أسامة شرشر يكتب: يا حكام العرب لا تتركوا لبنان مثل غزة
قلبى وعقلى وكُلِّى مع الشعب اللبنانى والأرض اللبنانية، خاصة بيروت التى كانت وستظل وتبقى إلى الأبد مكانًا وملاذًا للمفكرين والأدباء والشعراء وأرضًا للعرب يشعرون فيها بدفء السماء، كما سيظل الجنوب اللبنانى رمزًا للصمود والإباء.
ولا أنسى ولا ينسى أو يتناسى كل المصريين أن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كان ولا يزال أيقونة لدى الشعب اللبنانى يعشقونه كرمز من رموز التحرر الوطنى فى كل العالم العربى وفى إفريقيا.
وها نحن اليوم نعيش لحظة فارقة فى تاريخنا يا حكام العرب.
هل تتركون لبنان وبيروت وصور وصيدا فريسة للعدوان الأمريكى الإسرائيلى الصهيونى الغادر؟!
وما لا أتمناه على الإطلاق، كمصرى وعروبى وقومى، أن أرى لبنان يتحول إلى غزة أخرى، رغم الصمود والمقاومة الباسلة التى يقوم بها الجنوب اللبنانى فى الحروب مع العدو الإسرائيلى، وهذا ما رأيته بنفسى فى صور من حركة أمل وحزب الله فى الجنوب، حيث تشعر أنه ما زال هناك قلب ينبض بالعزة والكرامة والحفاظ على الأرض والعرض، ألا وهو الشعب اللبنانى المحب للحياة فى مواجهة هذا الطوفان القادم من اليمين المتطرف الإسرائيلى الذى أحدث فى غزة فسادًا وإفسادًا وقتلًا للحياة ومصادرة لحركة البشر، وتدميرًا لهواء غزة بانبعاث لوث دم الشهداء من الأطفال والنساء والرجال.
لا أتمنى على الإطلاق أن أرى هذا المشهد فى بيروت أو فى جنوب لبنان، يحدث لهذا الشعب العربى الأبىّ الذى تسكن فى داخله فيروز وكل الأحرار من اللبنانيين.. ألا يستحق هذا الشعب اللبنانى العظيم أن تتخذ الحكومات العربية موقفًا لمنع التهديد بتحويل بيروت إلى غزة أخرى؟!.
امنعوا هذه المحرقة المنتظرة على أرض بيروت وصور العظيمة، (فحرية الشعوب العربية ليست إحسانًا ومنحة من أحد، وحقهم فى الحياة ليس قيدًا على حياتهم وأبنائهم، ولكن الخنوع والذل أمام بيت الطاعة الأمريكى هو الشيطان الذى يسرى كالفيروس فى الدم العربى ليفسده ويدمره ويقضى عليه).
ألا يستحق لبنان أن نقف معه قبل فوات الأوان وقبل أن نبكى على اللبن المسكوب وقبل أن تتحول هذه الواحة الربانية إلى دمار وأرض محروقة؟!.
جنِّبوا خلافاتكم سواء بين حماس وفتح فى فلسطين، أو بين حزب الله والتيارات السياسية المعارضة له فى لبنان، فالوقت وقت توحد لا وقت تصفية حسابات سياسية، فلبنان مهدد بأبشع جريمة إنسانية وحرب إبادة مثلما تم فى مجزرة قانا عام 2006.
والسؤال: لماذا هذا الضعف والخوف من جانب الحكومات العربية فى استخدام أدواتها الفعالة ضد الأمريكان قبل الإسرائيليين بالتهديد بقطع العلاقات الدبلوماسية -وهذا أضعف الإيمان- ومنع وقطع الغاز والبترول عنهم والتهديد بسحب الأرصدة المالية من بنوك أمريكا وأوروبا؟!
