النهار
السبت 23 نوفمبر 2024 01:08 صـ 21 جمادى أول 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
انعقاد الجمعية العمومية العادية بنادي الحوار الرياضي بالمنصورة ”مروزق” يشيد بالمشاركة الفعالة لـ”أيادي مصر” الدقهلية في معرض القرية التراثية نجاح فريق طبى بمستشفى ميت غمر فى استئصال ٢٠ ورم ليفي من رحم فتاة الاتحاد السكندري يخطف تعادلاً قاتلاً أمام الأهلي في الدوري المصري «التربية والتعليم» تنفي تعميم ترحيل اختبارات شهر نوفمبر على مستوى الجمهورية الشيف الشربيني: رحت مكان الحادث ومشيت خوفت الأهالي يضربوني الاتحاد يدرك هدف التعادل أمام الأهلي في الدوري المصري مع إجراء تحليل مخدرات.. حبس نجل زوجة الشيف الشربيني في واقعة دهس عامل دليفري بالشيخ زايد الأهلي يسجل هدف التقدم أمام الاتحاد السكندري من ضربة جزاء تجربة غير مسبوقة لموسيقي عربية.. هاني فرحات قائدا لأوركسترا طوكيو الفيلهارموني رئيس جامعة عين شمس: المبادرات الرئاسية لعبت دورًا محوريًا في الكشف المبكر عن الأورام التعادل 1-1 يحسم ديربي المغرب بين الوداد والرجاء

حوادث

تحقيق.. ”أبناء بلا آبــاء”.. رحلة يتيم من الولادة حتي التخرج وخريجو دور الأيتام يروون لـ”النهار” معاناتهم

رحلة يتيم من الولادة وحتي التخرج
رحلة يتيم من الولادة وحتي التخرج

داخل محطات المترو، وربما بجوار دور العبادة أو حتى على الأرصفة وفي الشوارع والطرقات، وبجوار صناديق القمامة، أطفال رضع وضعوا فى تلك الأماكن، ولا ذنب لهم سوى أن والديهم ليس لديهم رغبة في تربيتهم لأسباب عديدة، تمر ساعات وربما أيام حتى يتم العثور عليهم من قبل أخرين، وتبدأ رحلة هؤلاء الأطفال داخل دور رعاية الأيتام، ليواجهوا العديد من العواصف منذ نعومة أظافرهم، ومشاكل أخرى متعلقة باندماجهم في المجتمع، وقدرتهم على اختيار شريك حياتهم ومشاكل متعلقة بالعمل وبالأوراق الثبوتية.

تسلط جريدة "النهار المصرية" الضوء على تلك الزاوية المظلمة في حياة الأطفال الأيتام، من خلال روايات يرويها شباب عاشوا تلك التجربة ومن خلال ما سجلته محاضر الشرطة وجهات التحقيق.

أسرار وكواليس مؤلمة خلف أسوار دور الأيتام

"صلاح فتح" عثروا عليه فى "الشادر" وحب واتجوز من دار الأيتام

"صلاح.أ" شاب يبلغ من العمر 33 عامًا، يتذكر سنواته الأولى حينما عثر عليه رجل أربعيني بمنطقة شادر السمك بحي الشرابية، ويقول لـ"لنهار" أنه في ذلك الوقت لم يكن عمره تجاوز العامين، لينقله الرجل الذى عثر عليه إلى قسم الشرطة، لتبدأ حياته داخل إحدي دور رعاية الايتام بمنطقة العمرانية في الجيزة.

ويتابع "صلاح"، أنه لا يعرف أسمه الحقيقي، أما أسم "صلاح" فقد تم اختياره له من قبل اللجنة التي تشكلت للبت في أمره من وزارة التضامن الاجتماعى، وأنه بعد قضائه فترة داخل دار رعاية الأيتام بالجيزة، تم نقله إلى دار أيتام أخرى بذات المحافظة، فلم يكن لديه حرية في اختيار أي شي وفق قوله، وظل في الدار الجديدة وسط أخرين من الأطفال الأيتام، وخلال سنوات حياته درس في أحد المدارس الصناعية.

