أسامة شرشر يكتب: وماذا بعد مؤتمر المناخ؟!
تساؤلات تدور فى عقل المواطن المصرى والعربى والإفريقى والعالمى: وماذا بعد مؤتمر المناخ الذى تم عقده فى شرم الشيخ، مدينة السلام والأديان؟ والذى أذهل وأبهر الأصدقاء قبل الأعداء فى أنجح مؤتمر حقيقى منذ عُقدت مؤتمرات الأرض بداية من مؤتمر الأرض فى البرازيل 1992، نهاية بمؤتمر جلاسكو فى إنجلترا عام 2021.
وجاء مؤتمر المناخ متعدد الأطراف «كوب 27» بإرادة وتخطيط وعزيمة مصرية 100%، ولعب الشباب المصرى دورًا محوريًا، والذين تحدثوا بكل لغات العالم بأداءٍ ومستوى رفيع وإعداد وتنظيم ليس فيه احتمال لأى خطأ بشرى.. وكأن مصر تتحدث عن نفسها، ووقف العالم مبهورًا بما يجرى فيها، ولِمَ لا؟ فهى بلد الحضارة والآثار، والأزهر الشريف والألف مئذنة، والكنائس والمعابد.. فهى بلد تعايش فيه الجميع بحب وسلام واطمئنان، فالمسلمون فى المساجد والنصارى فى الكنائس واليهود فى المعابد.. فهل بعد هذه الحقوق للإنسان تساؤل حول حقوق الإنسان أو الحيوان؟!.
وفى محاولة يائسة وبائسة لإحدى أدوات وعملاء المخابرات الإنجليزية، حاولوا اختطاف المؤتمر على الطريقة الإخوانية، ولكن هيهات هيهات، فقد فطنت مصر لهذا الكمين المناخى، وتم إفساده وإبطاله فى الحال، لنعطى رسالة قوية للعالم أن مصر آمنة، أمنيًا، ومستقرة شعبية، لأنها فى رباط إلى يوم الدين، فادخلوها يا زوار مؤتمر المناخ سالمين آمنين.
فتساؤل البشر فى كل بلدان العالم: هل الحرب القادمة هى حرب المناخ؟ أم حرب الصورة؟ أم حرب المعلومة؟ أم جميعها معًا؟ هذا هو التساؤل الذى لم يجد إجابة حتى الآن فى مؤتمرات المناخ.. لأن المظاهرات المناخية التى عمت أرجاء البشرية أعطت رسائل قوية (ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء).
فهى ليست عدالة مناخية ولكنها عدوان مناخى متعدد الأركان والجهات من الدول الصناعية الكبرى، وعلى رأسها أمريكا والصين وأوروبا.. فوصل الانبعاث الحرارى فى الصين إلى 24% من الانبعاث الحرارى والاحتباس المناخى وتلوث الجو والأرض وأمريكا 14.2% وأوروبا نفس الوضع 12%.
فهل تعلم سيادة المواطن المصرى وفى كل أرجاء الدنيا أن الانبعاث الحرارى فى مصر لا يتجاوز 1%؟ وفى إفريقيا لا يتجاوز 4%، فالذى يدفع فاتورة الأغنياء المناخية هم فقراء العالم فى مصر والدول النامية والدول العربية والدول الإفريقية تحت بند التصحر والجفاف وقلة المياه وارتفاع درجة الحرارة بأكثر من 1.5 درجة، وظهر مؤخرًا أن مدينة مثل الإسكندرية، التى تم إنشاؤها منذ عصر البطالمة، هى إحدى المدن الرائعة على شاطئ البحر المتوسط، يبلغ نسبة الانبعاث فيها 0.24% فقط، وللأسف الشديد هى مهددة بالغرق والنحر، إذا لم يتوحد العالم فى اعتراف الدول الصناعية الكبرى بمسئوليتها الكاملة عما يجرى على سطح الأرض، وهذا هو بداية العلاج وليس نهايته.
فالالتزامات والتعهدات والتمويلات المطلوبة تتعدى أكثر من 4 تريليونات دولار للقارة الإفريقية التى نُهبت ثرواتها وسُرقت أرضها من أغلى المعادن وقاموا بتصنيعها وإرسال الانبعاث الحرارى للشعب الإفريقى العظيم.. هذا ليس عدوانًا على المناخ فقط ولكنه عدوان على البشر والإنسانية جمعاء، وجاء مؤتمر المناخ ليضع النقاط على الحروف، وكانت مصر تتحدث من خلال رئيسها باسم الدول العربية وإفريقيا جمعاء.
وأعجبنى ما قاله رؤساء الدول الإفريقية من مكاشفة ومصارحة بالحقائق والأرقام، (وتقبل الشعب المصرى، آبى أحمد، ناهب مياه النيل، ولكن ها هى عادة الشعب المصرى، أن يستضيف من يحب ومن لا يحب).
