”أبوتليح ” رداً على ريهام عياد بعد حديثها عن الصوفية.. من ظلم الإنسان لنفسه حديثه بما لم يحط به علما
أثار فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الإجتماعي جدلاً واسعاً بعدما عرضت خلاله صانعة المحتوى ريهام عياد، حلقة لها من برنامجها "القصة ومافيها" تناولت خلالها الحديث عن « الصوفية »بالتزامن مع الإحتفال بمولد "السيد أحمد البدوي" والتي قد خصصت عنه حلقة العام الماضي، ولما كان شعار النهار " منحازون .. للحقيقة فقط" ولتوضيح الصورة بمنهجية توجهنا إلى أحد أهل الاختصاص والتخصص الشيخ محمد رجب أبوتليح، من علماء الأوقاف، لتفنيد ما تم عرضه خلال الحلقة بصورة مبسطة لإستجلاء الحقيقة، بعيداً عن هوس التريند الذي بات دافعاً ومحركاً للكثر، فجاءنا رد أبوتليح على النحو التالي
القصة وما فيها
القصة وما فيها يا سادة يا كرام إن أسوأ أنواع الظلم هو ظلم الإنسان لنفسه؛ حينما يتدخل فيما لا يعنيه؛ ولا يحيط به علما؛ ويزداد ذلك الظلم خطورة حينما يزداد العجب بالنفس أكثر فأكثر؛ فيقع الإنسان في عين الغضب الذي توعد الله تعالى به المخالفين من عباده؛ فقال في الحديث القدسي: (( من عادى لي وليا آذنته بالحرب))
والقصة وما فيها يا سادة يا كرام أن هناك مقطع فيديو ليوتيوبر تتكلم عن الصوفية ببراعة أذهلتني خلطت فيها بين طرح حقائق؛ وبين إلماحات بالسخرية والاستهزاء؛ فصار الأمر عجبا . فلذلك أردت أن أعرفكم القصة وما فيها؛ أن الموضوع الذي طرح في ذلك الفيديو للأسف لم يتم الإعداد الصحيح له؛ بل كل المعلومات التي فيه لا نستطيع أن نصفها بأنها مادة علمية موثقة؛ بل هي حكاوي من لا يعلم؛ وتتناقلها الناس بدون توثيق؛ وهذا نحذر منه غاية التحذير؛ كما حذرنا منه النبي ﷺ فقال: (( كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع )) وفي رواية: (كذبا) فبالتالي نقول: القصة وما فيها أن أكبر الأخطاء أن نقيس أي منهج وليس التصوف فحسب؛ بكل من يدعي أنه من اتباعه؛ فلربما يكون المدعي منحرفا عن حقيقة هذا المنهج؛ ولذلك قالوا قديما: لا يُعرف الحق بالرجال؛ وإنما يُعرف الرجال بالحق. يعني لا أقيس المنهج بمن يدعيه؛ فلربما ادعاه من ليس من أهله؛ كما قال الشاعر:
وكل يدعي وصلا بليلى * وليلى لا تقر لهم بذاك
وهذا والله واقع بلا إنكار؛ في حال المسلمين اليوم؛ فكم الآن ممن يدعي القيام على منهج الإسلام والالتزام به؛ ولكن هل يا ترى تكون هناك قناعة به لدى المتلقي اليوم؛ حينما يأخذ الإسلام من المسلمين وما صارت إليه أحوالهم؟ لا أظن لكن ما الذي يدفع من يدخل فيه أن يقتنع به ويستمسك؟ . إنه الإسلام ذاته في أصوله وحقيقته؛ ومنهجه؛ كذلك منهج التصوف؛ من رأى حال كثير ممن يدعيه ينفر ولا يقبله شكلا؛ أما من يعرفه حق المعرفة ويدرسه دراسة متجردة من الهوى؛ يجد أنه منهج إسلامي قويم؛ وحقيقة إيمانية عظمى؛ فكل القصة وما فيها أن صاحبة الفيديو قاست التصوف على أفعال من يدعيه؛ وذكرت مثالا لذلك بالرجل الذي كان حديث مواقع التواصل مؤخرا .
