أسامة شرشر يكتب: ترامب من قفص المحاكم إلى بطل أمريكى
لا شك أن ما شهده العالم كله على الهواء مباشرة، من محاولة شاب أمريكى فى العشرين من عمره لاغتيال المرشح الرئاسى فى الانتخابات الأمريكية الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، خلال مؤتمر انتخابى بولاية بنسلفانيا الأمريكية، يمثل كارثة أمنية بكل المقاييس للولايات المتحدة الأمريكية، خصوصًا أن الشاب المتهم ليس له أى سابقة إجرامية، واستخدم سلاحًا نصف آلى (بندقية إيه آر 15)، سعره لا يتعدى الـ500 دولار، فى محاولة اغتيال ترامب.
وتثير محاولة الاغتيال عاصفة من الأسئلة؛ أهمها: هل سيتراجع ترامب عن دعمه لحرية الأمريكيين فى حمل السلاح التى كفلها الدستور.. ويخسر جزءًا كبيرًا من أنصاره المؤيدين لحق حمل السلاح.. أم يظل على موقفه؟ وهل سيحدث الكونجرس الأمريكى تغييرًا تشريعيًا يظبط عملية شراء الأسلحة فى الولايات المتحدة.. أم أن المسألة مسألة وقت وستنتهى (وتعود ريمة آلى حالتها القديمة)؟
ولكن الأمر المؤكد أن محاولة اغتيال ترامب، حولته إلى بطل قومى فى نظر أنصاره، خصوصًا مع إصراره على رفع يده لأنصاره فى المؤتمر الانتخابى فى إشارة إلى استمراره فى معركته الانتخابية، وهى اللقطة التى استطاع ترامب بذكاء شديد أن يحولها إلى لقطة سياسية تعاطفية خطيرة أصبحت هى حديث العالم، لا سيما مع ظهوره ووجه ويديه ملطخة بالدماء ويقول ما معناه عندنا إن (الضربة التى لا تقتلك تقويك)، فنسى الجميع محاكمة ترامب والاتهامات الموجهة له، وحديثه السابق عن رفضه نتيجة الانتخابات إذا لم تأتِ به رئيسًا، وهذا ما حدث بالفعل مع ارتفاع نسبة التأييد له من 45% تقريبًا إلى 69%، بل سارع العديد من رجال الأعمال، وعلى رأسهم إيلون ماسك لإعلان دعم ترامب سياسيًا وإنسانيًا واجتماعيًا ودعم حملته ماديًا، وهو ما يجعل من ترامب بلا شك سيد البيت الأبيض القادم، بل إن العديد من الدول سارعت لإعلان دعم ترامب، ومنها السعودية التى أرسلت رسالة دعم قوية إلى ترامب وأسرته؛ ما يدل على العلاقة القوية بين الأسرة المالكة السعودية وترامب.
ورغم فشل عملية الاغتيال وقتل منفذها فإن العملية فى حد ذاته ونجاح منفذها فى الوصول إلى درجة إصابته فى الأذن، ونجاة ترامب بالصدفة؛ بسبب تحركه ناحية اليمين، تدل على الفشل الذريع لجهاز الخدمة السرية المكلف بحراسة الرئيس الحالى والرؤساء السابقين ومرشحى الرئاسة الأمريكية، وهو الفشل الذى يعد امتدادًا للفشل الأمنى فى كل أجهزة الاستخبارات الأمريكية، سواء فى التنبؤ بواقعة الاغتيال أو بطوفان الأقصى فى غزة وصولًا إلى الخروج المذل للجيش الأمريكى من أفغانستان.
ورغم دعوات الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى وحدة للأمة الأمريكية، تظل هذه الدعوات مجرد شعارات جوفاء لا أساس لها على أرض الواقع، فالحرب مشتعلة بين الحزبين وكل حزب يستخدم أسلحته المشروعة وغير المشروعة للانقضاض على الآخر فى هذه التجربة الانتخابية الغريبة، فى ظل حالة من العنف السياسى يشهدها الشارع الأمريكى، وهى مؤشر خطير لتفكك هذه الأمة الأمريكية فكل ولاية تستشعر بأنها دولة داخل الدولة لها أجهزتها الأمنية والقضائية والسياسية، وهذا يجعل التوحد الأمريكى شيئًا صعبًا جدًا جدًا؛ نتيجة حدوث تغييرات كبيرة فى المجتمع الأمريكى فى الفترة الأخيرة.
