النهار
السبت 21 سبتمبر 2024 12:29 مـ 18 ربيع أول 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

تقارير ومتابعات

عروس البحر المتوسط ضحية الانفلات الأمنى

الإسكندرية الملقبة  باسم عروس البحر الأبيض المتوسط، هى ثانى أكبر محافظات مصر بعد مدينة القاهرة، وتعتبر العاصمة الثانية لمصر، وقد اشتهرت محافظة الإسكندرية بكثرة المعالم السياحية والمناطق الاثرية بها، والتى يأتى اليها العديد من السائحين من جميع انحاء العالم للتعرف عليها وزيارتها، وفى السنوات الأخيرة  تواجه هذة المناطق الاثرية والمعالم السياحية مظاهر الاهمال والعبث وعدم الاهتمام بها ، حيث ان مسلسل  الاهمال لم يصب المناطق العشوائية فقط بل  امتد الى المناطق  السياحية والتى تعانى من التجاهل والتشويه عن طريق وضع الحواجز اوالقاء القمامة بها استغلالاً لحالة الانفلات الامنى وقلة الحراسة عليها ما جعل العديد من الأشخاص يقومون بالاستيلاء عليها والعبث بها.. لذلك قمنا بعمل جولة داخل  هذه المناطق لرصد جميع مظاهر الاهمال التى تشهدها هذه المناطق  بداية من منطقة كرموز، حيث يوجد هناك عمود السوارى وهو اعلى نصب تذكارى فى العالم وهو عبارة عن عمود من الرخام الوردى، كما أنه يعتبر من اهم المناطق الاثرية بالاسكندرية وعلى الرغم من ذلك فإن هذه المنطقة تشهد بعض مظاهر الاهمال التى يجب ألا تكون هناك «مثل وجود موقف للسيارات الاجرة امام مبنى عمود السوارى وكثرة القمامة».

الانفلات الأمنى

وبسؤال احد مسئولى الاثار بمنطقة عمود السوارى، أكد أن هناك  عددا من مظاهر الاهمال التى تشهدها المنطقة، وبالرغم من كونها منطقة سياحية، فإن الانفلات الامنى يعتبر من اهم  العوامل التى ساعدت فى انتشار ظاهرة الاهمال، حيث تسبب ذلك فى وجود صعوبة فى إدخال أفواج السائحين او ايقاف الاتوبيسات السياحية،  وذلك لعدم وجود ضابط امن وحراسة خاصة لحماية المنطقة، نتج عن  ذلك قيام السائقين  بالسيطرة على المنطقة وإقامة موقف خاص بالسيارات الاجرة أمام المنطقة الاثرية، مما ادى  لتشويه المنظر العام، بالإضافة الى ذلك قيام بعض الاشخاص بالقفز من على الأسوار الخاصة بعمود السوارى، وذلك لتهديد السائحين وسرقة متعلقاتهم، وقيام سكان المنطقة، خاصة اصحاب المساكن القريبة من العمود بإلقاء القمامة على السائحين  داخل المنطقة الأثريه، وأيضا قيام بعض المسجلين والبلطجية بسرقة كشافات النور الموجودة على الاسوار   الخاصة بعمود السوارى،   لذلك قمنا بتقديم عدد من الشكاوى  لرئيس الحى وللجهات المختصة، وايضا لشركه فيولا للنظافة، حتى يتم ايجاد حل  لكل  هذه المشاكل، ولكن دون جدوى ولم تتم الاستجابة حتى الآن .

مقابر الأنفوشى

ومن منطقة عمود السوارى الى مقابر الأنفوشى  فى هذه المنطقة وجدت  بعض مظاهر الاهمال التى تم التعرف عليها من خلال  أمنية حسن  مفتشة الآثار الخاصة بالمنطقة، فقد أكدت  ان هناك عدداً من المشاكل التى تواجه هذه المقابر،  أولاها قرب هذه المنطقة من البحر، مما ادى الى تسرب المياه الجوفية وانتشارها ببعض المقابر الموجودة بها، حيث إنه تم غلق المقبرة رقم 5،  بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية بها، وقد تقدم المسئولون بشكوى للتخلص من هذه المياه منذ فترة، وبناء على ذلك قامت بعثة فرنسية بشفط المياه الموجودة فى المقابر، ولكن دون جدوى، فقد رفضت هيئة الآثار المساعدة الفرنسية، مما أدى الى  ارتفاع المياه داخل المقبرة  مره اخرى، وقد نتج عن ذلك  غلق  بعض المقابر، وأيضا وجود هذه المقابر وسط منطقة سكنية  وبالقرب من الأكاديمية البحرية،  مما ادى الى قيام  الكثير من الاشخاص  بركن السيارات الخاصة بهم بجوار المقابر، وهذا  جعل  صعوبة فى استقبال السائحين.

