السفير طارق الأنصاري يكتب: الجندي المصري في حرب أكتوبر 1973 ملهم للعالم.. وإلهام المصريين لا ينضب
اعتدت أن أتأمل بحرص، تفاصيل الشارع المصرى، عند تجولى بالقاهرة، بنشاطها ليلًا ونهارًا، يردد أهلها جملة صباح الفل ومساء الورد باللكنة المصرية المميزة، التى تنطلق معها طاقة إيجابية مميزة.
وهنا أقف قليلًا عندما أستذكر الإنسان المصرى ودوره، فالإلهام المصرى ليس وليد اليوم ولا الأمس القريب، إنه ضارب بجذوره فى التاريخ، هو إلهام مستمر لا ينضب معينه ولا تحده حدود ولا يقف عند مرحلة معينة، إنه نبع متدفق وخلاق فى المجالات كافة.
فقد أضاءت الحضارة المصرية القديمة بإبداعها فى فنون الطب والهندسة والزراعة والتشييد جنبات العالم وكانت مصدر إلهام للعديد من المهتمين بالمعرفة والحضارات والعلوم، بفضل إبداع الإنسان المصرى فى شتى المجالات.
ولعل من زار المتحف القومى للحضارة المصرية أو المتحف المصرى الكبير يرى ويعيش تلك الحقبة الساحرة من التاريخ.
يكفى أن فكرة التوحيد والإيمان بوجود إله واحد كان أول من نادى بها المصرى القديم إخناتون (1370-1349 قبل الميلاد) وألهم بها الفلاسفة الذين بنوا على هذه الفكرة وانطلقوا على أساسها للتدليل على أن للكون إلهًا واحدًا لا شريك له.
فى المجال العسكرى كانت مصر هى الصخرة التى تحطمت عليها أحلام جيوش التتار بعد انتكاسات مريرة لمدن ودول إسلامية استباحتها جيوش التتار حتى جاءت معركة عين جالوت عام 658 هجرية لتكون الهزيمة القاسية للتتار على أيدى جيش سيف الدين قطز.
كذلك كان الجندى المصرى ملهمًا للعالم عندما حطم أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر فى حرب 6 أكتوبر 1973، والتى مثلت أكبر إنجاز على أى معيار عسكرى.
وعلى المستوى الفردى كانت لطيفة النادى أول امرأة مصرية، وأول عربية، وأول إفريقية تقود طائرة فى العالم، كما تعد ثانى امرأة فى العالم تحصل على ترخيص الطيران بعد «إيميليا إيرهارت»، وقد مهدت إنجازاتها الطريق للمرأة فى المنطقة العربية كلها لدخول عالم الطيران؛ فقد عملت كأمين عام لنادى مصر للطيران، وألهمت النساء المصريات للتدريب كطيارين حتى الحرب العالمية الثانية التى لم تشهد تدريب أى امرأة كطيار إلا بعد عام 1945.
لقد توالت الحضارات والعصور والإمبراطوريات على هذا البلد الصامد، ولا يخامر العاقل أدنى شك أن يرى مثالًا حيًا على قوة هذا البلد بشعبه وروحه، فمحيط مصر الخارجى ملتهب من الجهات كافة، ومازال وسيبقى، وتدوم مصر رغم أى تحدٍ، وسيبقى المصرى يردد: الحمد لله الدنيا بخير.
وفى الآداب هناك العقاد وطه حسين والرافعى والمنفلوطى وآخرون ممن أثروا الأدب وأثروا بأفكارهم فى المجتمعات وكانوا مصدر إلهام وقدوة لآلاف الأدباء فى الوطن العربى.
ولا يسعنا المجال لذكر أسماء مثل الدكتور أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل فى الفيزياء وسميرة موسى ومصطفى مشرفة، وفى الفنون أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وسيد درويش وعشرات الأسماء التى مثلت مصدر إلهام للآخرين كل فى مجاله.
وفى الأخير فإن الشخصية الملهمة هى التى تبقى دائمًا النموذج الذى يحتذى والمثل الذى يقتدى به، ولا يزال المصرى يضرب المثل فى ذلك حتى وقتنا الحالى، عبر المشروعات القومية التى تنفذها الدولة حاليًا فى المجالات كافة رغم تعقيدات الاقتصاد العالمى والاقتصادات الوطنية.
فبحق، تحية إجلال عربية قطرية لمصر الشقيقة، التى ستحقق رؤيتها معتمدة على الإرادة الفولاذية للشعب المصرى العزيز، والتى تحول الأحلام إلى واقع مشهود.
نقلا عن مجلة نصف الدنيا
بقلم: طارق على فرج الأنصارى
سفير قطر بالقاهرة ومندوبها
الدائم لدى جامعة الدول العربية