اللواء رأفت الشرقاوي: الضربة الإسرائيلية قضت على الأمل الأخير لمئات الأزواج الفلسطينيين
أشار اللواء رأفت الشرقاوي مساعد وزير الداخلية السابق للأمن العام إلى ضربة إسرائيلية واحدة تقضي على 5 آلاف من أجنة أطفال الأنابيب في غزة، عندما أصابت قذيفة إسرائيلية أكبر مركز للخصوبة في قطاع أدى الانفجار إلى نزع الأغطية عن 5 خزانات تحتوي على النيتروجين السائل كانت في زاوية من وحدة الأجنة ، وعندما تبخر السائل بالغ البرودة ارتفعت درجة الحرارة داخل الخزانات وقُضي بذلك على أكثر من 4 آلاف من أجنة الأنابيب ، إضافة إلى ألف عينة أخرى لحيوانات منوية وبويضات غير مخصبة كانت هي الأخرى مخزنة في مركز البسمة للإخصاب وأطفال الأنابيب ، فلقد كان تأثير ذلك الانفجار الواحد بالغا، ويعد مثالا على الخسائر غير المرئية للعدوان الإسرائيلي المتواصل منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ على قطاع غزة الذي يقطنه ما يقرب 2.3 مليون نسمة. وكانت الأجنة التي في تلك الخزانات بمثابة الأمل الأخير لمئات الأزواج الفلسطينيين ممن يواجهون مشكلات في الخصوبة.
ولفت إلى حديث الدكتور بهاء الدين الغلاييني (73 عاما) استشاري أمراض النساء والتوليد الذي تلقى تدريبا في كامبريدج وأسس مركز البسمة في 1997 "نعلم بكل جوارحنا ماذا كانت تعنيه الـ5 آلاف حياة تلك، أو الحياة التي كانت محتملة، للآباء والأمهات.. في المستقبل وفي الماضي" ، وأضاف أن نصف الأزواج على الأقل لن تكون لديهم فرصة أخرى للإنجاب إذ لم تعد لديهم القدرة على إنتاج حيوانات منوية أو بويضات قابلة للتلقيح.
وقال وهو يصف شعوره بما جرى "قلبي محطم إلى مليون قطعة" بالنسبة لصبا جعفراوي، فقد كان الخضوع لعلاج خصوبة لمدة 3 سنوات رحلة نفسية صعبة. عملية استخراج بويضات من مبيضيها كانت مؤلمة وكان لحقن الهرمونات آثار جانبية قوية كما بدا الأسى على فشل محاولتين للحمل عصيا على الاحتمال،ولم تتمكن صبا (32 عاما) وزوجها من الإنجاب بصورة طبيعية، وهذا ما دفعهما للجوء للتلقيح الصناعي المتاح على نطاق واسع في قطاع غزة.
وأوضح: تجري 9 عيادات على الأقل في غزة عمليات التلقيح الصناعي التي تُجمع فيها البويضات من مبيض المرأة وتخصب بالحيوانات المنوية للزوج في المختبر ، وغالبا ما تُجمد البويضات المخصبة، التي تسمى أجنة، حتى يحين الوقت الأمثل لنقلها إلى رحم المرأة، وتُخّزن معظم الأجنة المجمدة في غزة في مركز البسمة ، وحملت صبا من أول محاولة ناجحة للتلقيح الصناعي. وقالت "بدأت 7 أكتوبر.. ما لحقت أفرح على الخبر" ،وأصاب صبا القلق وتساءلت عما سيحدث للحمل والجنين. ولم تجر صبا الفحص بالموجات الفوق الصوتية مطلقا، إذ أغلق الغلاييني عيادته حيث تم تخزين 5 أجنة أخرى لصبا.
واستكمل: ومع اشتداد الهجمات الإسرائيلية، بدأ محمد عجور، كبير أطباء الأجنة في المركز، يشعر بالقلق بشأن مستويات النيتروجين السائل في مخازن الأجنة الـ5. ويجب إعادة تعبئة الخزانات بالنيتروجين كل شهر تقريبا للحفاظ على درجة الحرارة دون 180 تحت الصفر في كل خزان، والتي تعمل دون الاعتماد على الكهرباء.
