بلاغ للنائب العام ”تعذيب وإتجار بالبشر”.. سيدات دار إيواء ”بدر” يتعرضن للقتل البطيء
تنقلوا بين الشوارع والطرقات باحثين عن مأوي يحتموا فيه من برد الشتاء القارص، وحرارة الصيف الشديدة، بعدما تقدم بهم العمر، ولم يجدوا من يحنوا عليهم، بعضهم فقد السند بعدما تخلى عنهم أبنائهم حينما شغلتهم حياتهم الخاصة، ونسوا من كان لهم سندًا يومًا من الأيام، وأخرين لهم قصصًا وروايات مختلفة، ولكنهم اجتمعوا في نهاية المطاف تحت سقفٍا واحد، وهي دار "ز.م" لإيواء المشردين من ذوي الإعاقة بمدينة بدر.
الأمور لم تسير على ما يرام داخل الدار، ووفقًا لبلاغ قدم للنائب العام، فقد تعرضت النزيلات اللواتي يعانين بعضهن من إعاقة لعمليات تعذيب واعتداءات بالضرب من قبل القائمين على الدار؛ وتجاهل علاج المرضى منهن، واتهامهن بالمبالغة في حقيقة مرضهن، مما يعرضهن لمخاطر ومضاعفات كبيرة، فضلًا عن اتهام أخر بالاتجار بالبشر عن طريق جمع تبرعات بحجة صرفها على نزلاء الدار.
بلاغ للنائب العام
يفحص المكتب الفني للنائب العام البلاغ الذي قدمه أيمن محفوظ المحامي، واتهم فيه القائمين على الدار بتعذيب النزيلات والاعتداء عليهن، والاتجار بالبشر، كما اتهمهم باستغلال النزيلات من أجل جمع التبرعات، وطالب بفتح تحقيق موسع حول تلك الجرائم، وإرسال لجنة للكشف عن التراخيص اللازمة لتلك الدار، ومراقبة حساباتها، لمعرفة مصادر تمويلها، وأوجه النفقات.
تعذيب واستغلال
يقول "محفوظ"، إنه قد وصلت إليه معلومات موثقة بالمستندات والتقارير الطبية، تثبت تعرض نزيلات دار "ز.م" للتعذيب، واستغلالهن من أجل جمع التبرعات التى لا تصرف فى خدمة النزلاء من المشردات اللواتي يعانين من إعاقة.
وأكد "محفوظ" فى حديثه ل"النهار"، أنه قدم رفقة البلاغ أسطوانة مدمجة بالفيديوهات الموثقة لحالات التعذيب، والتقارير الطبية التي تثبت تلك الحالات، وما يفيد المتاجرة بأصحاب الإعاقة من نزلاء الدار، واستغلالهم لجمع التبرعات.
وقال "محفوظ"، إن عدد نزلاء دار "ز.م" لإيواء النساء المشردات من ذوي الإعاقة الذهنية يبلغ ما يقرب من 50 سيدة، وقد تعرضت ما يقرب من 5 أو 6 سيدات، لاعتداءات بالضرب والتعنيف، بسبب مخالفات ارتكبوها وهم غير مدركين لها؛ نظرًا لطبيعة مرضهن العقلي.
وأشار "محفوظ" أن الانتهاكات الموجهة للنساء لا تفرق بين المعافاة أو المريضة، وتبدأ من تجاهل شكاوى المريضات، اللواتي يحتاجن لرعاية صحية خاصة، ويتعاملن معهن بقسوة دون إدراك لطبيعة مرضهن، وهذا يعرضهن للموت البطيئ.
روايات صادمة
تقول "أسماء.ع" إحدى نزيلات الدر والتى هربت منه بعد فترة من تعرضها للكى بالنار، وتقييم حاليًا داخل شقة بالمطرية ل"النهار"، إنها كانت تقيم أسفل كوبري غمرة بالقاهرة، وفوجئت بالقائمين على الدار أخذوها معهم للدار، وهناك كانوا يعاملونها معاملة سيئة، حتى أنهم عاقبوها ذات مرة بتسخين "شوكة" و"ملعقة" وحرقها فى جسدها.
يعلق "محفوظ" على حالة "أسماء" قائلًا، أغلب الحالات داخل الدار تعاني من مشاكل نفسية، و "أ" تعاني من حالة نفسية تجعلها تاكل جلدها، ورغم مرضها لم يفهم القائمين على الدار طبيعة حالتها، بل عذبوها حينما ارتكبت مخالفة مشينة ضد إحدى المشرفات-يتحفظ النهار عن ذكرها، رغم إنها غير مدركة لذلك، مما دفعها فى نهاية المطاف للهرب.