وجاءت كلمة الرئيس السيسى خارج النص فى وضع تحذيرات حقيقية بضرورة إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، التى جاءت فى توقيت أشعل المناخ العالمى، وقطع الغذاء والبترول والطاقة، وأصبح العالم مهددًا بحرب عالمية نووية، وهى لا تقل ضراوة عن الحرب المناخية.. فكان التحذير واضحًا ليؤكد حقيقة سياسية بعيدًا عن الادعاء، أن مصر لاعب حقيقى فى كل الملفات عربيًا وإسلاميًا وإفريقيًا ودوليًا، وهذا نتيجة موقعها الاستثنائى ومواقفها الوسطية، ولا نترك الساحة للمدعين الجدد، وخاصة الكيان الصهيونى الذى هو جزء من أزمة المناخ والإنسان العربى فى الأراضى اللبنانية والفلسطينية والسورية، لأنه يمثل أقصى درجات العدوان العسكرى والمناخى على الإنسان وسط حالة صمت مناخى وصمت دولى.
وكان لأزمة المياه نصيب كبير على هامش هذا المؤتمر، استطاعت فيها مصر أن تجيش علماءها وباحثيها ومفكريها وقواها السياسية الناعمة لوضع العالم أمام هذه الهجمة التترية الإثيوبية على نيل مصر، لأنه يمثل الوجود للشعب المصرى.
ولا ننسى هذا التواجد الأمريكى المتميز جدًا كأنه تظاهرة أمريكية فى شرم الشيخ، جمعت رئيسها ورئيس برلمانها ووزير خارجيتها ومستشارها للأمن القومى وأعضاء من الكونجرس الأمريكى وكثيرًا من الباحثين فى المراكز البحثية ومراكز اتخاذ القرار، لتعود العلاقات المصرية الأمريكية بقوة المناخ ووسطية الدولة المصرية التى تواجه إرهاب الرصاص والأفكار وتصدير الأزمات والحملات الممنهجة مدفوعة الأجر لتصوير مصر- تحت شماعة وعباءة حقوق الإنسان والحيوان- بأنها بلد ليس فيه أمان أو استقرار، وهو عكس الصورة التى رآها الجميع ووسائل الإعلام الأجنبية والتى لو دفعنا مليارات الدولارات لم نكن لنستطيع توصيلها لهم، ولكن وصلتهم الصورة واضحة على أرض الواقع فى مدينة شرم الشيخ المدينة الخضراء التى احتضنت ممثلى 193 دولة و4 آلاف صحفى ومراسل وإعلامى وقناة إخبارية ووسيلة إعلامية وموقع إلكترونى، لأن المؤتمر تم تغطيته لكل بقاع الأرض.
وهذا لا بد من البناء عليه سياسيًا وسياحيًا واقتصاديًا، ولا بد أن ينعكس بشكل مباشر وسريع على المواطن المصرى، نتيجة الاتفاقيات التى وقعتها مصر بمليارات الدولارات، وهذه مسئولية الحكومة فى إنعاش جيوب المصريين لمواجهة المناخ والأسعار والكهرباء والغاز والطعام والشراب؛ لأن البطل الحقيقى فى مؤتمر المناخ هو الإنسان المصرى والإفريقى.
وأقترح... وهذه رسالة إلى رئيس الجمهورية أن يتم إصدار تشريع بقانون بسرعة إنشاء لجنة للمناخ فى مجلس النواب ومجلس الشيوخ لإصدار التشريعات البيئية والمناخية المواكبة لرئاسة مصر لمدة 11 شهرًا القادمة للمؤتمر؛ حتى يتم تسليمها لدولة الإمارات العربية، والتواصل بين هذه اللجان واللجان البرلمانية المناظرة فى برلمانات العالم لمتابعة أحدث التشريعات والمتغيرات المناخية لنكون طبقنا على الأرض جزءًا من الاستراتيجية المناخية لتنعكس هذه التشريعات على التنمية الاقتصادية المستدامة.
فهذه المشروعات ستضخ مليارات الدولارات فى المشاريع الخضراء والهيدروجين الأخضر والبيئة النظيفة، لأنه ما أحوج الإنسان المصرى إلى وقود من المناخ لكى يواجه بها الاحتباس الحرارى الذى يعيش فيه!.
وأقترح أيضًا إنشاء منصة إعلامية مصرية مستمرة تجمع الإعلاميين المتميزين والخبراء وأساتذة الإعلام وأساتذة الجامعات فى علوم البيئة والجيولوجيا؛ حتى يكون هناك (وعى مناخى حقيقى) بدلًا من هذا التردى فى المشهد الإعلامى مصريًا وعربيًا وإفريقيًا، وأن يكون الإعلام التعبوى جزءًا من الإعلام المناخى، الذى سيكون هو مستقبل العالم، فبدلًا من أن تكون هذه (الأبواق الإعلامية الضالة) عبئًا على المناخ وعلى المواطن وعلى القيادة السياسية تكون عونًا للبشرية، وهذه أسمى حقوق الإنسان التى يتشدقون بها.
حفظ الله مصر
بشعبها وجيشها وأزهرها وكنائسها وعلمائها.
وتحيا مصر
وتحيا إفريقيا
ويحيا مؤتمر المناخ فى شرم الشيخ.