يضيف "صلاح"، أنه تعرض للعديد من المضايقات والمشاكل خلال فترات حياته، نظرًا لغياب دور الوالدين، وكان بديلهم مشرف الدار الذى يعتبر مجرد موظف يؤدى دوره مقابل أجر، فكان يفتقد كثيرًا لشدة الأب وحنان الأم، وأنه بعدما اتم السن القانوني، غادر الدار ولكنه لم يكن يعرف أين يذهب، حتى أسعفه الحظ وألتقى بزوجته التي تعرف عليها من خلال إحدي دور أيتام الفتيات، ورغم سعادتهم في البداية إلا أن المشاكل سرعان ما بدأت تظهر بينهم نتيجة عدم معرفة كلًا منهما لطبيعة البيت والأسرة والمنزل، ورغم إنجابهم طفل منها.

"سماح" بدون زواج أو تأمين والسبب "بطاقة الرقم القومى"

"سماح" فتاة تبلغ من العمر 24 عامًا وهى إحدي نزيلات دار أيتام "ابنتى" بمحافظة الجيزة، تروى هي الأخرى قصة حياتها التي بدأت منذ أن فتحت عيناها على الدنيا، لتجد يدًا غريبة تمتد إليها، غير التي انجبتها إلى الحياة، تنقلها بعد ذلك إلى قسم الشرطة، ومن هناك إلى دار رعايا الأيتام.

تقول "سماح"، أنها تنقلت كثيرًا بين دور الأيتام وكانت تجد صعوبة كبيرة في التأقلم على الوضع هناك، خاصة بعدما اتمت سن الـ16 من عمرها، وذلك دفعها لمغادرة الدار بمحض إرادتها، هربًا من سوء تعامل مسئولي الدار معها، والتفرقة في المعاملة بينها وبين زملائها، وبعد مغادرتها الدار تنقلت بين أماكن عديدة للإقامة فيها، ودخلت سوق العمل مبكرًا، فعملت في المنطقة الصناعة وعملت في محل ملابس وغيره من أماكن العمل.

وتتابع "سماح"، خلال حديثها لـ"جريدة النهار المصرية" قائلة، إنها تجد مشكلة في اتمام زواجها من شاب تعرفت عليه خلال عملها، بسبب عدم قدرته على استخراج بطاقة رقم قومى، خاصة وأنها تركت الدار بإراداتها، ولا يمكن إصدار بطاقة لها بدون وجود مسئول من دار الأيتام المسئولة عنها، فضلًا عن عدم وجود فرصة للتأمين عليها بمحل عملها بسبب تلك الأوراق.

خبراء يحللون المشكلة ويضعون روشتة العلاج

رحلة قانونية محفوفة بالمخاطر

المحامي والخبير القانوني ممدوح عبد الجواد تحدث للنهار عن رحلة الأطفال الأيتام منذ أن يتم العثور عليهم وحتى بلوغهم السن القانوني لمغادرة الدار قائلًا، أنه بعد العثور على طفل مجهول الهوية والنسب، يتم إخطار قسم الشرطة التابع له محل العثور على الطفل، بعدها يتم تحرير محضر ويحال للنيابة العامة، التي تخطر الجهات المختصة بوزارة التضامن الاجتماعى، والتي ترسل مندوب لمتابعة الإجراءات القانونية واستلام الطفل، بعد قرار النيابة العامة بتسليمه لها من أجل إيداعه إحدي دور رعاية الأيتام.

وتابع "عبد الجواد"، أنه بعد انهاء الإجراءات القانونية يتم تسليم الطفل إلى إحدي دور رعايا الأيتام، ويتم تشكيل لجنة ثلاثية من لتحديد أسم للطفل، وإصدار شهادة ميلاد له، بعدها يمارس حياته الطبيعية داخل الدر باسمه الجديد، وعند بلوغهم السن القانوني، يتم اصطحابهم إلى مكتب السجل المجنى ويتم اصدار بطاقة رقم قومي لهم، ويكون عنوان الدر هو عنوان السكن، وبعد بلوغهم السن القانوني يغادرون الدار بعد توفير فرص عمل لهم تعينهم على حياتهم الجديدة.

الأيتام غرباء فى بيتهم

يقول الدكتور عبد الله السيد الخبير الاجتماعى، إن مشكلة الأطفال الأيتام الرئيسية تكمن فى عدم قدرتهم على الاندماج فى المجتمع، بعد مغادرة دار الأيتام، وهناك عدة أسباب لذلك أولها أحساسهم بالنقص وعدم قبول الأخرين لهم، وهذا يدفعهم إلى العزلة والتقارب فقط فيما بينهم، بسبب شعورهم بالأمان تجاه بعضهم البعض، وهو الشعور الذي يفتقدوه فى تعاملهم مع الأخرين.

