم فيها البرهان دولًا بعينها بدعم قوات (الدعم السريع) وهناك أيادٍ خفية تلعب فى طرابلس لإشعال الصراع الليبى مجددًا، وما يجرى فى العراق وسوريا من محاولات عودة تنظيم داعش للظهور مجددًا، رغم أنه صناعة مخابراتية أمريكية، وكذلك التغير المفاجئ فى الحرب الروسية الأوكرانية واحتلال أوكرانيا- لأول مرة- جزءًا ولو صغيرًا من الأراضى الروسية.
كل هذا جرى خلال الأيام الماضية، وبسرعة غريبة، تدعو إلى الحيرة والقلق السياسى.. فهل هناك احتمالية لنشوب حرب نووية عالمية تبدؤها روسيا بضرب دول أوروبية؟!
وهل تدفع البشرية ثمن العبث السياسى الأمريكى فى العالم؟
لا أعلم.. ولكنى متأكد- للأسف الشديد- أن العرب والمسلمين ما زالوا يلبسون جلباب الطاعة الأمريكية وينفذون تعليمات البيت الأبيض، ويعتمدون سياسة رد الفعل والشجب والإدانة وليس الفعل وقطع العلاقات الدبلوماسية واللعب بورقة البترول والغاز والاقتصاد.
أما أهل غزة فلهم الله، وسينقلب السحر على الساحر مهما طال الزمن، وسيدفع الحكام المسلمون والعرب فاتورة هذا الخوف والتردد وستشهد عليهم دماء الشهداء ودعوات الشعوب.
اقرأوا الفاتحة ليس على شهداء غزة ولكن على الحكومات العربية التى فقدت مصداقيتها لدى الشعوب العربية.
وشكر الله سعيكم.