النهار
الجمعة 22 نوفمبر 2024 05:43 مـ 21 جمادى أول 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
باحث بجامعة «لويزيانا» يحصل على الدكتوراه في «علوم البحار البيولوجية» من جامعة الأزهر رئيس البرلمان العربي يلتقي وزير الشئون النيابية المصري ويؤكدان على أهمية التكامل بين الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية البرلمانية زراعة المنوفية: استمرار عمل لجان المراقبة والمتابعة على الجمعيات التقرير الأسبوعي لـ وزارة التربية والتعليم.. أبرز الأنشطة وأهم القرارات بسبب كاتيل شاي.. السيطرة على حريق بكشك أمن بكلية العلوم ببورسعيد ‎“ساعة مصرية”.. برنامج جديد على قناة النيل للأخبار قريبًا ” الملتقى العربي الدولي للصناعات الصغيـرة والمتوسطة ” يختتم أعماله بالتأكيد على أهمية تسريع وتيرة التحول الرقمي في كافة المجالات الصناعية زاخاروفا: زلة لسان زيلينسكي تثبت تعاطيه المخدرات بعد ضربة ”أوريشنيك”.. وزير خارجية إيطاليا يطالب أوروبا بالسعي للسلام في أوكرانيا رامي صبري عن أحمد الفيشاوي: لاسع بس بيفهم في المزيكا رامي صبري: مقدرش ألبس ”حلق” بخاف من الجمهور وبحترمه تفاصيل أعمال اليوم الثاني من مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: حكايتي مع الدكتور أحمد فتحي سرور

أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار

في بعض الأحيان، تقف كثيرًا، وتتأمل قامات سياسية أو برلمانية أو اقتصادية أو إنسانية، أثرت هذه الحياة بعطائها العلمي والبحثي والقانوني والدستوري، ومواقفها السياسية التى لم تتغير بتغير المكان أو الزمان، ولم تأكل على كلّ الموائد السياسية، بل كان لها خط سياسي واضح، ومبدأ لا يتم الحياد عنه، مهما كانت الظروف أو الإغراءات، وأحد هؤلاء هو الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب الأسبق، الذى وافته المنية منذ أيام.
وكما يقال: من لا يشكر الناس، لا يشكر الله.. والدكتور أحمد فتحي سرور، في ذمة الله والتاريخ الآن، فحكايتي بدأت معه عندما كنت صحفيّا برلمانيا في مجلس الشعب، وعلى مدار أكثر من 20 عامًا، عشنا معه مواقف وأحداثا كثيرة جدا، لا تكفيها مقالة، ولكن تحتاج إلى كتيبات، لأن هذا الرجل كان مؤمنًا بالصحافة والصحفيين، وأنهم آلة التنوير، وهم الذين يشكلون الوجدان والرأي العام، وهو أول من وافق على سفر صحف الجنوب وهي الصحف الأسبوعية والحزبية والمستقلة لأول مرة في تاريخ البرلمان المصري مع صحف الشمال وهي الأهرام والمؤسسات القومية، في مهمات العمل البرلمانية، وكان مؤمنا أن المعارضة جزء هام جدًا جدًا جدًا، في الحياة الصحفية والحزبية، فكنا كصحفيين مستقلين وحزبيين نطوف ونجوب في كل بلدان العالم في البرلمانات العربية والإسلامية.
ولا أنسى موقفا عشت وتعايشت معه فيه، عندما خاض انتخابات البرلمان الدولي، وحاولت إسرائيل إسقاطه من خلال الرشاوى والتفاهمات مع الوفود البرلمانية العالمية، داعمةً المنافس التشيلي في ذلك الوقت بهدف إسقاط رئيس مجلس الشعب المصري، ولكن استطاع سرور بعلمه وثقافته القانونية والدستورية وحنكته كأستاذ جامعي، وفقيه دستوري، وله مؤلفات في القانون الجنائي يدرسها لطلبة جامعة القاهرة، ما يجعله مميزا ومتميزا عن الآخرين، أن يلقن المنافس التشيلي درسا لا ينساه عندما تحدث بالفرنسية والإنجليزية والعربية في تعريف الوفود بسيرته الذاتية، ورغم الكمين الذى كان منصوبًا له والمفاجأة، استطاع أن يشعل القاعة بالتصفيق الحاد من كل الوفود البرلمانية الدولية.