والقصة وما فيها أن الإنسان إذا أراد أن ينتقد منهجا فلابد أن يكون لائقا بهذا؛ فمثلا أكون مهيأ شكلا وفكرا لهذا النقد؛ حتى تكون هناك قناعة لدى المتلقي برأيي؛ فلا أنتقد المستقيم وأنا على غير ذلك .
والقصة وما فيها أن المخالف يسمع ولا يتحقق؛ فالتصوف تعددت تعريفاته لكن ليس للاختلاف؛ بل كل تعريف يعبر عن ذوق قائله؛ فمثلا منهم من رآه من الصوف رمز الخشونة؛ فعرفه أنه هو الزهد في الدنيا؛ وفيما أيدي الخلق؛ والاستغناء عنهم؛ والافتقار إلى الحق سبحانه؛ ومنهم من رآه من الصفاء؛ فعرفه أنه صفاء القلب في معاملة الرب سبحانه؛ وأنه أخلاق سامية كريمة؛ وهكذا فالقصة وما فيها أنك تتعرف على المنهج بنفسك وبتحقيق التعرف بالبحث والدراسة؛ وليس بالسمع وتناقل أخبار ممن لا يفهم ولا يعلم .
والقصة وما فيها إن أكبر الخطأ أن يتكلم الإنسان بما لم يعلم؛ فنسبة تقسيم الدين إلى ثلاثة أقسام؛ لم يكن الشيخ/ محمد زكي إبراهيم رضي الله عنه هو أول من قسم هذه الأقسام؛ خدعوك فقالوا لك هذا؛ بل الأمر تقسيم إلهي؛ وكان ذلك بسؤال جبريل عليه السلام عن هذه الدرجات؛ وإقرار نبوي بجواب النبي ﷺ عليه؛ فكان التقسيم إلهيا وتقريرا نبويا؛ بدرجات هذا الدين ومراتبه العلية؛ أراد الله أن يعرف عباده بذلك؛ فأرسل جبريل لسؤال حبيبه ﷺ لنعلم جميعا أن المعاملة مع الله بالبدن وهو مقام الإسلام؛ أعمال بدنية؛ وبصدق القلب مع ربه؛ وهو مقام الإيمان؛ والدرجة الثالثة أعمال الروح وتعلقها ببارئها؛ وعروجها في مدارج أسراره؛ وهو مقام الإحسان .
والقصة وما فيها أن أسلوب عرض القضية هو تأصيل لأفكار تيارين هما وجهان لعملة واحدة؛ التيار التكفيري المتطرف؛ والتيار العلماني؛ وكلاهما لديه أزمة من تأصيل التلقي للعلم والتربية؛ فمصطلح: (الشيخ) عندهم يثير غضبهم؛ سواء كان شيخا في العلم؛ أو شيخا في التربية والسلوك؛ فنظرية أن الشيخ في العلم أو السلوك والتربية ليس له لزوم عندهم أمر ثابت في معتقدهم؛ ولا نحتاج إلى معرفة الله وعبادته إلى شيخ يدلنا عليه؛ فكلنا لديه عقل يهدينا إلى ذلك؛ فهذا كلام ساذج وادعاء لا يسانده الواقع؛ وتأباه الفطرة السليمة؛ فلولا الأستاذ ماعرف الطالب كيف يصل إلى تحقيق المعارف؛ وإدراك العلوم التي تؤهله فكريا وعلميا وسياسيا واجتماعيا؛ وهكذا الحال في التدين والسلوك إلى الله؛ حتى قيل قديما: (لولا المربي ما عرفت ربي) . فمثلا أول شيخ في الإسلام مربيا ومعلما ومسلكا للعباد في طريقهم إلى الله؛ دلهم عليه؛ وعرفهم به؛ هو رسول الله ﷺ؛ والصحابة هم التلامذة والمريدون؛ وهم بدورهم قاموا بتلك المهمة من بعده في تأصيل العلم والمعرفة جنبا