المتحف الرومانى

أيضا المتحف الرومانى الذى تم إغلاقه من أكثر من عامين، وذلك بغرض ترميمه، ولكن ذلك لم يتم حتى الآن بسبب نقص الموارد المالية بوزارة الآثار، فقد اصبح أشبه بالمنطقة المهجورة، بعد ان كان منطقة أثرية يأتى اليها السائحون من جميع انحاء العالم، وأيضا عدم وجود حراسة عليه، مما يجعله عرضة للسرقة.

وبسؤال الدكتورة سهير، أمين مدير عام المتاحف بالإسكندرية، أكدت ان قطاع السياحة من أكثر القطاعات التى تعرضت للعديد من الأضرار، خاصة بعد ثورة 25 يناير وذلك بسبب نقص وتقلص أعداد السياح، مما أدى الى انخفاض واضح فى الموارد  المادية بوزارة الآثار،  موضحة ان هذه الوزارة  هى الوزارة الوحيدة التى تخدم نفسها بالجهود الذاتية وبمواردها الخاصة، وذلك تسبب فى إيقاف العمل بالمتحف الرومانى.

سوق الجمعة

ومن مقابر الأنفوشى الى منطقة  سوق  الجمعة، حيث تم اكتشاف عدد من الممرات والمقابر التى لم تلق اهتماما  من هيئة الآثار، فقد تحولت الى   مكان  مهجور  لإلقاء القمامة، وهذا ما حدث فى  شارع 47 بجوار الكوبرى القديم تقاطع  سوق الغلال، فقد تم  اكتشاف  عدد من الممرات الأثريه  منذ 30 عاما، وقد خضعت المنطقة لهيئة الآثار، وفى بداية اكتشافها تم تعيين حارس عليها للاهتمام بها، ولكن مع مرور الوقت  تم إهمالها،  وقد تم إغلاق الفتحات الخاصة بها بأكوام القمامة،  ولم يهتم المسئولون بذلك، ولكن كل ما تقوم به هيئة الآثار  هو إزالة هذه القمامة وتنظيفها  على فترات «كل 3 سنوات»، وأيضا هدم السور الخاص بهذه المنطقة، مما جعلها  ملجأ لمدمنى المخدرات والبلطجية .

مظاهر الإهمال

هذا ومن جانبها أشارت الدكتورة منى عبد الغنى على، أستاذة الآثار بجامعة الإسكندرية، الامين العام لجمعية الآثار، إلى ان هناك العديد من مظاهر الإهمال التى شهدتها بعض المناطق فى محافظة الإسكندرية،  خاصة منطقة عمود السوارى، فقد تم ترميمه منذ عدة سنوات على اعتبار انه من اهم المعالم السياحية الموجودة بالإسكندرية،  فى حين أن هناك عددا من الأعمدة الموجودة بنفس المنطقة، والتى لم يتم ترميمها او الاهتمام بها، وأيضا مشكلة ارتفاع منسوب المياه الجوفية داخل مقابر الانفوشى ستؤدى  الى تآكل  مادة «الفرسكو» أى الرسومات الملونة الموجودة على الجدران، وهذا يجعلها عرضة للاختفاء، أيضا ارتفاع منسوب المياه بمقابر الشاطبى مما قد يتسبب فى انهيارها واختفائها بشكل كامل، وهذا ما نسعى إلى معالجته، لأن هذه المقابر تعتبر من اهم المقابر فى تاريخ مصر القديمة، وذلك لان الرسوم التى تظهر على جدران هذه المقابر ترجع الى القرن الـ13 قبل الميلاد،  اى قبل الرسم على بعض المدن الأخرى.

معوقات وصعوبات

أيضا هناك بعض المشاكل التى تواجه هذه المناطق، كصعوبة  الوصول إلى بعض المواقع بسبب بعض المعوقات الديموغرافية أو الطبيعية وعدم وجود مواصلات سهلة، كما ان الطرق المؤدية الى هذه المناطق مزدحمة بالباعة الجائلين وأكوام القمامة  التى تعتبر عاملا من عوامل تشويه المنظر الحضارى، لذلك يجب على جميع المسئولين عمل حملة والسعى لجمع التبرعات وايجاد اعتمادات  لإنقاذ آثار الإسكندرية المعرضة للخطر، أيضا إعداد نشرات جيدة للمواقع الأثرية لزيارتها و تعريف الناس بها وإظهارها بشكل أكثر تشويقا وتمهيد الطرق المؤدية لهذه الاماكن، وذلك بالاتفاق مع الجهات المسئولة كالمحافظة والاحياء، وايضا السعى لضم أرض المحافظة القديمة للمتحف الرومانى حتى يتم توسيعه وافتتاحه مرة اخرى، مما  أكدت  منى أهمية الحفاظ على المواقع الأثرية والحفريات، خاصةً المواقع المهملة وغير المعروفة.