حالة "أسماء" ليست الوحيدة، ولكن هناك قصص مأسوية أخري لسيدات تعرضن للتعنيف داخل الدار، بسبب مخالفات هن غير مدركات لطبيعتها، نظرًا لحالاتهن الصحية، العدد يتجاوز 5 سيدات، وفق ما أكد "محفوظ"، الذي أشار أيضًا إلى أنه ربما هناك حالات أخري لم يتم الكشف عنها بعد.
ندبات وقرح
يشير التقرير الطبى الخاص ب"أسماء.ع" والصادر من أحد المستشفيات العامة بالقاهرة، معانتها من آثار ندبات قديمة بالكتف الأيسر، وقرح حديثة ومتفرقة بذات الكتف يتراوح حجمها ما بين 2:3 سم، وبالكشف الطبي الظاهري تبين وجود ندبات قديمة ملتهبة بالساقين الأيمن والأيسر، يترواح حجمها ما بين 2:4 سم، وتقرحات سطحية بالجلد حديثة وملتهبة.
القانون يتصدى
فى ذات السياق يقول ممدوح عبد الجواد المحامي، أن القانون عرف مرتكب جريمة الاتجار، بأنه يعد مرتكبا لجريمة الاتجار بالبشر كل من يتعامل بأية صورة في شخص طبيعي بما في ذلك الإيواء أو الاستقبال إذا تم ذلك بواسطة استعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما، أو بواسطة الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، وأن العقوبة تصل للسجن المؤبد والغرامة التي تصل إلى 500 ألف جنيه، إذا كان الضحية من عديمي الأهلية أو من ذوي الإعاقة.
وأضاف "عبد الجواد" الخبير القانوني، أن المادة 46 و47 من القانون رقم 10 لسنة 2018 الخاص بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، تعتبر الشخص ذو الإعاقة معرضاً للخطر في أي حالة تهدد احترام كرامته الشخصية، واستقلاله الذاتي والتمييز ضده بسبب الإعاقة، أو الامتناع عن تقديم الرعاية الكاملة له باشكالها أو الاعتداء بالضرب والإيذاء في دور الإيداع وتعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة تصل إلى 50 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وتابع "عبد الجواد" أن القانون رقم 149 لسنة 2019، والخاص بإصدار قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلى، منع دور الرعاية من تلقي تبرعات بدون موافقه جهة الإدارة أو الإعلان عن مصادر تمويلها، مع جواز الغاء التراخيص في حالة مخالفه شروط التراخيص، وإتخاذ الإجراءات القانونية ضد الكيان إذا كان غير مرخص.
توصيات الشيوخ
تقول رشا إسحاق أمين سر لجنة التضامن وحقوق الإنسان بمجلس الشيوخ، أن هناك اجتماعات دورية مع المسئولين بوزارة التضامن الاجتماعى، من أجل متابعة دورها في الإشراف ومراقبة الدور التي تخضع لسلطاتها، سواء دور مشردين أو معنفات أو دور الأيتام، مؤكدًا أن بعض أصحاب النفوس الضعيفة يستغلون التراخيص الممنوحة لهم لإنشاء تلك الدور من أجل جمع التبرعات باسمها.
وأشارت أمين سر لجنة التضامن، إنه لابد من وضع قواعد صارمة لعدم السماح لهؤلاء الناس باستغلال الدول بهذه الطريقة، فضلًا عن احتيالهم على أصحاب الثروة لسرقتهم باسم التبرعات، والإساءة للدولة، مؤكدةً أن ذلك ممكن عن طريق تطبيق صارم للقواعد، وتفعيل للرقابة، واتخاذ إجراءات بتغيير المسئولين الذين يثبت عدم صلاحيتهم لشغل منصبهم داخل تلك الدور.
وتتابع "إسحاق"، التشريعات موجودة والقوانين أيضًا، ولكننا بحاجة لتفعيل وتنظيم تلك التشريعات، ومن ثم تطبيقها، ولو هناك مواد تحتاج تعديل تشريعي، فمجلس الشيوح يصدر توصيات، ولكن النقطة الأهم الآن هي التفعيل، وإذا كانت مشكلة التفعيل هي نقص القوة البشرية، فلما لا نفتح باب التطوع للخدمة الاجتماعية، واستغلال الطاقة البشرية الكبيرة التي تتمتع بها مصر في المراقبة والمتابعة الميدانية لكافة الدور وكتابة تقرير وافية عنها.
واختتمت "رشا" حديثها، مؤكدةً أن كل الدور التي تشرف عليها وزارة التضامن تحتاج لمراقبة ومتابعة مستمرة، ويجب أن يتخلص مسئولي الخدمة الاجتماعية من الشغل المكتبي، والنزول للشارع للمراقبة والمتابعة والرصد، وكتابة تقارير وافية، قادرة على علاج أي قصور تعاني منه أي دار من الدور، ووأد المشاكل في مهدها.