إلى جنب في تأصيل الأخلاق؛ التي هي موضوع التصوف؛ وتأصيل منهجية الوصول إلى الله ومعرفته؛ ونقلوا ذلك الميراث لمن بعدهم ؛ حتى وصل إلينا؛ وأظن أن هذا الأمر لا يختلف فيه عاقل؛ فلولا ضوابط العلم والتربية والسلوك التي أصلها رسول الله ﷺ ومن تلقوا عنه؛ تلقي تلميذ عن شيخه؛ وهكذا؛ لفسدت الحياة؛ ولقال من قال؛ ما شاء أن يقول؛ ولكن الواقع لا يقبل ذلك وهذا ما تريده العلمانية الحديثة؛ الانفلات العلمي والعقلي؛ لتكون ثورة التمرد على الثوابت الدينية؛ لا أقول في الإسلام فحسب بل في كل الملل والأديان السماوية؛ ولتصبح كلأ مباحا لكل أحد؛ خلاف أصول المنهجية العلمية والعقلية؛
فالقصة وما فيها نقول لك: نعم المشيخة من أصول التلقي والمعرفة للعلوم؛ بل ومعرفة الله والتدين الصحيح؛ لأننا أمة تميزت بالإسناد في التلقي؛ أول الطريق فيه هو أول شيخ للأمة؛ وهو رسول الله ﷺ؛ وآخر حبات هذا العقد هو الشيخ المتصل السند الذي نتلقى عنه العلم عامة والتربية والسلوك الذي هو التصوف الحق خاصة .
والقصة وما فيها يا سادة أن الهدف هو ضرب الأمة في أعز ما تملك؛ وهو الإسناد في التلقي؛ لينفتح باب الفوضى في كل شيء من العلوم والمعرفة؛ ليتأول من يتأول ما يريد؛ على هواه؛ من نصوص القرآن والسنة؛ بحجة أني أنا أعرف الله بنفسي وعقلي من غير احتياج لأحد؛ فلماذا إذن أرسل الله الرسل وأنزل الكتب؟ أليس هذا هو التأصيل الإلهي في معرفة الله؟! وهو منهج شيخ يتلقى عنه تلامذته؛ وهكذا ينقل التلامذة لتلامذتهم وحي الله وهداه؛ فالحذر الحذر من هذه الدعوات التي قد تستسهلها النفس بقناعة وسهولة؛ لكن أهدافها هدم الثوابت وتحريف الدين.
والقصة وما فيها أنهم يوهمون الناس بتعدد الطرق أنها اختلافات وصراعات من أجل الشهرة أو المصلحة أو الكثرة؛ لكن الحقيقة أن تعددها كان وفق تعدد الطرق إلى الله؛ فهناك من وصل إلى الله بالقرآن؛ ومن وصل إلى الله بالذكر؛ ومن وصل بالصلاة على النبي ﷺ؛ ومن وصل بأسمائه الحسنى؛ وهكذا حسب موافقة حال السالك؛ وهذا أصله تعدد شعب الإسلام؛ فكم من حديث روي فيه أن النبي ﷺ سئل سؤالا واحدا؛ والجواب كان متعددا؛ وهو: دلني على أفضل العمل يا رسول الله؟ فتارة يجيب: (عليك بالصلاة)؛ وتارة (لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله)؛ وتارة (عليك بالصدقة)؛ وتارة (عليك بقيام الليل)؛ وتارة (بر الوالدين)؛ …الخ وهكذا كان الجواب موافقا لحال كل سائل منهم. لكن على أن تعدد هذه الطرق للاختلاف لا؛ بل كلهم متفقون على أصول العبادة والاعتقاد؛ وكذلك المنهج؛ ولكل طريق خاصيته وميزته التي هي من أصول العبادة في الإسلام.
