أســامة شرشر يكتب: بايدن حرق غزة
من عجائب القدر والأيام أن نشاهد رئيس مجلس إدارة العالم (بايدن) يحرق غزة، بل وصل الأمر إلى أن يذهب بايدن، الشيطان الأكبر فى العالم، إلى إسرائيل، ويحضر مجلس الحرب الإسرائيلى، ويعلن من خلاله ضرورة إبادة حماس من فوق الأرض وتحتها قائلًا «لا حماس بعد اليوم».. إن هذا الخراب والدمار والإبادة الجماعية التى لم تحدث فى تاريخ البشرية منذ نشأتها من قام بإحداثها هو الرئيس الأمريكى.
وكما قلت من قبل إن (وعد بايدن 2023 كان أكثر خطورة من وعد بلفور 1917)، لسبب بسيط هو أن بايدن أراد حذف خريطة فلسطين من الوجود وإنهاء حركة المقاومة الفلسطينية من غزة تمامًا واعتبار أن الاحتلال الإسرائيلى الصهيونى يدافع عن نفسه وهو يدرك أو لا يدرك أن 2.5 مليون مواطن فلسطينى أصبحوا رهينة لهذا القرار الأحادى لبايدن بحجة إنهاء حكم حماس لغزة، وهو نفس السيناريو الذى حدث فى العراق وفى أفغانستان، فجماعة حماس لا تختلف كثيرًا عن جماعة طالبان التى تم الاعتراف بها عالميًّا.
وأمام هذا الصمت العربى المريب وخاصة الحكام وموقف إيران وتركيا المثير للتساؤل نجد أن الشعب الفلسطينى سواء فى غزة أو فى الضفة الغربية أو فى القدس أو من عرب 48 يدفع فاتورة حرب بايدن الذى أراد أن يثبت للوبى الصهيونى أنه الرئيس الأمريكى الوحيد الذى أنهى المقاومة سواء حماس أو الجهاد وحذف اسم فلسطين من الخريطة، وفى نفس الوقت ينادى بحل الدولتين.
وبعد أن دفع أطفال غزة ونساؤها وشبابها ورجالها ضريبة هذا الخراب والقتل الجماعى للبشر، لم تنفع حتى صرخات الرضع، بل خرج علينا العارف بالله بايدن وقال إن هناك معلومات عن مستشفى الشفاء فى غزة، تفيد بأن تحته أنفاقًا لحركة حماس والجهاد، وقام بقصف المستشفى، وقتل الأطفال بداخله، ولم تشفع عنده صرخات الأطفال والنساء، وهو لا يعلم أن المرأة الفلسطينية العظيمة ولّادة وأن أطفال الحجارة فى التسعينيات هم الآن الذين يقاومون أكبر ترسانة أمريكية فى العالم بجنودها المارينز الذين يقاتلون مع إسرائيل، وطائراتها وغواصاتها وقنابلها التى قيل إنها بلغت 32 ألف طن متفجرات، وفاقت القنبلة النووية فى تدميرها.
فالأرقام لا تكذب ولا تتجمل، والمعلومات تؤكد سقوط أكثر من 15 ألف شهيد فلسطينى أغلبهم من النساء والأطفاء بنسبة 80% وهذه تقارير المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة (أونروا) والتى أكدت أنه تم تدمير غزة بشمالها تمامًا، وأنها أصبحت هى والأرض سواء، وقيل إن الدعم المادى الذى قدمه بايدن للاحتلال الإسرائيلى بالإضافة للأسلحة يبلغ 32 مليار دولار، من إجمالى 48 مليار دولار هى فاتورة هذه الحرب، وإن إسرائيل- على لسان وزير ماليتها– تحملت 16 مليار دولار!.
فهذا التدمير الأمريكى ممنهج وبمشاركة فاعلة لبعض الدول الأوروبية، ولكن دعونا فى هذا المقال نحيى الموقف المفاجئ لرئيس وزراء إسبانيا الذى قال إن الجرائم الإسرائيلية فى غزة يجب أن تتوقف ودعا لوقف إطلاق النار، بل إن برشلونة الإسبانية أعلنت قطع العلاقات التجارية مع الكيان الصهيونى (وهو أمر لم تفعله أى دولة عربية أو إسلامية!)، ناهيك عن تأكيد رئيس الوزراء الإسبانى أنه سيكون هناك قرار فورى إذا لم تتوقف الحرب ولم يتدخل الاتحاد الأوروبى لوقفها، وعلى نفس المنوال قامت بلجيكا بفعل نفس الشىء، مما أدى لاستدعاء السفراء واحتجاج من نتنياهو (رئيس وزراء بايدن) وبن غفير (وزير الأمن الداخلى) الذى يقوم بتصفية النساء والأطفال فى الضفة الغربية رغم عدم وجود فزاعة حماس هناك.
وعلينا أن نتساءل: إلى متى يستمر هذا الجرم الإنسانى، ويدمر الأمريكان الحياة والبشر؟! وإلى متى يستمر العرب فى دفع فاتورة إعادة الحياة لقطاع غزة بعد انتهاء أفعال هذا المجرم الدولى الحقيقى؟!
والأغرب أنه لا يتم مساءلة بايدن أو رئيس وزرائه (نتنياهو)، وعلى الجانب الآخر نجد فوضى فى المنظمات الدولية التى أصبحت لا وجود لها، وحتى المحكمة الجنائية الدولية التى وقّعت على بوتين عقوبات بحجة أنه أخذ أطفالًا روسًا من أوكرانيا، تقف عاجزة أمام ما يشاهده العالم على الهواء مباشرة من قتل ممنهج للأطفال فى سابقة تعد الأولى من نوعها فى التاريخ وأن يتم ترحيلهم إلى مستشفيات العريش فى مصر!.