وكان للدكتور محمد عبد الله رئيس لجنة العلاقات الخارجية في ذلك الوقت والدكتورة الفاضلة الوطنية منى مكرم عبيد والدكتورة حورية مجاهد مع الدينامو سامي مهران أمين عام مجلس الشعب المصري دور حاسم وطبعا لا ننسى موقف العراق الشقيق، رغم الخلاف السياسي في ذلك الوقت بسبب حرب الكويت، ولكن جاءت التعليمات أن يعطي العراق صوته للدكتور أحمد فتحي سرور، ونجح ونجحت مصر، وفاز سرور برئاسة البرلمان الدولي، في سابقة تعد الأولى من نوعها على المستوى العربي والإسلامي.. وكانت ليلة من الليالي الديمقراطية التى استطاعت فيها مصر أن يكون لها صوت داخل البرلمان الدولي يعبر عن القضية الفلسطينية والقضايا العربية والإسلامية بشكل موضوعي حقيقي، وبلغة يفهمها الآخرون وليس بالطريقة التى نراها الآن وحديثنا مع أنفسنا بلغة لا يفهمها إلا نحن وليس مع الخارج.
ولا أنسى عندما سألته بعد فوزه برئاسة البرلمان الدولي هل ترى أن نسبة 50% للعمال والفلاحين ونحن في التسعينيات لها ضرورة الآن، فأجاب: أتفق معك يا شرشر أنه كانت لها ضرورتها في الخمسينيات والستينيات بعد ثورة يوليو وآن الأوان أن يتم تعديلها وتصويبها وتصحيحها.
وعندما قرأ المرحوم الرئيس حسنى مبارك هذا التصريح كان المانشيت الرئيس في جريدة الأهرام، في اليوم التالي (لا تعديل لنسبة 50% للعمال والفلاحين)

والموقف الذى لن أنساه، كرئيس للبرلمان المصري عندما ترك المنصة في قانون ما، ونزل إلى القاعة وعرض وجهة نظره وسط تصفيق حاد من نواب المعارضة قبل الأغلبية عندما كان في الماضي البرلمان فيه معارضة حقيقية، وهي اللفتة التى فعلها من قبل المرحوم الدكتور رفعت المحجوب أحد القامات السياسية والبرلمانية الخطيرة أيضا.
ولا أنسى أيضا عندما قام المرحوم النائب طلعت السادات، ورفع الحذاء، وألقاه على أحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطني في هذا الوقت، الذى كان يعيش دور الوريث السياسي، استطاع الدكتور أحمد فتحي سرور كرئيس لمجلس الشعب، أن يعالج الموقف برفع الجلسة، واستطاع بذكاء برلماني وسياسي أن يمنع كارثة تحت قبة البرلمان في هذا الوقت.
ولا أنسى ولا ينسى زملائي المحررون البرلمانيون، عندما قام الدكتور فتحي سرور، بإعفاء السكن الخاص من الضريبة العقارية، ووافق المرحوم كمال الشاذلي والدكتور زكريا عزمي، وأعضاء المجلس، وفوجئ رئيس مجلس الشعب بأمين التنظيم أحمد عز الذى جاء من المجهول السياسي، يعترض على إعفاء السكن الخاص من الضريبة العقارية، وقام وعلق الدكتور فتحي سرور بذكاء، بأنه إذا كان الحزب الوطني وهو حزب الأغلبية مختلفا في آرائه ولم يتفق على رأي واحد ستكون لنا مرجعية أخرى لعلاج هذا الموقف.
ولا ننسى عندما قال كلمة نارية في البرلمان العربي في المغرب، حازت على تصفيق كل أعضاء الوفود العربية.

والحقيقة التى لا ينكرها أحد أن الدكتور أحمد فتحي سرور، كان يعمل بطريقة مؤسسية، فكان يساعده فريق عمل في قمة الكفاءة والمهنية والوطنية، على رأسهم المستشار سامي مهران، أفضل أمين عام للبرلمان على مستوى العالم العربي والشرق الأوسط الذي وصل إلى البرلمان الدولي بذكائه وكفاءته وكانت لوائح البرلمانات الدولية يحفظها عن ظهر قلب، وكل المواد يستدعيها بمنتهى السهولة واللواء أحمد حمدي واللواء يسرى الشيخ واللواء رمزي حجازي المسئول عن الإعلام والعلاقات العامة والمستشار سري صيام الذي كان مساعدا للوزير لشئون التشريع والمستشار فتحي والي والفقيه الدستوري الدكتور فتحي نجيب، ورموز كثيرة جدا كان يلتقى بهم ويتناقش معهم كما كان يتواصل مع الصحفيين المستقلين والنواب من أحزاب المعارضة حتى إنه قال لأستاذنا المرحوم خالد محيي الدين رئيس المجموعة البرلمانية لحزب التجمع في هذا الوقت (نحن نتعلم منك كرجل وطني تحت قبة البرلمان) وهذا أمر ليس غريبا على فقيه دستوري وقانوني يعلم الطلبة والأساتذة في جامعة القاهرة القانون والدستور، بل إنه كان أستاذا بالمعهد الفرنسي للفرانكفونية في باريس.