القصة وما فيها يا سادة يا كرام
أنهم يدلسون ويوهمون الناس بأن المريد لا يستطيع أن يأخذ من شيخ غير شيخه؛ وهذا افتراء يكذبه الواقع؛ انظروا مثلا معي إلى كبار العلماء وأكثرهم من الصوفية؛ يؤلفون الكتب في ذكر مشايخهم في العلم ومشايخهم في التربية والسلوك. ونحن نعتقد وندين لله بذلك أن شيخ التربية عبد من عباد الله؛ نحسبه من الصالحين؛ توافقت أرواحنا مع روحه وارتضيناه دليلا لنا في الطريق إلى الله؛ لا نعتقد فيه العصمة؛ فهي لا تكون إلا لساداتنا من الأنبياء والرسل؛ فهو بشر يصيب ويخطئ؛ وأن مقياس اتباعنا له علمنا باستقامته على كتاب الله وسنة رسوله؛ فإن وجدنا غير ذلك فيه فارقناه. فهذا أصل الاتباع ولا نخالفه؛ وكم من فاضل يجمع بين مناهج التصوف والطرق؛ فيجمع في سنده أكثر من طريق؛ فيكون خلوتيا وشاذليا ورفاعيا؛ وهو مع ذلك هواه لواحد منهم؛ ويأخذ الإذن والسند بالبقية للتبرك والمحبة في الله لهؤلاء السادة رضي الله عنهم .
القصة وما فيها أن من الخطأ أن نحصر الطرق في خمسة طرق على أنها أصول الطرق جميعا؛ وهي: الرفاعية والقادرية والأحمدية والدسوقية والشاذلية؛ فالأمر أقدم من هذا ومن هؤلاء السادة رضي الله عنهم؛ فهم أخذوا عمن قبلهم ذلك المنهج؛ الذي وجد على التحقيق حالا ظاهرا في حياة النبي ﷺ؛ من زهده؛ وكرم أخلاقه؛ وحسن عبادته؛ واستقامته …الخ هذه المعاني والأخلاق .
لكن أراد الله لهذه الطرق أن تنتشر ويكثر أتباعها فاشتهرت؛ فظن بعض البسطاء أن التصوف اختراع هؤلاء؛ وأنه ليس له أصل إلا عندهم فقط .
والقصة وما فيها أن المعدين لموضوع الحلقة وقعوا في أخطاء تثبت عدم علمهم بتاريخ ما يتكلمون عنه؛ نسبت مقدمة الموضوع أصل وجود الطرق الشاذلية أنه يرجع إلى تلميذين من تلامذة الإمام الشاذلي؛ كما قالت: إن الشاذلي له تلميذان هما من نشرا الشاذلية؛ هاشم ونسبت إليه الطريقة الهاشمية الشاذلية؛ وحامد ونسبت إليه الحامدية الشاذلية؛ وهذا والله من المضحك المبكي؛ لكمية السطحية وعدم العلم بما يتكلمون به؛ لم نعرف في تلامذة الإمام الشاذلي حامد ولا هاشم؛ كما توهم معدوا ومقدم البرنامج؛ لكن بشغل الفهلوة أخذوا ذلك من اسم الطريقة (الحامدية الشاذلية) فقالوا يبقى الشيخ حامد؛ و(الهاشمية الشاذلية) والحامدية الشاذلية أسسها مولانا الشيخ / سلامة الراضي؛ ونسبها إلى جده القريب سيدي حامد الريدي رضي الله عنه. وأما الهاشمية المدنية الشاذلية فقد أسسها سيدي الشيخ / محمد الهاشمي من المغرب؛ لكن بشغل الفهلوة خدعوك به؛ فقالوا: تلميذين لحسن الشاذلي كما قالوا؛ ولم يكونا من تلامذة الشاذلي مباشرة؛ فبينهما وبين الشاذلي في سند الطريقة العديد من مشايخ الطريق رحمهم الله
وهذا مما يدل على بساطة معارف المعدين والمقدم للموضوع؛ وعدم الإلمام بأصل الموضوع لا تاريخيا ولا علميا؛ والإمام الشاذلي رضي الله عنه توفي سنة ٦٥٦هجرية وكان شيخا لكمل العلماء والأولياء؛ فقد كان من مريديه ومحبيه المرسي أبو العباس؛ وأبو العزائم ماضي؛ وعبد العظيم المنذري المحدث صاحب كتاب (الترغيب والترهيب)؛ وشيخ الإسلام العز بن عبد السلام؛ والكمال بن الهمام؛ الفقيه الكبير وقاضي قضاة مصر؛ وابن الحاجب؛ وابن عصفور …الخ هؤلاء الفضلاء.
