النهار
الإثنين 23 ديسمبر 2024 09:16 صـ 22 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رمضانيات

هؤلاء نزل فيها القرآن

اعداد : عبدالناصر الدشناوى:الملك العادل ..... النجاشيما زال المسلمون يتذكرون أولئك الرجال الذين سطروا في سجلات المجد أروع صفحات الفداء والتضحية فحق لهم أن يتذكرهم الأبناء والأحفاد بمزيد من الثناء والتقدير.وفى هذه الحلقات نستعرض بعضاً من بطولات أولئك الرجال الخالدين.النجاشي .... الملك العادلشهدت الدعوة الإسلامية منذ انطلاقتها على يد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بطولات كبيرة ومواقف خالدة سجلها رجال انذروا أرواحهم وأموالهم فداء الله ورسوله وللدين الحنيف .قال تعالى (لتجدن أشد الناس عداوة للذين امنوا اليهود والذين أشركوا، ولتجدن أقربهم مودة للذين امنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وإنهم يستكبرون، وإذا سمعوا ما انزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق، يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين، ومالنا إلا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين) صدق الله العظيم- المائدة الآية 82-84)نزلت الآيتين في حق النجاشي كما يقول عنه الإمام عبد الرحمن السهيلي في كتابه الروض (الأنف- الجزء الثالث) هذا الملك الذي لا يظلم عنده احد ومن يكون حتى يحظى بهذه الشهادة من الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي لا ينطق عن الهوى؟ ويذكر ايضاً انه أصحمة بن أبجر وتفسيره عطية، وكان ملكاً للحبشة في فترة بعثة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأنه عاش فترة من الزمن في جزيرة العرب عبداً رقيقاً، ورعا الغنم لسيده الذي اشتراه في منطقة قريبة من بدر وفوق الصحراء الممتدة عبر الأفق.تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: ان أباه كان ملكاً في قومه ولم يكن له ولد إلا النجاشي، وكان عم النجاشي له اثنا عشر رجلاً، فقالت الحبشة: لو أننا قتلنا أبا النجاشي وملكنا أخاه فانه لا ولد له غير هذا الغلام، فغدوا على أبي النجاشي فقتلوه وملكوا أخاه فمثلوا على ذلك حيناً ونشأ النجاشي مع عمه تخوفوا منه وأرادوا أن يقتلوه، لكن استقر الأمر أن يبيعوه في السوق، فباعوه لرجل من التجار بستمائة درهم فقذفه في سفينة فانطلق به، وكان الذي اشتراه من العرب من بني ضميره.ويحكى النجاشي عن نفسه انه كان يرعى الغنم لسيده بواد يقال له- بدر كثير الأراك- ومكث فترة طويلة بأرض العرب تعلم من لسانهم وعرف لهجاتهم، تقول الروايات التاريخية، إن سحابة من سحائب الخريف هاجت فخرج عمه يستمطر تحتها في ارض الحبشة فأصابته صاعقة فقتلته، ففزعت الحبشة إلى ولده فإذا هو في غفلة فقال بعضهم: تعلموا والله أن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره للذي بعتم للأعرابي، فإذا كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه وابحثوا عنه، فخرجوا وبحثوا عنه حتى عثروا عليه وجاءوا به ملكاً عليهم.النجاشي أمان واطمئنانيسجل ابن هشام في كتابه (سيرة النبي- الجزء الأول) أنه لما هاجر المسلمون من مكة إلى الحبشة استجابة لأمر قائدهم (صلى الله عليه وسلم) واستقروا هناك، وجدوا في جوار النجاشي كل أمان واطمئنان وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغهم عنه تتابعت أفواج المهاجرين إلى الحبشة، وأحست قريش بأن مثل هؤلاء يفلتون من بين أيديها حيث يجدون في جوار هذا الملك الأمن لدينهم، والاطمئنان على حياتهم ودنياهم وقرروا أن يرسلوا إلى النجاشي ليرد هؤلاء المارقين ليسوموهم سوء العذاب وليكونوا عبره لمن يعتبر، ووقع اختيارهم على عبدا لله بن ربيعة وعمرو بن العاص ليكونا سفيرين من قريش إلى النجاشي، وعندما سمع أبو طالب ما تريد أن تفعله قريش مع هؤلاء المهاجرين أرسل إلى النجاشي رسالة ينبهه إلى خديعة قريش ويوصيه خيرا بمن عنده، وجاء رسولاً قريش إلى النجاشي بالهدايا فقالا له أيها الملك: انه قد ضوى (أي آووا إليك) إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت.وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم.فغضب النجاشي غضباً شديداً ثم قال: لا والله إذن لا أسلمهم إليهما ولا يكد قوم جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي، حتى أدعوهم وأسألهم عما يقول هذان في أمرهم؟ فان كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم ، وان كانوا غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني.يقول ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية - الجزء الثالث) فلما دخلوا عليه قال لهم: ماذا تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاءنا به نبيينا (صلى الله عليه وسلم) هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها الى مريم العذراء البتول، فضرب النجاشي بيده إلى الأرض فأخذ منها عوداً ثم قال: والله ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود فتنا خرت بطارقته حوله حين قال ما قال فقال وان نخرتم والله اذهبوا فأنتم شيوم (أي آمنون)بأرضي من سبكم غرم.وفاتهويذكر السهيلي في كتابه (الروض الأنف_ الجزء الثالث)أنه لما مات النجاشي رضي الله عنه ونعاه جبريل للرسول (صلى الله عليه وسلم) في اليوم الذي مات فيه قال لأصحابه: اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم، فقالوا ومن هو؟ فقال النجاشي وخرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى البقيع وكشف له من المدينة إلى ارض الحبشة فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات واستغفر الله له، وقال لأصحابه استغفروا له رحم الله النجاشي بما قدم من خير لهؤلاء المسلمين الأوائل الذين فروا بدينهم إلى أرض الله.ويذكر الإمام الواحدي في كتابه (أسباب نزول القران) أن بن عباس رضي الله عنه قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بمكة يخاف على أصحابه من المشركين ، فبعث جعفر بن أبى طالب وابن مسعود في رهط من أصحابه إلى النجاشي وقال: انه رجل لا يظلم ولا يظلم عنده أحد فاخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجاً، فلما وردوا عليه أكرمهم وقال لهم: أتعرفون شيئاً مما أنزل عليكم؟ قالوا: نعو قال اقرأوا وحوله القسيسون والرهبان، فكلما قرأوا أية من القرآن انحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق ... فنزلت الآية الكريمة.