أسامة شرشر يكتب: لماذا تأخرت عودة سوريا؟
لماذا تأخرت عودة سوريا إلى الجامعة العربية؟ ولماذا عادت فى هذا التوقيت؟ رغم أننا صرخنا وكتبنا منذ سنوات طويلة وتساءلنا: أين سوريا يا عرب؟!
سوريا التى تمثل بلاد الشام والحضارة والتاريخ، والبوابة الشرقية للأمن القومى العربى، والتى كانت حاضنة حقيقية للقضية الفلسطينية بفصائلها وكتائبها النضالية المتنوعة، وكانت تمثل حجر الزاوية فى وقت ما لمواجهة الغزو الثقافى والدينى، وتعبر عن الإرادة الجمعية للهوية العربية، وكان جيشها هو صمام الأمان فى الشام العربى أمام التتار الجدد، حاول البعض إسقاطها وتركوها وحيدة فى أهم مرحلة منذ ثورات الخريف العربى ومشروع كونداليزا رايس لتقسيم المنطقة وخصوصًا الدولة السورية، حتى أصبحت سوريا للأسف الشديد قبلة للمتطرفين وأصحاب الأجندات الخارجية وأدوات الهدم القومى، وهى التى كانت تعج بالشعراء والأدباء والمفكرين والباحثين والمبدعين.
والحقيقة أن سوريا بالنسبة لمصر لها وضع خاص، لأنه كان بين البلدين مشاريع وحدة كبلد واحد فى الخمسينيات والستينيات، ولا ننسى أبدًا أنه أثناء زيارة الرئيس عبد الناصر لدمشق، قام المواطنون برفع سيارته فوق رؤوسهم، فهو يحمل مكانة استثنائية فى عقول وقلوب الشعب السورى، وظل الأمر هكذا حتى تم ضرب الوحدة والمشروع الوطنى من قبل إسرائيل والصهيونية العالمية والشيطان الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية.
فكانت مصر وسوريا إحدى أدوات الأمن القومى الحقيقى فى مرحلة من مراحل النضال العربى والقومية العربية التى أصبحت الآن مجرد شعار، وغابت سوريا عن مقعدها لمدة أكثر من 12 عامًا فى موقف غريب واستثنائى، وتم تجميد عضويتها بفعل فاعل لإبعادها عن الحاضنة العربية، رغم عدم تجميد عضويتها فى الأمم المتحدة، وها هى سوريا تعود اليوم بعد أن تحركت مصر والسعودية والإمارات لعودتها مجددًا بدءًا من قمة الرياض القادمة فى شهر مايو الجارى.
فلماذا غابت سوريا؟ ولماذا عادت؟ ومن وراء هذا الإبعاد المتعمد؟!
ودعونا لا ننسى دور الجماعات الظلامية فى استهداف الدولة السورية، ودعوة مرسى فى استاد القاهرة لقطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق وفتح باب (الجهاد) لإسقاط العاصمة الشامية التى ظلت عصية على السقوط على مر الأيام والتاريخ، فهل تكون هذه العودة إلى عالمها العربى بداية حقيقية لإعادة إعمار سوريا وعودة الملايين من أبناء الشعب السورى الذين تركوا أوطانهم وبيوتهم؟ وهل ستحدث انفراجة سياسية حقيقية بعودة إيران إلى التفاهم مع الدول العربية واحتواء ما يسمى المشروع الشيعى والمشروع السنى؟ وهل تكون هذه بداية لتحالفات وتفاهمات لمواجهة الأدوات التى تعمل لصالح المشروع الصهيونى الأمريكى الإسرائيلى؟ فهذه الأدوات عليها علامات استفهام كثيرة وهدفها الأول والأخير هو تقسيم الدول العربية الفاعلة والمؤثرة فى محيطها العربى.
فهل تكون عودة سوريا للجامعة العربية عودة غير مشروطة لبدء تشكيل مشروع عربى وإقليمى حقيقى يكون فيه تفاهمات مع إيران وتركيا دولتى الجوار المهمتين لتكونا بديلًا حقيقيًّا عن محاولات إقحام إسرائيل فى العلاقات العربية- العربية حسب الاتفاقيات الأخيرة التى هى عار علينا جميعًا فى وقت ينتهك فيه الأقصى ليل نهار؟ ويحسب لمصر أنها رفضت أن يكون هناك تحالف عربى مع إسرائيل لاستهداف إيران.
هذا الرفض المصرى تسبب فى سقوط المشروع الذى أراد أن يُدخل المنطقة فى صراع دينى سنى وشيعى لتفتيت المنطقة وإراقة الدماء العربية والإيرانية، وهو نفس التفكير الأمريكى الذى يريد تفكيك السودان الآن، وتحويل الصراع فيه إلى حرب أهلية، ودخول الميليشيات الإرهابية إلى البلد الشقيق والعزيز من خلال حدوده الكبيرة والممتدة لآلاف الكيلومترات.
إننا نعيش الآن مرحلة صراع جديد بعد التقارب المصرى التركى، وعودة العلاقات السعودية الإيرانية، وهى مسامير جحا التى كان يعول عليها المشروع الأمريكى والإسرائيلى فى تفتيت وتقسيم عالمنا العربى إلى فرق وأحزاب متناحرة تحت بند الديمقراطية وحقوق الإنسان والحيوان.
لا أجد ما أعبر به عن سعادتى كمصرى وعروبى وقومى بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، كبداية حقيقية لعودة شرايين الحياة لتضخ فى جسد الدولة السورية التى دفع أبناؤها ثمنًا باهظًا فى سبيل التصدى لمشاريع الشرق الأوسط الجديد.
فهل ستكون عودة سوريا إلى الحضن العربى هى بداية لإنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة لمواجهة المد الأمريكى المستتر تحت عباءات وشعارات وأجندات وأدوات الآلة الإعلامية التى أصبحت أقوى من الآلة العسكرية فى إسقاط الأنظمة وإذكاء نار الفتنة بين الشعب الواحد لتتحول إلى أنهار من الدماء والخراب والدمار، بدلًا من البناء والتنمية.
فكم دفع المواطن العربى من المحيط إلى الخليج أثمانًا ودماء كثيرة!
فهل يستفيق العرب من الاحتماء بأمريكا وإسرائيل التى أصبحت وبالًا على عالمنا العربى بحكم المواقف والتاريخ؟!.
فيا حكام العرب اتحدوا، وارفعوا راية الشعوب واحتموا بها؛ فهى الباقية أمام الشيطان الأكبر أمريكا وأدواتها.