النهار
الجمعة 22 نوفمبر 2024 09:27 مـ 21 جمادى أول 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

ثقافة

حوار| كبير الآثاريين بوزارة السياحة: الاكتشافات الأثرية لن تجلب السياح لمصر وصناع السينما والدراما يتغاضون عن التصوير بمناطق أثرية

اكتشافات أثرية جديدة، تشهد على عظمة تاريخ مصر القديم، وكأنها رسالة للعالم بأن ما خفي من كنوز مصر كان أعظم، والتي كان من بينها الكشف الأثري الجديد بمنطقة جسر المدير في جبانة سقارة، واكتشاف بعض الدفنات العائلية بجبانة ذراع أبوالنجا بالبر الغربى بمدينة الأقصر، بخلاف اكتشاف مقبرة ملكية بمدينة الأقصر، جميعها تمت على مدار شهر يناير، ولم يكن الإعلان يوم الأربعاء الماضي عن طبيعية بعض المواد المكتشفة والمستخدمة في التحنيط بمنأى عن تلك عن تلك الاكتشتافات، وكأنها جاءت في ذلك التوقيت لتحلق داخل السرب ذاته، الأمر الذي أثار تساؤلًا مهمًا في أذهان البعض بشأن لماذا لم تنتعش السياحة في ظل تلك الاكتشافات الأثرية التي يتم الإعلان عنها بين الحين والآخر؟

وتحاور «النهار» كبير الآثاريين بوزارة السياحة والآثار، مجدي شاكر، للحديث عن الاكتشافات الأثرية، وإلى أي مدى يمكن الاستفادة منها في تنشيط السياحة، وما هي المؤسسات المعنية للقيام بتلك المهمة، وإلى أي مدى صناعة الدراما والسينما لها دور في الترويج للآثار وتنشيط السياحة؟

في البداية، حدثنا عن الكشف الأثري الخاص بتمثال «ميسي»، وكيف يمكن استغلاله للترويج للسياحة؟

هذا الكشف الأثري أعلن عنه الدكتور زاهي حواس، في منطقة سقارة، يمكن استغلاله بصورة كبيرة للترويج للسياحة، لاسيَّما وأنه من ضمن الاكتشافات تم العثور على 9 تماثيل تعود إلى عصر الأسرة الخامسة، التماثيل التسعة تعود إلى شخص يدعى «ميسي»، داخل مقبرة المجموعة الهرمية للملك «بيبي الأول».

ماذا عن اكتشاف طبيعية بعض المواد المستخدمة في التحنيط؟

في 2018 تم اكتشاف ورشة للتحنيط، في جبانة البوبسطيين في سقارة، والتي عُثر بداخلها على 21 إناء من الفخار تحتوي على بقايا مواد، ولم يتعرفوا على طبيعتها، وتم إرسال تلك الأواني إلى مركز البحوث لمعرفة طبيعة تلك المواد، ومنها تم إرسالها إلى ألمانيا لإجراء الأبحاث والتحاليل عليها، والتي أسفرت نتائجها، التي تم إعلانهاء يوم الخميس 2 فبراير الجاري، عن الكشف عن أن كل إناء من تلك الأواني المكتشفة، مدون عليه مادة التحنيط الموجودة بداخله، ولأي عضو يتم استخدامها.

على أي أساس كان يتم اختيار المواد المستخدمة في التحنيط؟

عملية التحنيط كان عبارة عن بيزنس، بمعنى أن المواد التي كان يتم استخدامها في التحنيط لم تكن تختلف باختلاف كل عضو من جسم الإنسان وحسب، ولكن كان يتم اختيارها أيضًا وفقًا للقدرات الاقتصادية للمتوفى، وكل مادة كان لها سعر خاص بها، الأمر ذاته أيضًا كان ساريًا على الأثاث الجنائزي الذي يتم دفنه مع المتوفى، كان يتم اختياره وفقًا لقدراته المالية.

وإلى أي مدى اختلفت تلك المقابر للأسباب ذاتها؟

تدشين المقابر لدى قدماء المصريين، كان يتبع ما يسمى اقتصاد الموت أيضًا، والذي كان يشتغل بها مئات الأشخاص، وكان يتم حفر المقبرة وتلوينها وتحنيط الجثة وعمل الأثاث الجنائزي للمتوفى، وفقًا لقدراته المادية، فالمقابر المنقوشة حفر غائر تختلف تلكفتها عن ذات النقوش البارزة، وعن تلك التي تم نحت تماثيل بها.

إذًا، كيف تتم عملية التحنيط؟

كان يتم استخراج جميع أحشاء المتوفى، ووضعه في إناء على حدة، ويتم وضع المواد المناسبة لعملية تحنيطها، داخل ما يسمى بالأواني «الكانوبية»، وهي عبارة عن أريعة أواني، أحدهم يستخدم في تحنيط المعدة والأمعاء، والآخر في الكبد، والثالث للبنكرياس، والرابع للطحال.

ماذا المواد التي تم اكتشافها؟

كشفت الأبحاث أن من بين مواد التحنيط مادة تسمى «عينت يو»، وهي عبارة عن المر مع لبان الدكر مع البخور، فضلًا عن التوصل إلى أن تلك المواد تم استيرادها من خارج مصر -آنذاك- لاسيَّما دول جنوب شرق آسيا، وبعضها من دول حوض البحر المتوسط والآخر تم جلبه من الغابات الممطرة في غرب أفريقيا في المناطق الاستوائية.

