النهار
الجمعة 20 سبتمبر 2024 03:15 صـ 17 ربيع أول 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

مقالات

الجماعة تلقى بأنصارها إلى التهلكة

قد لا تكون جماعة الإخوان تؤمن كثيرا بفكرة الوطنية المصرية، وقد لا يشغلها كثيرا أن تندلع حرب أهلية فى البلاد. والمؤكد أنها تسعى لتدمير الاقتصاد القومى بشتى الطرق، ظنا أن ذلك يعيدها للحكم. لكن المفترض والمتوقع والطبيعى أن تكترث لسلامة أعضائها وأنصارها، وبالتالى وجب عليها أن تتوقف عن إرسالهم إلى التهلكة وألا تستخدمهم وقودا فى معركتها الإعلامية الموجهة للخارج.

بغض النظر عن توصيفنا لما حدث فى ٣٠ يونيو وهل هو ثورة أم انقلاب أم موجة ثانية أم حركة تصحيح، فإن موازين القوى الحالية تشير إلى أن الجيش والشرطة وغالبية مؤسسات المجتمع وغالبية المواطنين لن يتقبلوا عودة الإخوان للحكم فى الوقت الراهن. وفى المقابل تصر الجماعة على السير فى طريق المواجهة الميدانية الشاملة. ولا تريد أن تعترف بأخطائها السياسية الكارثية ثم تعتذر للناس وتعيد تقييم تجربتها فربما يمكنها العودة بصورة صحيحة فى وقت ما.

من الواضح أن الذين يخططون ويتخذون القرارات داخل الجماعة يروجون فى أوساط أنصارهم بأن ميزان القوى يميل لصالحهم وبما أن الوقائع على الأرض تقول غير ذلك فأغلب الظن أن هؤلاء القادة صاروا يستخدمون الشباب والأنصار المغرر بهم حطبا فى حريق كبير يظنون أنه سينير طريق عودتهم للحكم.

لا أحد يعرف على وجه اليقين كيفية اتخاذ القرار داخل الجماعة الآن وسواء كان يتخذه القادة الموجودون بالسجن أو الموجودون فى الخارج خصوصا لندن واسطنبول والدوحة أو حتى يتخذه قادة ميدانيون جدد يعملون يطريقة لا مركزية.

فالمؤكد أن الذى يدفع الثمن الأكبر هم أولئك الشباب الصغار الذين يعتقدون أن ساعة الصفر قد اقتربت لأنهم يصدقون بيانات قادتهم، إضافة بالطبع إلى استقرار المجتمع ككل.

عندما تطلب الجماعة والتحالف الذى يتحدث باسمها من أنصارها الاستمرار فى النزول للشوارع بالمخالفة القانون ــ حتى لو كان قانون التظاهر لا يعجب معظمنا ــ وعندما تقول لأنصارها أن يتصدوا للشرطة وعندما يفتى أحد الشيوخ المقربين منها بحرق سيارات الشرطة والجيش. وعندما يقول أحد أبرز قادة الشباب المحسوبين عليها بأنه حزين وزعلان لأنه لم يقتل جنود الشرطة العسكرية فى كمين مسطرد بيديه. عندما يحدث كل ذلك، فإن الجماعة ترسل بالشباب الصغير إلى التهلكة.

بطبيعة الحال تتحمل أجهزة الأمن أى خروج على القانون أو عدم تطبيق قواعد فض الاشتباك خلال المظاهرات لكن لو افترضنا أن هناك سوء نية وتربصا من أجهزة الأمن بالإخوان فإن الجماعة توفر بقرارات قادتها العشوائية أفضل ذريعة لهذه الأجهزة.

وعندما تطلب الجماعة من طلابها تعطيل الدراسة وتخريب المنشآت واقتحام مكاتب عمداء الكليات وتدميرها فعليها أن تتوقع رد فعل شديد ليس فقط من الشرطة بل من كل المجتمع الذى يطلب من الحكومة اتخاذ إجراءات فاشية بحق بعض أبنائه.

تعتقد الجماعة أن استمرار العنف مهما كان الثمن شئ مهم لكى يستمر اهتمام الخارج. هذا الخارج يريد شيئين مهمين ليستمر فى مساندة الجماعة، الأول صور تليفزيونية لمظاهرات دورية مصحوبة باشتباكات قدر الامكان. والثانى دماء لمصابين أو قتلى. هذان الشيئان يوفران للجماعة أيضا تعزيز فكرة المظلومية التاريخية والمحنة التى توفر بدورها تعزيز تماسك الجماعة ومنع تفككها بفعل أخطائها القاتلة.

وفى سبيل تحقيق ذلك، لا مانع من التضحية بدماء البسطاء سواء كانوا مستأجرين مقابل المال أو من أبناء الجماعة. لكن السؤال الجوهرى هو: إلى متى يمكن للجماعة أن تستمر فى هذا الأمر؟.