ألا يستحق لبنان أيضًا أن نقف معه موقفًا عمليًا؟ وهل يدفع الشعب اللبنانى فاتورة هذا الهوان والضعف العربى مثلما دفع الثمن من قبل شعب غزة؟! وهل نكتفى بالقمم التى ليس لها جدوى أو بالبيانات التى ليس لها أى مغزى أو تأثير؟!.
الشعوب العربية تتساءل: إلى متى يستمر هذا المخطط الصهيونى الذى ننفذه بإرادتنا وضعفنا وقهرنا؟!.
أيها الحكام العرب، العالم لا يحترم إلا لغة القوة (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ).
هذا ما تقوله الكتب السماوية فى كل الأديان.. فهل نختبئ ونتوارى أمام شعوبنا ويتم تنفيذ المخطط الصهيونى بأدوات وأسلحة وطائرات وأموال أمريكية، ونقول إن (الحل فى يد الأمريكان)؟!.
فماذا لو اتجه العرب إلى الصين وروسيا قولًا وفعلًا ليكونا دعمًا وسندًا للدول العربية التى يتلاعب بها بايدن والإدارة الأمريكية؟!.
وكما قلت سابقًا ومرارًا إن «وعد بايدن» أكثر خطورة من «وعد بلفور» لأنه يريد أن يلغى فلسطين ولبنان من الخريطة العربية تمهيدًا لتحقيق الحلم الصهيونى (من النيل إلى الفرات)، ولسبب آخر لا يتطرق إليه أحد وهو أن غزة والجنوب اللبنانى يعومان على أكبر كميات من الغاز والنفط، فنجد أن الصراع على هذه المنطقة العربية لاستنزاف ثروات أهلنا فى فلسطين وأهلنا فى لبنان.
كل هذه الأمور تجرى ونحن صامتون وساكنون، ننتظر أن تجىء أوراق الحل من يد الأمريكان وحل الدولتين فى يد الشيطان، وأعتقد أنه لا يمكن أن يكون هناك حل للأزمات العربية المتلاحقة إلا إذا كانت هناك استقلالية للقرار السياسى تستلهم نبض وصوت الجماهير العربية من نيل مصر إلى فرات العراق.
أمس كانت غزة واليوم لبنان والسودان فى الطريق واليمن فى مهب الريح وسوريا تعانى والعراق يحاول، والبعض يحاول أن يقفز فوق دور مصر العروبى والتاريخى.
يا أيها الحكام العرب.. قفوا خلف مصر وشعبها وادعموها سياسيًا واقتصاديًا، تجدوا أن شكل الموقف العربى سيتغير تغيرًا جذريًا لأن مصر تمتلك أقوى جيش عربى فى الشرق الأوسط، وجيشها خير أجناد الأرض، كما قال الرسول، عليه الصلاة والسلام، فلا تتركوها وتحاولوا أن تقفزوا على أدوارها، فمصر ستظل هى حجر الزاوية والأساس، وكما قال بعض الأشقاء السودانيين فى قاهرة المعز، (إن مصر هى الشقيقة الكبرى تحتوينا فى الأزمات والمحن) ولا استغناء عن دور مصر مهما حاول البعض.
لقد شاهدت أثناء إجازة عيد الأضحى فيلم (الرسالة) بإنتاج ليبى، وليت الحكومات العربية والحكام العرب من المحيط للخليج يشاهدون هذا الفيلم الذى يحمل فى طياته رسالة إلى العالم العربى والإسلامى، ويضع خريطة طريق جديدة إذا التزمنا بها وتوحدنا سنصبح قوة لا يُستهان بها، ولكن للأسف الشديد نحن نعيش فى زمن اللا معقول وزمن المستحيل.
فالقضية الحقيقية هى أننا نتصارع مع بعضنا البعض ونترك الباب ليهرول البعض ويطبّع الآخر مع الكيان الصهيونى؛ فالعيب فينا وفى بعض أنظمتنا العربية وليس فى شعوبنا.
اتقوا الله يا حكام العرب
يجعل لكم مخرجًا
وانتبهوا قبل فوات الأوان.