أعجبنى بأمانة ومهنية مشهد توقفت عنده كثيرًا، عندما شاهدت أول امرأة قطرية وعربية وهى الوزيرة (لولوة الخاطر) وزيرة الدولة للتعاون الدولى القطرية، تقف فى غزة وتقول لأهلها: «اصبروا وصابروا، فإن موعدكم النصر»، ولم يفعلها للأسف الشديد أى رجل عربى! فأحيى هذه المرأة التى فعلت ما لم يفعله الرجال.
ولكن يجب أن نؤكد أن الموقف المصرى هو الموقف الفاعل على الأرض من خلال معبر رفح الذى دخل التاريخ، ونشيد بالدور الخفى والمعلن لرجال المخابرات المصرية العظيمة، وأنه لولا هذا الدور لما كنا وصلنا مع الجانب القطرى الذى ساهم بشكل إيجابى وفعال إلى الهدنة الحالية، فالقطريون أيضًا تمرسوا على هذه المفاوضات منذ أن تبنوا قضية طالبان مع الأمريكان فى الدوحة ونجحوا فى ذلك، وأصبحت قطر هى الذراع الآمنة للدولة المصرية عكس الرعاة العرب الآخرين، فالمعادلة تتغير والمواقف تتبدل، ولا نعرف لماذا؟ ويبدو أن هناك أسرارًا فى الغرف المغلقة.. فهل المطلوب هو إضعاف مصر أم دعمها؟ هذا سؤال لكل الأنظمة العربية من الشعب المصرى الذى وصل تعداده إلى 120 مليون نسمة ويستضيف 15 مليون ضيف عربى وإفريقى، ولم يتاجر أبدًا بالقضية الفلسطينية، وهو حائط الصد الأول أمام محاولات تصفية القضية.
كما أتساءل ويتساءل معى كثيرون عن الموقف السلبى للسلطة الفلسطينية، خصوصًا أن الجميع انتظر أن تكون السلطة أكبر داعم للمقاومة وأهل غزة الذين هم جزء من الأرض والشعب الفلسطينى، فسواء اتفقنا أو اختفلنا مع أيديولوجيات أو سياسات أو مرجعيات أو توجهات حماس، ولكن يبقى الواقع أنهم هم الآن من يرفع الراية ويدافع عن الأرض والعرض فى فلسطين، ولولاهم لما تحركت القضية وأصبحت تحظى بدعم ومظاهرات شعوب العالم، فلأول مرة نرى فى واشنطن وباريس ولندن وبرلين والدول الداعمة لإسرائيل دعمًا أعمى- دعوات ومطالبات بحق الفلسطينيين فى الحياة وضرورة وقف الحرب.
وأنا أتعجب من الإعلام العربى باستثناء قناة الجزيرة التى تفوقت على نفسها، فى نقل مشهد الدمار والخراب فى غزة.. ودعونا نحيى الزميل وائل الدحدوح الذى عاد لعمله بعد أن دفن زوجته وابنه وابنته وحفيدته وخرج علينا فى مشهد مؤثر ليقول (معلش) لأن دوام الحال من المحال.
فدعونا نقول إن حركة المقاومة الفلسطينية أدارت قضية التفاوض مع الجانب الأمريكى والإسرائيلى بمهنية وذكاء سياسى ومرونة فائقة من خلال الوساطة المصرية والقطرية.
وما أعجبنى وشدنى كمواطن مصرى وعروبى هو تسليم الرهائن فى المرحلة الثانية فى غزة، والذى مثل نوعًا من التخطيط والوعى بالزمان والمكان أمام احتضان معنوى ونفسى من الرهائن لمقاتلى المقاومة وهذا ما شاهده العالم على الشاشات، بالإضافة إلى الجانب الإنسانى الذى أوصى بحسن معاملة الأسير، وكانت شهادة الرهائن الإسرائيليين للشاباك (جهاز الأمن الداخلى الإسرائيلى) صادمة عن حسن التعامل الإنسانى مع الرهائن الإسرائيليين ومزدوجى الجنسية، وهو ما صدم الآلة الإعلامية الأمريكية والغربية التى تشوه حركة المقاومة وتصفها بالإرهاب، والتساؤل المنطقى: إذا كانوا هم إرهابيين، فالاحتلال الإسرائيلى والأمريكان ومن يساعدهم يمثلون التطرف الإرهابى، والتاريخ سيسجل هذا والنتائج السياسية لحرق غزة لن تنتهى والهدنة ستستمر لفترة، ولكن السؤال الذى ليس له إجابة حتى الآن: هل يتم إيقاف الحرب أم لا؟!.
أعتقد أن بايدن رغم ادعاءاته بمحاولة إيقاف الحرب، سيصدر قرارًا لرئيس وزرائه نتنياهو باستمرار الحرب فى غزة، وأخشى ما أخشاه أن يحدث خطأ إستراتيجى يحولها إلى صراع إقليمى لا نعرف مداه.
وأؤكد أن بايدن سيدفع ثمن هذه الإبادة وحرق غزة فى صندوق الانتخابات القادمة فى أمريكا، وسيكون عقاب الشعب الأمريكى هو الدرس المستفاد لبادى وأى بايدن آخر يحرق الشعوب، ويدعى السلام والتفاوض والهدن الإنسانية.
وكما قلت مرارًا وأكررها: يا حكام العرب (المتغطى بالأمريكان عريان).
فعودوا إلى شعوبكم تجدوا كل الخير، لأن الشعوب هى الباقية والأعداء إلى زوال.