خاص| مُترجم: من الضروري دعم برامج تدريب المترجمين مادياً ومعنوياً
الترجمة فن وحرفة قبل ان تكون مجرد نقل عابر للكلمات، وبها تستفيد الأمة من المعارف المختلفة في ظل الثورة المعلوماتية الهائلة والتي أتاحت توافد تلك الثقافات إلينا من خلال التبادل المعرفي والثقافي والأجتماعي، لذا فحاولنا معرفة أهم اسباب معوقات الترجمة في مصر، في محاولة للوقوف على الصعوبات التي تواجه المترجمين بكافة طوائفهم، شباب ناشيء ام كانوا اكاديمين محترفين.
حاورنا الكاتب والمترجم الأستاذ محمد عثمان خليفة، المترجم الشاب والذي اثرى المكتبة العربية بما يقارب الخمسون عملاً في مختلف المجالات، كالأعمال الروائية والفلسفية وايضاً الرياضية والسياسية وغيرها..
كمترجم.. لماذا اختيار مجال الترجمة؟
مجال الترجمة الأدبية مميز وذو طابع خاص؛ فهو يمنحني فرصة التعامل مع النصوص الإبداعية، والانغماس في عوالم أدبية متنوعة. كما أن الترجمة الأدبية ليست مجرد نقل الكلمات، بل هي عملية إعادة صياغة للنص بروح اللغة العربية مع الحفاظ على جماليات النص الأصلي وأبعاده الثقافية، فأنا أستغرق في تحليل عميق للنصوص، وبالتالي أطور مهاراتي اللغوية والأدبية. وأنا أعتبر الترجمة صنعة وموهبة، تماماً مثال العمل اليدوي، لكن المادة الخام هنا هي نصوص أدبية مختلفة باختلاف ثقافاتها، وأقوم بتطويعها في قالب عربي أصيل من خلال إتقان أساليب سردية وتعبيرية متنوعة.
ما هي أبرز الصعوبات التي تواجه المترجم؟ (صعوبات النشر وصعوبات شخصية)
يواجه المترجم العديد من التحديات التي تؤثر على جودة العمل والاستقرار المهني، أبرزها صعوبة العثور على ناشر مناسب، خاصة إذا كان العمل غير معروف في السوق العربية، بالإضافة إلى المقابل المالي المنخفض الذي لا يتناسب مع الجهد المبذول. كما يشكل التعامل مع حقوق الملكية الفكرية وتعقيدات الترخيص عقبة إضافية، فضلًا عن ضعف التسويق للأعمال المترجمة مما يحد من انتشارها. والتحديات الأخرى تشمل التدخلات التحريرية التي قد تؤثر على جودة النص، والمنافسة العالية في السوق، وصعوبة نقل الفروق الثقافية وأسلوب الكاتب الأصلي. علاوة على ذلك، يعاني المترجم من ضغوط المواعيد النهائية، والعزلة المهنية، والحاجة المستمرة للتطوير. هذه العوامل تؤثر أيضًا على التوازن بين الحياة المهنية والشخصية والاستقرار المالي. ومن واقع تجربتي، فيمكن التغلب على معظم هذه التحديات بالصبر والتعلم المستمر وتعزيز العلاقات الاجتماعية في الوسط المعني بصناعة النشر والترجمة.
ملف الترجمة في عصر الـ Ai.. هل هي تهديد للصناعة ام مساعد؟
الذكاء الاصطناعي هو سيف ذو حدين للمترجمين. يمكن أن يشكل تهديدًا إذا لم يواكبوا التطورات التقنية، ولكنه أيضًا فرصة لتعزيز قدراتهم وتحسين جودة وكفاءة أعمالهم. بتحويل التحديات إلى فرص، يمكن للمترجمين البقاء ذوي صلة وثيقة في سوق العمل المتغير. وفي الفترة الأخيرة أدركت أن الذكاء الاصطناعي عنصر داعم إلى حد بعيد للمترجمين من خلال توفير أدوات متقدمة مثل برامج الترجمة بمساعدة الكمبيوتر، التي تعزز الكفاءة والدقة. كما يتيح تحسين جودة الترجمة عبر تقنيات تدقيق النصوص وتصحيح الأخطاء النحوية والإملائية، مما يسهم في تحسين الأسلوب العام للنص. إضافة إلى ذلك، يساعد الذكاء الاصطناعي في التعامل مع المصطلحات المتخصصة عبر قواعد بيانات دقيقة، مما يسهل الوصول إلى ترجمات فورية وموثوقة. ولكنه لا يصلح مساعداً لمترجم الأعمال الأدبية، التي تقتضي جوانب إبداعية، وفهمًا عميقًا ودراية ثقافية.
المترجم والنص.. تأثير النص في المترجم (هل يمكن اعتبار المترجم فليسوف؟)
بينما لا يُطلق على المترجم عادة لقب "فيلسوف" بالمعنى التقليدي، إلا أن الدور الذي يقوم به، خاصة في الترجمة الفلسفية والأدبية، يتضمن العديد من العناصر الفلسفية. فالمترجم يتعامل مع الأفكار المعقدة، ويحللها، ويعيد صياغتها، مما يجعله مشاركًا في العملية الفلسفية بشكل أو بآخر. يشترك المترجم مع الفيلسوف في التأمل العميق، البحث عن المعنى، التعامل مع التعقيدات اللغوية والفكرية، والوساطة الثقافية. كما يُظهر جانبًا إبداعيًا في تأويل النصوص وإعادة صياغتها. بذلك، يمكن اعتبار المترجم فيلسوفًا عمليًا يساهم في نقل الأفكار والمفاهيم بوعي وإبداع، جامعًا بين الفهم والتحليل والنقل الثقافي. لذلك، يمكن اعتبار المترجم صاحب دور فلسفي، حيث يجمع بين مهارات اللغة والتفكير النقدي والتحليل الفلسفي، مما يثري عمله ويمنحه عمقًا وتأثيرًا أكبر.
اسباب اختيار المترجم لموضوع ترجماته؟ ولماذا تتصدر الرواية عن الاعمال الفكرية؟
من تجربتي في المجال، أقول بأن اختيار المترجم لموضوع ترجماته يعتمد على مجموعة من العوامل الشخصية والمهنية، علاوة على أولويات سوق النشر. وتتربع الروايات على عرش الترجمة بسبب جاذبيتها الواسعة وسهولة الوصول إليها والنجاح التجاري المحتمل، بينما تتطلب الأعمال الفكرية جهودًا خاصة وترجمة متخصصة قد لا تتوافق دائمًا مع اعتبارات السوق والطلب العام.
يعتبر البعض الترجمة نقص في الإبداع.. محاولة لنقل وتقليد افكار مستوردة من مجتمعات مختلفة، ما رأيك؟
هناك مقولة يعرفها كل من يعمل في "صنعتنا"؛ ألا وهي أن "المترجم بذرة مؤلف لم تنمو بعد". اعلم أن الترجمة عملية إبداعية معقدة تتجاوز مجرد نقل الكلمات. فهي فن يتطلب مهارات لغوية وأدبية وثقافية عالية. فالترجمة لا تنقل الأفكار فحسب، بل تبني جسوراً تربط الثقافات وتوسع آفاق المجتمعات. وبدلاً من اعتبارها نقصًا في الإبداع، يمكن النظر إلى الترجمة على أنها شكل من أشكال الإبداع الذي يساهم في إثراء الثقافة الإنسانية جمعاء. وربما يمكننا إعادة تقييم نظرتنا إلى الترجمة والمترجمين، والاعتراف بالدور الحيوي الذي يلعبونه في عالمنا المتنوع والمتصل. فبدون الترجمة، ستبقى الكثير من الكنوز الأدبية والفكرية حبيسة لغاتها الأصلية، ولن تتمكن البشرية من الاستفادة الكاملة من ثراء تنوعها الثقافي.
هناك أكثر من ترجمة تنشر للعمل الواحد؟ هل هي محاولات أكاديمية أم منافسات تجارية؟ رأيك فى الموضوع
تعدد الترجمات لنفس العمل ينشأ من مزيج من الجهود الأكاديمية والرغبات التجارية. بينما تسعى دور النشر لتحقيق أهدافها التجارية، يقوم المترجمون والأكاديميون بتقديم رؤى جديدة ومختلفة للنصوص، مما يثري المشهد الثقافي. لذلك، أرى أن هذه الظاهرة تحمل فوائد متعددة للقراء والثقافة بشكل عام، وتشجع على التنوع والابتكار في مجال الترجمة. كما أن في ذلك تشجيع للمنافسة بين المترجمين ودور النشر على تحسين جودة الترجمة ودقتها.
قلة الترجمات المختصة، مثل الترجمة السياسية والفنية والرياضية؟
تتضافر عدة عوامل لتفسير قلة الترجمات المختصة في المجالات السياسية والفنية والرياضية، بدءًا من نقص المترجمين المتخصصين وانتهاءً بالتحديات الاقتصادية والثقافية. وللتغلب على هذا النقص، قد يكون من الضروري دعم برامج تدريب المترجمين في هذه المجالات، وتوعية الجمهور والمؤسسات بأهمية هذه الترجمات في تعزيز التفاهم الثقافي والسياسي، وتقديم دعم مالي ومعنوي من قبل الحكومات والمؤسسات لتعزيز جهود الترجمة المتخصصة، مع تعزيز الشراكات مع المؤسسات والمنظمات الدولية لتسهيل عملية الترجمة والنشر.
رأيك في عدم وجود كُتاب رياضيين في مصر؟
أنا لا أجد من يمكن وصفه بهذا الوصف، على النحو المتعارف عليه في بقية دول العالم، سوى الأستاذ حسن المستكاوي، فمقالاته وكتبه تعد مرجعاً للمعنيين بالرياضة المصرية والدولية أيضاً. وعلى الرغم من ذلك، فهناك فرصة كبيرة لتعزيز الثقافة الرياضية الأدبية وإثراء المشهد الثقافي المصري بأعمال تسلط الضوء على الجانب الفكري والتحليلي للرياضة. فالرياضة ليست مجرد منافسات وأحداث، بل هي جزء مهم من الثقافة والمجتمع، وتستحق اهتمامًا أكبر من خلال الكتابة والإبداع.
الترجمة عن نص مترجم للنص الأصلي.. صعوبة وجود مترجمين متخصصين في لغات معينة!
طبعاً، فمن الصعب للغاية العثور على مترجم متمكن من أدواته في اللغات غير المنتشرة، كالهولندية والسويدية والكورية مثلاً. وخلال تعاوني مع دار العربي للنشر والأستاذ شريف بكر كنا نختار العديد من الروايات بلغات أخرى خلاف الإنجليزية، ولكننا كنت نحدد الروايات التي حاز مترجمها إلى الإنجليزية على جائزة أو تقديراً عن ترجمته، حتى نضمن جودة الترجمة إلى أقصى حد ممكن.
تعامل المترجم مع الانتقادات
الانتقادات جزء لا يتجزأ من مسيرة المترجم المهنية. ومن خلال التعامل معها بذكاء واحترافية، يمكن للمترجم تحويلها إلى فرص للتعلم والتطور. الأهم هو الحفاظ على موقف إيجابي والاستمرار في السعي نحو التميز في مجاله. وكل مترجم، مهما بلغت خبرته، يواجه انتقادات، والأساس هو كيفية استفادتك منها لتعزيز مهاراتك وتحسين جودة أعمالك مستقبلاً.
قلة الأعمال الأبداعية الخالصة للعديد من المترجمين؟
بالفعل، هناك قلة في الأعمال الإبداعية الخالصة، مثل الروايات، والقصص القصيرة، والشعر، وغيرها، التي ينتجها العديد من المترجمين. وصراحةً، تشاغلني هذه الفكرة دوماً، وأود أن أكتب عملي الأدبي الخاص، ولكن هناك عوامل تؤثر على تلك القدرة أو الرغبة، منها عوامل شخصية ومهنية واقتصادية. ومع أن الترجمة والكتابة الإبداعية مجالان مرتبطان باللغة لكن لكل منهما متطلباته ومهاراته الخاصة. واختيار المترجم للتخصص في الترجمة وعدم الانخراط في الكتابة الإبداعية هو خيار شخصي يرتبط بأهدافه واهتماماته المهنية. ومع ذلك، هناك مترجمون نجحوا في الجمع بين الترجمة والكتابة الإبداعية، وقدموا أعمالًا أصلية مميزة. الأمر يعتمد في النهاية على رغبة المترجم وقدرته على تخصيص الوقت والجهد لتطوير مهاراته الإبداعية. ومن شأن تشجيع المترجمين على استكشاف قدراتهم الإبداعية وتوفير الدعم والمنصات المناسبة أن يساهم في زيادة إنتاجهم لأعمال إبداعية خالصة.
"أعمال متمردة".. هل هناك نص معين وددت لو ترجمته؟
أرغب دائماً في ترجمة العمل الذي يضيف القيمة إلى المكتبة العربية، ولن أتحدث عن أعمال سبق ترجمتها، فمن المؤكد أن هناك مترجم بذل جهده في تقديمها إلى القارئ العربي. كنت أتمنى ترجمة رواية الكاتب ريتشارد باورز "The Overstory"، لأنها رواية مركبة تربط بين تسع شخصيات مختلفة يجمعها علاقتها الفريدة مع الأشجار والطبيعة، وهي تتناول قضايا بيئية وعمق العلاقة بين الإنسان والطبيعة، أي موضوعات ذات أهمية عالمية.
الترجمة العكسية.. من العربية للغات الأخرى.. لماذا يكاد يختفي هذا النوع من الترجمة في مصر؟
تتداخل عدة عوامل تفسر ندرة الترجمة العكسية من العربية إلى اللغات الأخرى في مصر، بدءًا من نقص المترجمين المؤهلين، مرورًا بالتحديات الاقتصادية وضعف الطلب العالمي، وانتهاءً بغياب الدعم المؤسسي. ولتعزيز الترجمة من العربية كماً ونوعاً، يمكن إنشاء برامج تدريبية لتأهيل مترجمين قادرين على الترجمة بمستوى احترافي، مع توفير تمويل ومبادرات لدعم مشاريع الترجمة نشر الأدب العربي عالميًا. كما يلزم تطوير استراتيجيات لتسويق الأعمال العربية في الأسواق العالمية وزيادة الحضور في المعارض الدولية وبناء شراكات مع دور نشر عالمية لتسهيل عملية نشر الأعمال المترجمة. وعلى المترجم المهتم بالترجمة من العربية أن يفكر في تطوير مهاراته في اللغة المستهدفة، والتعرف على ثقافتها، والبحث عن فرص للتعاون مع مؤسسات ودور نشر في بلادها.