النهار
الثلاثاء 22 أكتوبر 2024 10:25 مـ 19 ربيع آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

مقالات

محمد حبيب يكتب: مأساة الجماعة الوطنية

محمد حبيب
محمد حبيب
أقصد بالجماعة الوطنية كل التيارات السياسية الموجودة في المجتمع من إسلامية وليبرالية وقومية ويسارية، علاوة علي مؤسسات المجتمع المدني من نقابات وجمعيات طوعية وأهلية، فضلا عن الرموز والشخصيات العامة التي تمتلك حضورا ورصيدا جماهيريا..ومن المؤكد أن إخواننا المسيحيين يمثلون جزءا مهما من نسيج الجماعة الوطنية؛ البعض منهم له انتماءاته السياسية، والبعض الآخر ـ كما جمهور المسلمين ـ ليس له أي انتماء.كان من أبرز سياسات نظام الرئيس المخلوع التي اعتمدها تجاه الجماعة الوطنية هي أن يضرب بعضها بأس بعض، فلا تستقيم علي حال ولا تجتمع علي هدف حتي ولو كان في مصلحتها، وذلك بزرع بذور الشقاق ونشر ثقافة الشك والريبة بينها، الأمر الذي يؤدي إلي ضعفها وقلة حيلتها وهوانها..ساعد علي ذلك بطبيعة الحال سياسة العنف والقسوة التي اتبعها نظام المخلوع مع بعض عناصر الجماعة الوطنية ، من سجن واعتقال ومحاكمات عسكرية وتعذيب في أقسام الشرطة ومقار مباحث أمن الدولة وفرق الأمن المركزي..ناهينا عما كان يحدث من تفجير للأحزاب السياسية من الداخل، فضلا عن إنشاء أحزاب أخري ديكورية تأتمر بأمره وتسير وفق إرادته ومشيئته..وقد استطاع نظام المخلوع تكبيل عناصر الجماعة الوطنية، بل الشعب كله بترسانة من القوانين الاستثنائية المقيدة للحريات والموسومة بأنها سيئة السمعة، إضافة إلي قانون الطواريء الذي حول الحياة إلي جحيم لا يطاق..وقد مكنت هذه السياسة نظام المخلوع أن يبسط قبضته وسيطرته علي معظم عناصر الجماعة الوطنية، وأن يهيمن علي مقاليد الأمور في البلاد، فلا رقيب ولاحسيب..والحال هكذا، انطلق نظام المخلوع يعيث في الأرض فسادا في كل مناحي الحياة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقامت ثورة الـ 25 من يناير، من خلال تكاتف وتضافر جهود كل عناصر الجماعة الوطنية، حيث أسقط الشعب المصري رأس النظام وبدأ يتنسم عبير الحرية..لكن، جاءت التعديلات الدستورية والاستفتاء عليها، فانقسمت الجماعة الوطنية إلي فريقين، الإسلاميين والعلمانيين..ومنذ ذلك التاريخ والشرخ يتسع ويزداد عمقا..واتضح للجماعة الوطنية أن ثقافة نظام المخلوع، من شك وريبة وتخوين وعمالة مازالت جذورها ممتدة في المجتمع المصري، وأن شبكات الفساد والاستبداد باقية في معظم الوزارات والمؤسسات والهيئات، وأن الثورة لم تنفذ بعد إليها..أضيف إلي هذا الشرخ، شرخ آخر ربما كان أكثر حدة، فهناك قوي ثورية تري أن الثورة لم تحقق أهدافها بعد، ومن ثم يجب ألا تغادر الميدان، وقوي إصلاحية محافظة تري أن الثورة حققت أبرز أهدافها وعلي الجماعة الوطنية أن تبدأ ببناء المؤسسات الديمقراطية التي تستكمل عملية التغيير.عند أي حدث أو منعطف، والمنعطفات كثيرة، لوحظ أن ثقافة المخلوع تبدأ في التحرك والظهور والبروز بأجلي وأوضح معانيها، وهي الإنقسام والتشرذم والتشظي، والتخوين والاتهام بالعمالة والاستقواء بالخارج..إلخ. لوحظ ذلك في مذبحة ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء واستاد بورسعيد ومحمد محمود الثانية والعباسية، حتي يوم الاحتفاء بمرور عام علي الثورة.عقب ظهور نتيجة انتخابات الجولة الأولي لانتخابات الرئاسة، وبعد صدور الأحكام في قضية القرن، ثارت الجماهير في ميادين مصر..وفي ميدان التحرير اجتمع الناس حول أن تكون هناك محاكم ثورية، وضرورة تطبيق قانون العزل لاستبعاد الفريق شفيق من دخول جولة الإعادة مع الدكتور مرسي، وبالتالي إعادة انتخابات الرئاسة بين الإثني عشر مرشحا..فوجئنا أيضا بمن يطرح فكرة تشكيل مجلس رئاسي، ومعني هذا أن نعود إلي المربع رقم صفر..وكما هي العادة، تفاوتت الآراء، وتباينت الرؤي والأفكار، وأصبح لكل طرف موقفه.يوم الخميس القادم (14 يونية 2012) سوف تقول المحكمة الدستورية العليا كلمتها في أمرين، الأول مدي دستورية قانون العزل، والثاني مدي دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب..أتوقع أن تصدرالمحكمة حكمها بعدم دستورية الأول، وربما تؤجل إصدار حكمها بخصوص الثاني، ومن ثم يمكن أن تمضي انتخابات جولة الإعادة إلي نهايتها، وهذا ما أراه أكثر ملاءمة لنا، بل حلا واقعيا في ظل الأوضاع المرتبكة والمربكة التي نعيشها حاليا، ونسأل الله السلامة.