كما تمكن عجور بعد اندلاع الحرب من شراء دفعة واحدة من النيتروجين السائل، لكن إسرائيل قطعت الكهرباء والوقود عن غزة وتوقف معظم الموردين عن العمل.وتوغلت الدبابات الإسرائيلية في غزة بنهاية أكتوبر تشرين الأول وأغلق الجنود الشوارع المحيطة بمركز التلقيح الصناعي، وبالتالي باتت هناك خطورة شديدة على عجور من فحص الخزانات.
وأدركت صبا أنها يجب أن ترتاح لتحافظ على سلامة حملها الهش، لكن المخاطر كانت في كل مكان فصعدت 6 مجموعات من السلالم لتصل إلى شقتها لأن المصعد توقف عن العمل، وسوت قنبلة المبنى المجاور بالأرض وحطمت نوافذ شقتها، وأصبح الطعام والماء نادرين. وبدلا من الراحة، شعرت صبا بالقلق والخوف الشديد وقالت إنه كانت هناك علامات على أنها ستفقد الحمل. ونزفت صبا قليلا بعدما غادرت هي وزوجها منزلهما وانتقلا جنوبا إلى خان يونس وهدأ النزيف لكن خوفها لم يهدأ.
وفي القاهرة، أظهر أول فحص بالموجات الفوق الصوتية حملها بتوأم وأنهما على قيد الحياة لكن بعد بضعة أيام، شعرت صبا جعفراوي بتقلصات مؤلمة ثم نزيف وتحول مفاجئ في بطنها. وصلت إلى المستشفى، لكن حالة الإجهاض كانت قد بدأت بالفعل.
وقالت "لحتى الآن أنا صوت صراخي في المستشفى وصوت عياطي لحد الآن في وداني". وأضافت "قد ما تتخيلوا وقد ما أقولكو إن رحلة (التلقيح الصناعي) صعبة، ما حدا بيحس في هذه الرحلة إلا إذا الست مجربة"، وأرادت صبا العودة إلى منطقة الحرب واستعادة أجنتها المجمدة ومحاولة التلقيح الصناعي من جديد، لكن الأوان فات.
وقال الغلاييني إن قذيفة إسرائيلية واحدة أصابت زاوية المركز وفجرت مختبر الأجنة في الطابق الأرضي ولا يعرف إن كان الهجوم استهدف المختبر عن عمد أم لا.
وأضاف "كل هذه الأرواح قُتلت أو أُزهقت. 5 آلاف روح في قذيفة واحدة"
ووفقا لصحفي مفوض من رويترز زار الموقع، كان مختبر الأجنة لا يزال مليئا بالحطام ومستلزمات المختبر المدمرة. وظهرت خزانات النيتروجين السائل وسط الأنقاض وكانت الأغطية مفتوحة، وظهرت في قاع أحد الخزانات سلة مملوءة بقصبات صغيرة ملونة بحسب رمزها تحتوي على الأجنة المدمرة.
قضت الضربة الإسرائيلية على الأمل الأخير لمئات الأزواج الفلسطينيين ممن يواجهون مشكلات في الخصوبة يقول اختصاصي الحقن المجهري زكريا الشرفا "هذه الضربة العسكرية دمرت أجهزة المركز الطبي، وبسببها لن تتمكن 120 ألف عائلة من الإنجاب بعد ذلك، إذ لم تعد لديهم القدرة على إنتاج حيوانات منوية أو بويضات قابلة للتلقيح".
ويضيف: "منذ اندلاع الحرب على غزة حطمت إسرائيل آمال كثير من العائلات، وقطعت الخيط الذي تبني عليه أحلامها بالإنجاب، هناك قصص مؤلمة لأزواج كانوا يحلمون بالأطفال، لكن قذيفة واحدة سلبتهم ذلك الأمل، بينهم أسر تنتظر الإنجاب منذ 30 سنة، وحلمهم الآن لن يتحقق بعد أن كان هناك بصيص نور في نهاية الطريق".