نجوى محمود تكتب: حتما سيسطع القمر
إن من أقسى الأمور على الإنسان ألم الاغتراب فى قلب مكانك، حينما لايصبح شط أمان ، وبين ضفتى زمانك، حينما يغيب من أشرعة ليله ونهاره ظلال الحنان، فالاغتراب داخل النفس هو قطعة من العذاب، أما إن كان الاغتراب بسبب غياب من تحبهم وتعلق بهم القلب، فإنه كل العذاب، إذ أنه فضلًاعن عذابك الذاتى فانت تشعر أيضا بالوحدة حتى وسط الزحام ،أما الاغتراب نتيجة غياب القيم والمثل والأخلاقيات والسلوكيات من حولك ، التى طالما عرفتها واعتدت عليها فهو مصدر أقسى للألم من خارج الذات، لكن يبقى عذاب ثالث أدهى وأمر هو عذاب الأمل في الخروج من الوحدة بقوة الحب ، أو بدافع البقاء فى انتظار "مالايجئ" مهما طال غيابه، لكن دون جدوى، فمن كانوا مثلنا لم يتبق منهم أو لهم سوى لمحات تخفت مع الزمن فى دفتر الذكريات الحبيبة الحميمة.
وسط هذه التداعيات التى شفت ورفت فاجنازت بالروح السحاب ربما بفعل روحانيات الصيام ..، وبعدما أنهيت وِرّْدى اليومى، اتجه نظري الي أرفف مكتبتى وسرعان ما بدأت ابحث في ركن علاقة القلب بالعقل، ومابين وقع نغمات حروف الشعر على أذنى، وإيقاعات موسيقى الشوق داخل نبضى، تساءلت نفسي أين هم هؤلاء الشعراء المحبين ،أولئك الذين كانوا لآهات الغرام منذورين، يجعلون من لهيب أشواقهم زخات الشمس قريبة المدى، ومن ضياء وجدهم يهمى عطر الفجر، فيعانق وجنة الندى، وكأنما العالم من حولنا اختار مقامه عندنا ، ومن عندنا بدا، ثم ابتدى على طول المدى... ياله من طول مدى يبحث فى الأحرف عن عوده النسمات، عن نجوى الروح في همسة النغمات، عن أنين الليل حين تطول بالسهد المسافات ، عن فراغ الحروف من مضمونها فوق الصفحات.. وفجأة طفت على الذاكرة كلمات شاعر محب، للحب أسير، كلمات تشبه النار لكن بملمس النور، تحكى عن عصفور، خدعه الحلم، وأحرقه الأمل، فهبط من عليائه من فوق القمم ، إلى شظايا من مرايا كبلته بالألم.. الله عليك ايها الشاعر.. عندها تصافح القلب والحجر، مازال هناك شعراء على هيئة البشر، فيا أيها القلب الرقيق رفيق السهر، ربما توارت الشمس ..لكن حتما سيسطع القمر.