والقصة وما فيها أيضا سطحية المعلومات ومما يدل على ذلك أن مقدم الفيديو قالت: إن الرفاعي الموجود في مصر هو الشيخ علي أبو شباك خليفة الشيخ الرفاعي؛ وفاتهم أن الشيخ علي أبو شباك هو حفيد الشيخ أحمد الرفاعي الكبير (1106–1182) مؤسس الطريقة الرفاعية.
والقصة وما فيها أن معدوا ومقدم البرنامج لما تعرضوا للسيد أحمد الرفاعي الكبير رحمه الله؛ وحكت قصته بأنه ذهب إلى النبي ﷺ وقال له: السلام عليك يا جدي. فرد عليه السلام وقال: وعليك السلام يا ولدي. والعجيب أن الناس اللي كانت معاه سمعت صوت النبي ﷺ؛ وكأنها تنكر هذا؛ وهذا ما يدل على الاتجاه العلماني في إنكار هذه الأشياء؛ ونقول بداية: إن كرامات الأولياء أمر خارق للعادة؛ يعني أمر خارج عن المألوف عند الناس؛ وفوق العقل لا يقبله العقل في التفكير العادي؛ والقصة وما فيها أن المروي عن السيد أحمد الرفاعي أنه ذهب لزيارة النبي ﷺ ولما وقف أمام قبره الشريف قال:
روحي في حالة البعد كنت أرسلها ** تقبل الأرض عني وهي نائبتي
وها هي دولة الأشباح قد حضرت ** فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي
فخرجت اليد الشريفة وصافحته وقبلها الرفاعي بمحضر من كثير من العلماء والأولياء؛ سنة ٥٥٥ هجرية .
وقد ألف الإمام السيوطي رحمه الله رسالة سماها: (الشرف المحتم في تقبيل سيدي أحمد الرفاعي ليد النبي ﷺ) رواها من أربعة طرق؛ عن أكثر من عشرين شيخا وصالحا؛ ممن كان حاضرا ومشاهدا لتلك الحادثة.
وهذا أمر يقبله من يؤمن بمعجزات الأنبياء والمرسلين؛ والكرامات للأولياء؛ ولا ينكره إلا الماديون على اختلاف ثقافاتهم؛ وهذا يجوز حدوثه من باب خرق العادة للأولياء؛ وإلا سنكذب بمثل حادثة الإسراء والمعراج؛ والتقاء النبي ﷺ بالأنبياء والمرسلين؛ وقد حدث مثل هذا قديما مع التابعي الجليل سعيد بن المسيب؛ حينما تحدث عن محنة حادثة (الحرة)؛ وتعطيل الصلاة في المسجد النبوي؛ قال: (كنت لا أعلم وقت الصلاة إلا بسماع أذان وإقامة أسمعها من قبر النبي ﷺ).