وهذه الظاهرة الخطيرة من العنف السياسى بين المرشحين والسياسيين تعطى دلالة خطيرة على أن كل شىء أصبح مباحًا ومتاحًا فى الانتخابات الأمريكية بعيدًا عن القيم والأخلاق والشعارات التى كانوا يرددونها على مسامع دول العالم، والخطورة الأكبر لما يجرى فى أمريكا هو تغيير تركيبة المجتمع الأمريكى حتى إن بعض الولايات تشعر بالظلم، وأصبح المواطن الأمريكى يدفع ثمن ما تقوم به الإدارات الأمريكية من قتل ودمار على مستوى العالم وخير دليل على ذلك ما يجرى فى غزة من إبادة جماعية والانتفاضة التى حدثت فى الجامعات الأمريكية من الطلاب الأمريكيين خاصة اليهود والمسيحيين ورفضهم الدعم الأمريكى لإسرائيل ومطالبتهم بإلغاء كل التعامل الأكاديمى مع النتنياهو وحكومته.
كل هذه المتغيرات تحدث فى ظل إحساس المواطن الأمريكى نفسه أنه يدفع الضرائب؛ لقتل شعوب العالم خاصة المسلمين وأبناء المسلمين.
فصدقونى ما يدور فى الانتخابات الأمريكية بين ترامب وبايدن هى فوضى انتخابية وسياسية، ستجر الولايات المتحدة إلى نهايتها، خاصة أن الأسلحة فى أيدى المواطنين، مثل السجائر مباحة ومستباحة للجميع.
والتساؤل: هل هى تمثيلية أم محاولة اغتيال حقيقية أم لعبة انتخابية صنعتها الحملة الانتخابية لترامب لكسب تعاطف الشعب الأمريكى؟
تخيلوا المشهد لو تم اغتيال ترامب واغتيال بايدن كرد فعل.. ماذا سيحدث فى أكبر دولة تدعى الديمقراطية وحقوق الإنسان والحيوان؟.. هل ستكون عدالة سماوية؟ لأن ما يجرى فى غزة والإبادة الجماعية، الفاعل الرئيسى فيها هى أمريكا مع اليمين المتطرف الإسرائيلى.
والتساؤل الأخطر ماذا لو وصل ترامب إلى حكم أمريكا للمرة الثانية؟! هل سيشعل الشرق الأوسط؟ هل سيحدث مواجهة مع إيران؟ هل سيمحو القضية الفلسطينية من الوجود بعد نقل السفارة إلى القدس والاعتراف بأنها إسرائيلية؟
صدقونى كما قولتها وأقولها وأكررها وأؤكدها أن (المتغطى بالأمريكان عريان)، وأن الشيطان الأكبر فى طريقه إلى الانكسار، وأقول إن تفكك الولايات الأمريكية سيكون على أيدى الأمريكان أنفسهم، وهى بداية السقوط والنهاية كقوة كبرى فى العالم.
فهناك محاولات تجرى لاستقلال بعض الولايات عن الإدارة الأمريكية، وسيتبعها المزيد من استقلال الولايات الأخرى، وهذا التفكك السياسى والأمنى والاجتماعى سيكون بداية النهاية للولايات المتحدة الأمريكية.
أعتقد أن ترامب استطاع بمهارة وذكاء تكتيكى وانتخابى أن يحدث ضجة فى أمريكا وفى العالم، وها هى مؤشرات وبيانات الرأى العام تجعله رئيسًا لأمريكا من الآن، وليس فى شهر نوفمبر المقبل.
اقرأوا الفاتحة على روح ترامب وبايدن يرحمكم الله..
ولا عزاء للعرب.