وتابع أستاذ ورئيس قسم علم الاجتماع الأسبق بجامعة 6 أكتوبر، النقطة الثانية متعلقة بمواجهتهم العديد من الصعاب بعد مغادرتهم دار الأيتام، من بينها صعوبة فى إيجاد عمل مناسب، وقبول أصحاب الأعمال إسناد الأعمال المختلفة لهم، فضلًا عن صعوبات أخرى متعلقة بالزواج والارتباط، وهذا يدفعه للزواج من بعضهم البعض، وهو ما يحول دون اندماغهم فى المجتمع.

وتابع "السيد"، الأيتام ضحايا، ضحايا والديهم الذين تخلوا عنهم، وضحايا دور الأيتام التى لم تساندهم بشكل يؤهلهم للاندماج فى المجتمع، وضحايا المجتمع ككل الذي نظر لهم نظرة الغريب فى بيته، هم يدفعون ثمن أخطاء لم يرتكبوها.

وطالب "السيد" فى نهاية حديثه بضرورة تفعيل دول المؤسسات والوزارات المعنية بشئون الأيتام، وإيجاد حلول تشريعية من قبل مجلس النواب تضمن لهم اندماج سلس وحقيقي فى المجتمع، ويجعلهم عناصر فاعلة ومشاركة بقوة فى كل أنشطته وفعالياته.

اكتئاب وأنطوائية واضطرابات نفسية

الدكتور وليد هندي، أستاذ علم النفس الإكلينيكي، يرى إن الأثار النفسية التي قد يعاني منها الأطفال الأيتام هي إصابتهم بحالات من الاكتئاب، وارتفاع مستوى الشعور بالضغوط النفسية، وانخفاض مفهوم الذات.

وأوضح هندي، أن الطفل اليتيم قد يعاني من فقدان الأمل فى الحياة مع نظرة تشاؤم تغلب عليه عند التفكير فى الغد، وانخفاض مستوي التحصيل الدراسي، كل هذه أثار نفسية يعاني منها الأطفال الأيتام، لذا فاليتيم إما أن يكون انطوائياً بدرجة كبيرة ولا يشعر بالاندماج مع العالم كله أو أن يكون صديق الكل.

وأضاف، نستطيع التغلب علي تلك الأثار عن طريق التعامل مع الطفل بأسلوب الصواب والعقاب، فالموازنة السليمة لا تسعي لإفساده أو دلاله فلابد من إدخال البهجة والسرور في نفسية الطفل وحمايته من الاضطرابات النفسية والسلوكية، عن طريقة دعمه بشكل مستمر، والاستماع له ومساندته طوال العام، وليس في يوم واحد فقط.

الرعاية اللاحقة تبدأ بتكاتف المجتمع

الدكتور سالي محمود، أستاذ مساعد بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية، تقول إن مؤسسات الرعاية الاجتماعية تحاول استكمال بعد بلوع سن الرشد والتخرج من الدار، والتعامل مع حالات ذوى الإعاقة وتوفير فرص عمل لهم، بالإضافة إلى التحقق من استكمال أوراقهم الثبوتية، والتحقق من عدم تعاطيهم أى مواد مخدرة تهدد صحتهم ومستقبلهم.

وأوضحت سالي، أنه يتم تحديد وحدات سكنية للرعاية اللاحقة للشباب الذين تخطوا سن 18 عامًا وهى وحدات سكن جماعية تجمع بين 4-5 شباب؛ لإعدادهم للحياة المستقلة بعد بلوغهم سن 21 عاما، حيث يتم توفير وحدات سكنية إيجار مؤقت لهم لحين حل مشكلاتهم نهائيًا.

وأشارت إلي أنه لابد من مساهمة القطاع الخاص والحكومي من أجل حل جذرى لمشاكل الايتام بعد مغادرتهم الدار، وتفعيل برامج الرعاية اللاحقة، لأننا نحتاج إلي مبالغ مالية كبيرة وكوادر بشرية لتنفيذ تلك البرامج.