وسنجد أنفسنا إرضاء للاتجاه المادي العلماني أمام مشكلات تمس عقيدتنا بما يتعلق بالحياة البرزخية؛ وكرامات الأولياء؛ بل ورد كثير من القرآن كالآيات التي وردت فيها كرامات الأولياء؛ كالرزق الذي كانت ترزقه مريم عليها السلام؛ وخبر أصحاب الكهف …الخ وكذلك رد السنة النبوية؛ وقد أخبرنا النبي ﷺ أنه سيحدث مثل هذا في آخر الزمان؛ حينما يأتي سيدنا عيسى عليه السلام إلى قبر النبي ﷺ ويلقي عليه السلام فيما أخرجه أبو يعلى في (مسنده) عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (والذي نفسي بيده لينزلن عيسى ابن مريم، ثم لئن قام على قبري فقال: يا محمد، لأجيبنه).
وما أخرجه ابن عساكر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: (ليهبطن الله عيسى ابن مريم حكما عدلا، وإماما مقسطا، فليسلكن فج الروحاء حاجا أو معتمرا، وليقفن على قبري فليسلمن علي، ولأردن عليه).
والقصة وما فيها أن في الفيديو ايحاء غريب واستهزاء بما حدث من الإمام أحمد الرفاعي من خروج السمك إليه مشوي ومقلي؛ كما ذكروا من كلام يحمل في طياته السخرية والاستهزاء؛ ويا ليته كان حقا؛ بل إننا لم نقف على صدق ما رووا في هذا الفيديو؛ بل ما روي من كرامته: إنه كان ونفر من أصحابه قد اصطادوا سمكا فأنضجوه وأكلوه؛ فقال لهم: اجمعوا عظامها؛ فجمعوه فوضع يده عليه وذكر الله فرجعت الأسماك حية وعادت إلى النهر. وهذا مما لا ينكره أهل الإيمان لأنه جائز الوقوع كرامة للأولياء؛ بل إن معدوا البرنامج ومقدمته لو عرض أمامهم فقرة من ساحر مثلا- مع الفارق في التشبيه طبعا - يفعل مثل هذا وأكثر؛ ستجدهم عزيزي القارئ في قمة الإعجاب والاندهاش؛ فيا عجبا يصدقون بالسحر ويقبلونه؛ وينكرون كرامات الأولياء؛ وما ذلك هدفه إلا إسقاط الرموز لهذه الأمة وإفساد معتقدها؛ والطعن في مثل الرفاعي من الصالحين؛ وأدعو القارئ الكريم للاطلاع على آراء العلماء في السيد أحمد الرفاعي؛ بل أدعوك للاطلاع على ما قاله العلماء المتشددون ضد الصوفية؛ ويتخذهم التيار السلفي رموزا وقدوة؛ فقد شهدوا له بالخير والصلاح، قال عنه الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء(21/78): الإمام، القدوة، العابد، الزاهد، شيخ العارفين.
وقال عنه ابن الملقن في (طبقات الأولياء): أستاذ الطائفة المشهورة، كان من حقه التقديم، فإنه أوحد وقته حالا وصلاحا، فقيها شافعيا.
وقالوا عنه: تتلمذَ له خلائقُ لا يُحصون، حتى أنه رضى الله عنه كان مسكنُه بالمشرق، وله أتباع بالمغرب. وعرفه أهلُ العراق بأنه الرفاعي؛ وهو ابن عام، وملأ الأرضَ وهو ابن أربع سنوات، وفاض سرُّه على الخلق وهو ابن سبع سنوات، وأتقنَ علومَ القرآن وأسراره.
وله كراماتُ ظاهرة، وشهرتُه تُغني عن التعريف، ولكن نذكرُ جملةً منها تبرُّكًا، فنقول:
من كراماته قدّس الله سره العالي أنه كان يَمشي إلى المجذوبين والزَّمْنى؛ يغسل ثيابهم، ويحملُ إليهم الطعامَ، ويأكل معهم، ويُجالسهم ويسألهم الدعاء. ويقول: (الزيارةُ لمثلِ هؤلاء واجبةٌ لا مستحبّة).