عشوائيات عروس المتوسط أكثر من 30 منطقة

تعانى محافظة الإسكندرية كمعظم محافظات مصر من انتشار العشوائيات، وقد رصد تقرير رسمى وجود عشر مناطق غير آمنة بعروس البحر المتوسط،  حيث كشف تقرير رسمى صدر عن صندوق تطوير المناطق العشوائية التابع لرئاسة مجلس الوزراء المشكل وفقاً للقرار الجمهورى رقم 305 لسنة 2008، الخاص بحصر المناطق العشوائية وتطويرها وتنميتها ووضع الخطة اللازمة لتخطيطها عمرانيا وإمدادها بالمرافق الأساسية من مياه وصرف صحى وكهرباء، عن وجود 10 مناطق سكنية غير آمنة فى الإسكندرية، فيما شكك خبراء فى مجال العمل الأهلى بالمحافظة، فى صحة الرقم، مؤكدين أن عدد العشوائيات يتعدى  ذلك بثلاثة اضعاف الرقم،  ويقول العاملون فى مجال العمل الأهلى بالإسكندرية أن الحكومة لا ترغب فى ذكر العدد الصحيح للمناطق العشوائية خوفاً من تزايد الانتقادات ضدها أو المطالب الشعبية لها بتطويرها، على الرغم من أن هذا الأمر يقع ضمن مسئولياتها تجاه المواطنين، طبقاً لنص القانون والدستور وتوفير حياة آدمية لمواطنيها.

خطورة العشوائيات فى الإسكندرية كما فى غيرها بحسب الخبراء، ترجع لأنها تفرز جميع المشكلات التى يعانى منها المجتمع بأسره من تزايد معدلات الجريمة والفقر وانتشار ظاهرة المخدرات والتسرب من التعليم وأطفال الشوارع. وقال إن المناطق العشوائية فى الإسكندرية يقطنها قرابة 40% من التعداد السكانى الإجمالى للمحافظة.

وقد يطرح السؤال نفسه لماذا لا يتم تطوير هذه العشوائيات؟

والإجابة ببساطة هى لأن تطوير  هذه العشوائيات وتوفير مساكن بديلة لسكانها يستلزم المليارات من الجنيهات لتهجير المواطنين الموجودين فى العشوائيات وتوفير بدائل سكنية لهم فى بلد وضعه الاقتصادى الحالى معلوم للجميع.

وثمة اتفاق على ان الحكومة لن تتمكن من حل أزمة العشوائيات بالطرق التقليدية، بل يتطلب الأمر رؤى جديدة ومشاركة أوسع من جانب المجتمع المدنى ورجال الاعمال، خاصة أنها مناطق معروفة.

ففى دراسة لإحدى الجمعيات الأهلية فإن الاسكندرية بها أكثر من 33 منطقة عشوائية، منها «6» مناطق فى حى غرب، وهى: نجع العرب ومأوى الصيادين والطوبجية ووابور الجاز وحرم السكة الحديد وكوم الملح، و«8» فى حى العامرية هى: الدخيلة الجبلية وزاوية عبدالقادر والعامرية القديمة والدريسة وعلام وغرب الهانوفيل ومستعمرة الجزام ومرغم ونجع عبدالروان وقبلى كينج مريوط، ومنطقتان فى حى وسط هما: نادى الصيد والحضرة الجديدة وتوابعهما، وفى حى شرق هناك «5» مناطق عشوائية هى: المطار وتوابعها وجنايوتى وتوابعها وسكينة وتوابعها والظاهرية والمحروسة ودنا، وفى حى المنتزه توجد «9» مناطق هى: خورشيد وتوابعها و«المهاجرين» وتوابعها ومحسن الكبرى والعمراوى وسيدى بشر قبلى والعصافرة قبلى والمندرة قبلى والحرمين والمعمورة البلد.

وليست كل المناطق العشوائية سواء،  فهناك مناطق تحتاج إلى التهذيب وإحلال شبكات المياه والإنارة، منها مناطق فى قسم العامرية، وأيضاً فى حى الجمرك ومنها عزب الدخيلة وزاوية عبدالقادر والعامرية القديمة ومرغم والذراع البحرى ومنطقة الهوارية وبرج العرب.

بينما تكمن خطورة هذه العشوائيات إذا لم تسارع الدولة فى حله  فى كونها  معملاً لتفريخ المنحرفين والمدمنين.