إذًا هل يمكننا القول أن نتائج تلك التحاليل ستقودنا إلى اكتشاف سر التحنيط؟

بالطبع، لأنها ستقودنا إلى المزيد من المعلومات، وإن كانت المشكلة القائمة الآن التي قد تؤخر اكتشاف سر التحنيط بالكامل، النسب المستخدمة في عملية التحنيط، ولكن من المؤكد أن اكتشاف طبيعية بعض المواد المستخدمة للتحنيط ستقودنا إلى معرفة سر التحنيط، ربما يستغرق الأمور شهورًا أو بضع سنوات.

هل تفيد تلك الاكتشاف الأثرية في الترويج للسياحة؟

بالطبع، ولطالما طالبنا باستغلال تلك الاكتشافات، في الدعاية والترويج للسياحة، وذلك من خلال إنتاج مواد وثائقية بشأنها.

هل ستجلب تلك الاكتشافات الأثرية السياح لمصر؟

بالطبع لا، لأن السائح لن يأتي من أجل كشف أثري، إلا أنه يمثل أداة للجذب الانتباه إلى الآثار المصرية، ولكن في حالة أتى السائح إلى مصر فور الإعلان أي اكتشاف لن يتمكن من رؤيتها؛ لأنه ممنوع دخول زوار.

كيف يمكننا استغلال تلك الاكتشافات الأثرية في استقطاب السياح؟

أجل يمكننا فعل ذلك، من خلال إيجاد آلية لإتاحة الفرصة أمام السياح للاطلاع على تلك الاكتشاف، في يوم يتم تحديده من قبل الجهة المشرفة على الكشف الأثري الذي يتم العمل به، على أن يتم ذلك من على بُعد 200 أو 300 متر مثلًا، وربما في تلك اللحظات يتم استخراج قطع أثرية جديدة أثناء العمل، وعليه ستكون تجربة مختلفة ونادرة بالنسبة للسائح، والذي بدوره سيكون أداة للترويج داخل بلده.

ما الذي يجذب السائح إذًا، إن لم تكن الاكتشافات الأثرية؟

السائح يحتاج فندق يقدم جيدة، وبرنامج سياحي وترفيهي مميز، يلبي كل احتياجاته؛ خصوصًا وأنه لن يقضي رحلته بأكملها داخل المناطق الأثرية أو المتاحف وحسب، بل إنه يريد الترفيه عن نفسه.

برأيك.. إلى أي مدى تساهم السينما والدراما في الترويج للسياحة؟

السينما والدراما لها دور كبير جدًا في الترويج للسياحة، بالطبع الأفلام بمختلف أنواعها وسيلة للترويج للسياحة، وتعريف العالم بالآثار المصرية المتنوعة، فمثلًا هناك فيلم كارتون أمريكي بعنوان «المومياء»، مدته ساعة وربع، يتحدث عن آثار مصر القديمة، وحقق نسب مشاهدات عالية.

كيف يتم الاستفادة من صناعة الأفلام والمسلسلات للتعريف بالأثار والترويج للسياحة؟

يتم ذلك خلال التصوير في مناطق أثرية وتسليط الضوء على المميزات التي سيحصل عليها السائح عند زيارته لمصر، وتسليط الضوء أيضًا على جميع الأماكن والخدمات الترفيهية التي يمكن أن يستمتع بها السائح، خصوصًا وأن طبيعة كل سائح تختلف باختلاف البلد التي جاء منها.

من وجهة نظرك، هل الأفلام والمسلسلات الحالية تساعد في الترويج للسياحة؟

بكل أسف لا؛ فالسواد الأعظم من الأفلام والمسلسلات، وحتى الفيديو كليب يتم تصويرها داخل ستوديوهات، ولم يفكر أحد في التصوير في مناطق أثرية ولذلك نحن لدنيا مشكلة.

كيف يمكن حل المشكلة؟

من خلال تكاتف جميع الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة السياحة والآثار، فمثلًا عن العثور على أكثر من كشف أثري، يتم وضع خطة للترويج لها، على أن يتم تقسيم الإعلان عنها على مدار أيام وليس الإعلان عنها دفعةَ واحدة.

ويجب أن يتجه صناع الدراما والسينما، إلى التصوير خارج الاستديوهات، والتصوير في المناطق الأثرية، للترويج لما لدنيا من كنوز أثرية.

هل لديك مقترحات أخرى في هذا الشأن؟

يمكن الاستعانة بجميع وسائل الإعلام، واستغلال صناعة الفيديو بدلًا من التصوير الفوتوغرافي للمناطق الأثرية والاكتشافات؛ لأنه لن يكون جاذب بقدر تصوير الفيديو، على أن يتم الإشراف على الأمر من خلال جهة محترفة، تقوم بتدريب شباب الآثاريين المهتمين بالآثار على التصوير خلال دورة تدريبية، ويتم من إنتاج أفلام توثق وتروج للاكتشافات والآثار بمختلف أنواعها.

موضوعات متعلقة