ومنها: أنه وجدَ كلبًا أجربَا، أخرجه أهلُ أم عَبيدة إلى محلِّ بعيد، فتبعه إلى البرية، وضرب عليه مظلَّة، وصار يطليه بالدهن، ويحكُّ منه الجرب بخرقةٍ، ويُطعمه، ويسقيه، حتى عُوفي، ولمّا برئ صارَ يحملُ له الماء ويغسله؛
والسيد أحمد الرفاعي كان شافعي المذهب؛ أشعري العقيدة؛ وصل إلى درجة الاجتهاد المُطلق؛ كان فقيهاً محدّثاً مُفسّرا؛ وكان أعلم أهل زمانه، وكان يُضرب به المثل في التواضع والانكسار ولين الجانب؛ ورحمة الناس وشفقته عليهم؛ وقد وصفه الإمام الرافعي فقال: كان متمكناً في الدين سهلاً على المسلمين صعباً على الضالين هيّناً ليّناً بشّاً ليّن العريكة (أي سلسلاً)، وكان حسن الخلقِ؛ كريم الخُلُق حلو المكالمة لطيف المعاشرة؛ لا يملّه جليسه؛ ولا ينصرف عن مجالسه إلا لعبادة، حمولاً للأذى (بعض الناس في عصره كانوا يحسدونه ويكيدون له ومنهم من كان يفتري عليه)، وفيّاً إذا عاهد؛ صبوراً على المكاره متواضعاً.
من مؤلفاته: تفسير سورة القدر، والطريق إلى الله، وشرح التنبيه في الفقه….الخ؛ جمع كلامه في رسالة (رحيق الكوثر)
وإن مثل هذه الخرافات التي هي تسخير الثعابين وإخضاعها؛ وضرب الدبوس؛ ووضع السيف على الرقاب وفي البطون ..الخ هذه الأفعال الشيخ منها برئ؛ ونتحدى أي مدعي متهم له؛ أن يأتينا بشيء من هذا في كتبه؛ أو أنه أمر به؛ أو فعله؛ ومثل ذلك (الكفكفية)؛ التي ينسبوها إليه؛ ويزعمون أنه كان يُخضع بها الثعابين وغيرها؛ نقول في هذا تحد آخر؛ فليأتوا عليه ببرهان إن كانوا صادقين؛ من كتب الشيخ وأقواله.
والقصة وما فيها يا سادة أني لا أفتي بغير علم؛ وكثيرا ما كنت أسمع عن (الكفكفية) وأنها من أوراد سيدنا الرفاعي؛ فسألت من أثق به من سالكين طريقته؛ فهم أعلم الناس به؛ غير أنه من المحققين لمنهج الشيخ؛ المتبعين له؛ وهو الشيخ شحاتة الشهير بعبد الرحمن الشاذلي؛ فذكر أنه يبرأ من كل ما ينسب للشيخ من هؤلاء الأدعياء؛ من أنه كان صائدا للثعابين؛ أو كان يفعل ما يفعله الكاذبون ممن يدعون النسبة إليه؛ من استخدام الشعوذة في ضرب السيف في البطون؛ والسيخ في الخدود إلى غيرها.