فهذه القامات لا تموت، ولن تموت، وستظل ذكراها وأفعالها، ومواقفها في ذاكرة الأجيال القادمة، والوطن لا ينسى رموزه الوطنية الذين دافعوا عنه في كل المواقف والمحافل الدولية.
وبالحديث عن القامات الصحفية والبرلمانية، لا أنسى أستاذي الذى علمني واستقبلني في الثمانينيات المرحوم والكاتب الصحفي الكبير محمود معوض رئيس الشعبة البرلمانية في مجلس الشعب ورئيس القسم البرلماني في الأهرام، الذى كان يعتبر أفضل صحفي برلماني في تاريخ البرلمان بعد ثورة1952 بعد الكاتب الصحفي المرحوم موسى صبري رئيس تحرير الأخبار ورئيس مجلس إدارة أخبار اليوم الأسبق.
فمحمود معوض كان أيضا صاحب تجربة هامة جدا في الدفاع عن صحفيي الأحزاب والمستقلين وكان يبحث عن حقوقهم في السفر في المهمات البرلمانية، لأن الصحافة لا تفرق بين صحفي معارض وصحفي قومي، فأعطانا محمود معوض قوة بالأداء والمعلومات وسهولة الوصول إلى المكتبة لنراجع ونذاكر ونتأكد ونتحقق من السوابق البرلمانية فيها، في هذا الزمن الذى كان يموج بكثير من النواب الوطنيين، المستقلين والمعارضة، مثل المستشار عادل عيد وأبو العز الحريري والبدري فرغلي وممتاز نصار، والدكتور محمود القاضي والنائب كمال أحمد أطال الله في عمره الذين لعبوا دورا حقيقيا في إثراء الحياة البرلمانية المصرية، وكان البرلمان المصري أيقونة ونموذجا للبرلمانات العربية والإسلامية بأدائه ورجاله وكفاءته، واستجواباته النارية التى لم نر مثلها حتى الآن.
كل هذه المواقف وكأنها شريط مر في ذاكرتي عندما سمعت نبأ وفاة العالم الجليل والفقيه الدستوري والقانوني الدكتور أحمد فتحي سرور، وما زالت كلماته ترن في أذني عندما نجحت في دائرة منوف وسرس الليان عام 2015 كمرشح مستقل لم أنتم لأي حزب، لأنه لا توجد هناك أحزاب بمعنى الكلمة، قائلا لي: لقد صدقت نبوءتى عندما قلت لك ستكون نائبا تحت قبة البرلمان.. ولم أتخيل ولم أتوقع أن يكون أداؤك البرلماني بهذا الشكل وبهذه الطريقة، حتى إن الدكتور على عبد العال كان دائما يشكوك لي وكان يقول لي إن شرشر نائب وطني حقيقي جاء يعبر عن شعب مصر وعن دائرته منوف وسرس الليان، وليس له شركات ولا بيزنس ولا أي شيء فهو صوت المقهورين والغلابة والمظلومين تحت قبة البرلمان.
والله هذه حقيقة وأنا أقولها ويرددها دائما اللواء إبراهيم أبو ليمون محافظ المنوفية أطال الله في عمره عندما قال لأعضاء مجلسي النواب والشيوخ بالمنوفية، إن أسامة شرشر نائب دولي وليس نائبا محليا،
وهو ما أكده الدكتور أحمد فتحي سرور، الذى سيكرمه التاريخ والأجيال القادمة لوطنيته وعلمه وأخلاقه ونظافته، فهو لم يتربح على الإطلاق من منصبه لأنه كان غنيا بعلمه وكتبه ومحطاته الوظيفية كوكيل للنيابة وأستاذا للقانون في جامعة القاهرة وعضوا في هيئة اليونسكو وكثير من المناصب التى وضع بصمته القانونية والدستورية بها، ومن خلال تلاميذه أساتذة القانون في كل جامعات مصر الذين سيذكرون دوما أحمد فتحي سرور، فهذا الرجل لن يموت ولكن سيظل حيا معنا بعلمه وثقافته وأخلاقه ومواقفه الوطنية.
ولا أملك إلا أن أتقدم بخالص التعازي للدكتور طارق فتحي سرور، أحد أساتذة القانون في جامعة القاهرة، وللأسرة الكريمة والدعاء بأن يتغمد الله الفقيد بواسع رحمته وأن يدخله فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون.