استمرارا لأحتفالات النهار بذكري ثورة يوليو المجيدة واعلان 3 يوليو الاشهر في التاريخ
المفكر السياسي ايمن عبد المجيد يرسم صورة قلمية لثورة يوليو المجيدة التي حررت الوطن من الاستعمار وذيوله
في اطار احتفالات جريدتنا الغراء النهار المصرية بشهر يوليو شهر البطولات والذكريات السعيدة لوطننا الغالي مصر الحبية التي عاشت في يوم الثالث من يوليو 2013 اطلاق سراح الوطن الاسير بعد نجاح ابنائه الشرفاء في استعادته من عصابة الظلام ونفس الشهر الذي استعاد فيه ابناء مصر المخلصين البلد من الاحتلال الانجليزي واعوانه في عام 1952 . يقول الكاتب والمفكر السياسي ايمن عبد المجيد وكيل نقابة الصحفيين ورئيس تحرير بوابة روزاليوسف والكتاب الذهبي وعضو مجلس ادارة مؤسسة روزاليوسف الصحفية انه بين الثالث والعشرين من يوليو 1952، والثالث من يوليو 2013، مسافة زمنية بامتداد 61 عامًا، حقبة تاريخية فارقة في تاريخ الدولة المصرية الحديثة، ستظل تحفز الباحثين والمفكرين على سبر أغوارها، والوقوف على معطياتها، واستيعاب دروسها ونتوقف أمام تلك الأيام الخالدة في تاريخ الأمة، فما جدوى التاريخ قديمه وحديثه، إذا لم نستوعب من الماضي خبراته، لمواجهة الحاضر بتحدياته، أملًا في بلوغ مستقبل أفضل بتوقعاته.
ويبداء عبد المجيد في وصف يوم الثورة المجيدة بأنه استيقظ المصريون صباح الأربعاء 23 من يوليو 1952 على بزوغ فجر الجمهورية الأولى، للدولة المصرية الضاربة بجذورها في عمق التاريخ، مسافة سبعة آلاف عام ويعود تاريخ الدولة المصرية المركزية، إلى العام 3425 قبل الميلاد، عندما قاد الملك المصري القديم مينا جيش مصر لتوحيد قطريها، فاستحق لقب موحد القطرين، وصاحب التاجين، حاكم مصر الموحدة، دولة وطنية بكل مقاييس العلم الحديث، أرض ذات حدود لم تتغير حتى اليوم، وشعب تربطه هوية وإرادة العيش المشترك، خاضع إراديًا لسلطة حاكمة، تدير شؤونه، وجيش يمثل عمود الدولة الفقري، يبسط نفوذها على أراضيها ويحمي حدودها.
ظلت تلك الدولة قوية عفية، تضيء شمس حضارتها الكون، تاركة آثارها شاهدة حتى اليوم، يحاول علماء العالم فك شفراتها، ليبدأ الضعف بعد الأسرة السادسة باحتلال الهكسوس لمصر، حتى استعادت عافيتها في العصر البطولي، ليبعث الله لها أحد أبنائها الخالدين، تحتمس الثالث، في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، محررًا كامل الأرض المصرية، محققًا انتصارات ساحقة في 16 معركة عسكرية، طارد الغزاة الفارين خارج حدود الوطن.
ويتعرض عبد المجيد لوصف الحالة المصرية علي مر التاريخ والازمنة بأن مكانة مصر وثرواتها، "خزائن الأرض"، جعلها مطمعًا في كل العصور للغزاة، الذين يتربصون بها منتظرين لحظة ضعف أو انكسار لافتراس خيراتها، وما أطولها لحظات الانكسار التي أتاحت للأعداء فرصة الانقضاض عليها ومن احتلال الهكسوس إلى الأشوريين 100 عام، للفرس الذين احتلوا مصر 150 عامًا، والإغريق 293 عامًا، فالرومان 361 عامًا، ثم البيزنطيين 309 أعوام، وصولًا إلى العصر الحديث، حملات الفرنسيين، والبريطانيين في مواجهة المماليك.
خضعت مصر في عهد الملكية، لسطوة العثمانيين، واحتلال البريطانيين، ليتجاوز الاحتلال الجاثم على أنفاس الوطن 70 عامًا، لم تهدأ خلالها المقاومة الوطنية سياسيًا لتحرير البلاد، سعى خلالها المحتل وأعوانه لإضعاف الجيش الوطني الذي أسسه محمد علي باشا، خشية أن تقوى شوكته ويملك قدرة تمكنه من تحرير الوطن.
في تلك الأثناء كان هناك، ضباط أحرار، يخططون وينظمون صفوفهم، لامتلاك المصريين لإرادتهم، وحكم أنفسهم، فأبناء محمد علي باشا، لا يملكون قدراته واستراتيجياته التي أسست لمصر الحديثة.
استيقظ شعب مصر على حركة الجيش، بيان من القائد الأعلى للقوات المسلحة اللواء محمد نجيب، يلقيه عبر الإذاعة المصرية، ضابط شاب من الضباط الأحرار، يملك قدرات الإلقاء، عُرف لاحقًا للشعب، القائد محمد أنور السادات.
حدد بيان الثورة، دوافعها، وأسبابها، "اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير، من الرشوة والفساد، وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير، على الجيش وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين".
ويضيف البيان: "وأما فترة ما بعد هذه الحرب، فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة على الجيش وتولى أمره إما جاهل أو خائن أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها".
في الفقرتين الأولى والثانية، حدد الضباط الأحرار، الذين قادهم نجيب والصاغ جمال عبدالناصر، أسباب تحركهم، في سعيهم لاجتياز فترة الفساد والرشوة وتحقيق استقرار للحكم، والتخلص من قادة حصرهم البيان في الجهلة والخونة والفسدة، الذين يستهدفون حرمان مصر من بناء جيش يحميها.
ليواجهوا ذلك بما جاء في البيان في فقرته الثالثة: "وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم”.
لكن السؤال المهم، ما ظن الضباط الأحرار لشعب مصر، ورد فعله على حركتهم المفاجئة؟
الإجابة هنا نجدها في نص البيان: "ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب". وقد قابل الشعب تحرك الضباط الأحرار فعليًا بالابتهاج والترحيب فتحولت الحركة إلى ثورة، بما توافر لها من ظهير شعبي، مكنها من الإطاحة بالحكم الملكي، وتأسيس الجمهورية الأولى، ليعود حكم مصر لأبنائها المصريين بعد غياب سنوات طوال.
وهنا الدرس الأول: ثقة شعب مصر وجيشها، متبادلة، تحركهما إرادة وطنية واحدة، بجينات روتها عصارة خبرات السنين، منذ عهد مينا موحد القطرين، فحركة الضباط الأحرار، منحها التأييد الشعبي شرعيتها، فباتت ثورة، بأهداف ستة:
- القضاء على الملكية وإعلان الجمهورية.
- القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال.
- تحرير البلاد من الاحتلال البريطاني.
- بناء جيش وطني قوي.
- إقامة عدالة اجتماعية.
- إقامة حياة ديمقراطية سليمة.
تلك الأهداف تبلورت لاحقًا بعد أن رسخت الثورة أقدامها، فالبيان الأول حمل طمأنة لأسر قادة الجيش المعتقلين: "أما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين، فهؤلاء لن ينالهم ضرر، ويطلق سراحهم في الوقت المناسب".
"وإني أؤكد للشعب المصري، أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن، في ظل الدستور مجردًا من أي غاية".
و يؤكد عبد المجيد علي انه هنا الدرس الأهم، أن جيش مصر الوطني، نفض عن ثوبه التاريخي الشريف، غبار فترة سيطرة قلة فاسدة في العهد الملكي، ولاؤها للمحتل، ليعود بياضه الناصع، يعمل لوجه الله والوطن مجردًا من أي غاية، في ضوء أحكام الدستور.
و يضيف عبد المجيد ولقد نجحت ثورة 23 يوليو في تحقيق معظم أهدافها، فقضت على الملكية وأعلنت الجمهورية، وقضت على الإقطاع، وحققت مكتسبات للعدالة الاجتماعية من خلال قانون الإصلاح الزراعي وتمليك الفلاحين خمسة أفدنة، مع إتاحة التعليم المجاني لأبناء المصريين، ما أسهم في إحداث حراك اجتماعي قائم على الجهد والعلم، فأصبح أبناء الفلاحين والطبقة الوسطى قيادات وعلماء وفي المجالات كافة.
وإن كان ما يؤخذ على تلك الثورة، هو إخفاقها في إقامة حياة ديمقراطية سليمة، خشية أن تعوق أحزاب الحقبة الملكية مرحلة تثبيت أركان الجمهورية الوليدة، وما تلى ذلك من أزمات وحروب بداية بالعدوان الثلاثي، وحتى نكسة 67، وانشغال الدولة بحشد الجبهة الداخلية والإعداد لحرب الكرامة وتحرير سيناء.
ويضيف عبد المجيد اننا هنا نلاحظ أن جمهورية 23 يوليو، حققت السيادة الوطنية المصرية، وحررت الوطن من المحتل البريطاني، وقادة ثورات التحرر العربي والإفريقي، وبات لمصر سياستها الخارجية التي تلقى قبولًا دوليًا، في مواجهة ثنائية القطب الأمريكي والسوفيتي، فنجد مصر تدشن وتقود جبهة عدم الانحياز.
انتقل الزعيم عبدالناصر إلى دار البقاء، وواصل الزعيم محمد أنور السادات المسيرة، فحقق الانتصار التاريخي الذي يُدرّس حتى الآن في أكاديميات العالم العسكرية، حرر سيناء وفرض سلام القوة، بعد أن عزز قدرة الجيش المصري.
وبهذا الانتصار العظيم 6 أكتوبر 1973، قدمت الجمهورية الفتية، بيانًا عمليًا على المبرر الأهم والهدف الأسمى الذي تضمنه بيان الثورة الأول، بناء جيش وطني قوي يحمي الدولة.
واستشهد بطل الحرب والسلام محمد أنور السادات، بنيران التنظيمات التكفيرية، تلك التي منحها قبلة الحياة خلال فترة حكمه، لأسباب جانبه الصواب في تقديرها، ليتولى المسؤولية نائبه لواء طيار محمد حسني مبارك، الذي نجح في صياغة سياسة خارجية كسرت محاولات عزل مصر عربيًا وإقليميًا.
و ينبه عبد المجيد علي انه رغم نجاح مبارك في العقد الأول من حكمه، إلا أن جمهوريته، تراجعت تدريجيًا عن أهداف ثورة يوليو، فاحتكار الأطيان في الملكية، تحول لاحتكار عائلات للصناعة، ومع تنامي السكان وتزايد الأزمات الاقتصادية تراجعت مؤشرات العدالة الاجتماعية، فرغم حرص الرئيس مبارك على الإبقاء على دعم رغيف الخبز والطاقة، خشية ردود الفعل الشعبية السلبية، فإن الحقيقة أن ذلك ضرب العدالة الاجتماعية في مقتل.
ببساطة النسبة الأكبر من مبالغ الدعم، ذهبت لجيوب الأثرياء، فالمواطن الذي يركب الأتوبيس يستفيد بمجرد ثبات سعر التذكرة، بينما مالك السيارات الفارهة يحصل على آلاف الليترات من الوقود المدعوم، ومالك أساطيل النقل الثقيل والمصانع، يستفيد بملايين الجنيهات من الدعم.
وعدد عبد المجيد اخفاقات جانبا كبيرا من فترة حكم مبارك من خلال عجز نظام مبارك عن توفير بنود في الميزانية للصحة، والإسكان والطرق وغيرها، فوجدنا طوابير مرضى الكبد يصل إليهم ملك الموت قبل أن يصيبهم دورهم في العلاج، وتضاعفت مساحات العشوائيات حتى استيقظ المصريون على كارثة صخرة الدويقة تسحق تحت أنقاضها مئات المصريين، وتزايد السكان دون تطوير البنية التحتية استنزف الخدمات، وتزايدت الاختناقات المرورية وفي الوقت الذي تنامت فيه عشوائيات السكن، تنامت العشوائيات السياسية، أحزاب كرتونية، وتنظيم متطرف محظور قانونًا، يمارس العمل العام والسياسي فعليًا.
و كشف عبد المجيد عن اهم اسباب ثورة 25 يناير 2011 بأنه مع تلاشي أهداف ثورة يوليو، وهشاشة التربة السياسية، تنامى الغضب الشعبي، واستغلته القوى المتربصة، ثار الشعب طالبًا الإصلاح والتغيير، فاختطفت ثورة ٢٥ يناير لتنحرف لتخريب وتدمير، مهد لبلوغ تنظيم الإخوان سدة الحكم وفي ظل حكم الإخوان تلاشى ما تبقى من أهداف يناير التي رفعت شعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، تلك الأهداف التي تبنتها ثورة يوليو، قبل أن تتلاشى تدريجيًا.
وهنا شعر الشعب المصري، بمحاولات أخونة الدولة، وهو المصطلح الشعبي، لمحاولات اختراق المؤسسات، وطمس الهوية، وتهديد كيان الدولة، ثار الشعب في 30 يونيو، ضد حكم المرشد، حكم تنظيم نشأ بالأساس مناهضًا للوطنية.
وكان الدرس أن الجيش الذي أيده الشعب في ثورة 23 يوليو، هو من حمى إرادة الشعب المصري في ثورة 25 يناير، وثورة حماية الهوية 30 يونيو، فالعلاقة بين الشعب وجيشه عروة وثقى غير قابلة للانفصام.
والمدقق يلاحظ تحقيق الجمهورية الجديدة أهداف الجمهورية الأولى، عودة قوية لتحقيق العدالة الاجتماعية، بالقضاء على العشوائيات، وتطوير الريف الذي عززته ثورة ٢٣ يوليو، تطوير التعليم واللحاق بالثورة التكنولوجية العالمية، مضاعفة الرقعة الزراعية، إعادة رسم خارطة مصر التنموية، القضاء على فيروس "سي"، والبدء في برامج تأمين صحي شامل، وتعظيم القدرة العسكرية لجيش مصر، العمود الفقري الصلب للوطن درعه وسيفه.
واختتم عبد المجيد حديثه بالعودة القوية لدور مصر العربي والإقليمي والإفريقي، مكانة مصر التي تستحقها وتليق بإمكاناتها وتاريخها، قضت على الاستعمار في 23 يوليو، وذيوله في 30 يونيو، وما زالت المواجهة مستمرة لإحباط مخططات تستهدف الوطن، والرهان على وحدة الشعب ووعيه.