مع إثباته خضوع الوحوش والأفاعي وغيرها للشيخ كما ذكر عنه مهابة له؛ وهذا أمر جائز من باب كرامات الأولياء؛ لكن ليس كما يزعم أعداؤه؛ ولا من يدعي كذبا الانتساب إليه؛ وقال عن (الكفكفية): أنها ليست من تراث الشيخ رضي الله عنه؛ وإنما هي أبيات موروثة عند الناس منذ أيام سيدنا سليمان عليه السلام؛ وأنها كانت سر العفريت الذي قال له: (أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين) كما ذكر الله في سورة (النمل) الآية (٢٩)
ولما سألته ما هي؟ وما معناها؟ قال: هي قولهم:
كفاك ربك كم يكفيك واكفة ** كفكافها كَكَلِيِلٍ كلّ منك لكَ
تَكِرُّ كَرَّا كَكَرِّ الكَرِّ في كبدي * تحكي مُشَكْشِكةً كانت لك الكَلَكَا
كفاك الكافي كم يكفيك كربته * ياكوكبا كاد يحكي كوكب الفلكا
ومعناها : كأنه يدعو للقاريء بلفظها يقول: أسأل الله يكفيك (الواكفة)؛ وهي في اللغة لها معنى؛ يقال: دمعة واكفة أي حامية شديدة (كفكافها) أي النازل منها يتكفكف (كان منك لك) أي من حزنك وخوفك لك ضر فيك من نفسك وتخوفها (تكر كرا) أي تجلب عليك بجيشها (ككر الكر) كشدة اللقاء لما يعانيه الكبد (تحكي) تشابه تحكي هجمة هذه الواكفة (شكشكة) فيك أيها المخاطب فهي مشكشة مؤلمة يصف حالة ما تلاقيه من خوفك من العوالم التي ترعبك (كانت لك الكلكا) والكلك هو: القلق. (كفاك الكافي كم يكفيك كربته) أي: كربة ما تخاف وتجد (ياكوكبا) بين الخلق في سماء الموجودات؛ يامختار الحق يا إنسان (كاد يحكي) يشابه (كوكب الفلك)أي الجامع لما حوله بسره المودع فيه .
والقصة وما فيها يا سادة أن اسم الامام أبو الحسن الشاذلي نطق بطريقة خاطئة هكذا: أبو حسن الشاذلي. وهذا خطأ يظهر مدى سطحية المعلومات المقدمة لمقدمة البرنامج؛ وكيف يكون الخطأ في اسم الشاذلي الذي يعرفه القاصي والداني؛ والمحب والكاره؛ والصبيان في حداثة سنها في القرى والنجوع وكل أرجاء المعمورة يعرفونه ولا يخطئون في اسمه؛ فيقولون: أبو الحسن الشاذلي. لكن من العجيب أن مقدمة البرنامج كررت الاسم بنفس الخطأ أكثر من مرة وتقول: أبو حسن الشاذلي.
والقصة وما فيها تعمد الاتهام بما ليس في الواقع من اتهام الشاذلية بارتكاب المعاصي والبدع عند قبر شيخهم الشاذلي وضربت مثلا كوضع السيف على الرقبة؛ وإدخال السيخ في الخدود …الخ ما ذكرت؛ فقلت: سبحان الله؛ والله إن هذه المعلومة لمغلوطة بدرجة أنها لا واقع لها يصدقها؛ فلقد شهد المعترض قبل المتبع للشاذلية بالاتباع والقيام على الكتاب والسنة قديما وحديثا؛ ولكن يبدو أن من قدم هذه المعلومات قد ألبس عليه؛ فخلط بين السادة الشاذلية وبين من يقوم بهذه الأفعال ممن يدعي نسبته إلى الرفاعي رضي الله عنه. فاستقيموا يرحمكم الله؛ ولا تتهموا الناس بما ليس فيهم؛ ومن المعروف أن الشاذلية في الطرق اليوم كطريقة الجنيد رضي الله عنه في عهد السلف؛ وأصولها قائمة على الكتاب والسنة؛ كبقية أصول الطرق الأخرى؛ كالرفاعية والقادرية وغيرها. لكن التحريف والابتداع كثيرا يكون ممن يدعي الانتساب إليها ولكنه لم يتحقق بعد بمناهجها وآدابها؛
وهنا أتذكر قول الإمام السيوطي رحمه الله حينما قال: ولقد طالعت كتب وأقوال المشايخ الثلاث؛ الشاذلي وابن عطاء الله وأبي العباس؛ فما وجدت فيها حرفا مشكلا يحتاج إلى تأويل؛ وإني لأقول كما قال سيدي أبو عبد القرشي:
أنا شاذلي ما حييت فإن أمت * فوصيتي للكل أن يتشذلا .