النهار
الخميس 3 أكتوبر 2024 08:27 مـ 30 ربيع أول 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
جامعة الأزهر تشارك فى المؤتمر الأول للقيادات الطلابية الرياضية بجامعة قناة السويس مجلس الجامعة العربية يؤكد دعمه لمواقف ”جوتيريش” والمنظمات الدولية العاملة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي مجلس الجامعة العربية يدين العدوان الإسرائيلي على لبنان.. ويطالب بتقديم مساعدات مالية وعينية عاجلة لإصلاح كسر مفاجئ.. إنقطاع مياه الشرب عن عدة مناطق بشبرا الخيمة لمدة 12 ساعة الاحتلال يرتكب ثمان مجازر ضد أهالي قطاع غزة خلال الساعات الماضية ”مجاهد” يتفقد سير العمل بمحطة مياه سرياقوس المرشحة بالخانكة الأم وشقيقها والجدة كلمة السر.. وراء مقتل فران بشبين القناطر وفاة سائق بشكل مفاجئ بعد دهسه لمواطن بالدقهلية وزير العمل في حوار ”النهار”: الفترة المقبلة تشهد التركيز على استراتيجية وطنية لتعزيز السلامة والصحة المهنية في مواقع العمل آية عبد الله تطرح أحدث أغانيها ”قلبي ارتاح” فيديو أغنية فيلم عنب لإسلام إبراهيم ومحمود الليثي تتصدر تريندات مواقع التواصل الإجتماعي وزير السياحة والآثار يعقد لقاءات مهنية مع عدد من مسئولي شركات الطيران السعودية

عربي ودولي

آبي أحمد يفقد السيطرة ..انتصارات ساحقة لجبهة تحرير تيجراي على الجيش الإثيوبي

الأزمات تتفجر والبلاد تتحول إلى ساحة للاقتتال العرقى العنيف بسبب سياسات رئيس الوزراء القمعية وإصراره على تهميش الأقليات

مثل بؤرة صديدية متقيحة يتعدى أذاها الجزء المصاب إلى باقى أعضاء الجسد.. تحولت إثيوبيا إلى ساحة مفتوحة للاقتتال العرقى العنيف لتنزف دما غزيرا فى حرب أهلية شرسة بين جبهة تحرير إقليم تيجراى من ناحية وبين الجيش الفيدرالى الإثيوبى من ناحية أخرى، بدأت جولتها الأخيرة منذ نوفمبر الماضى ومازالت رحاها دائرة تحصد المزيد من الضحايا من الطرفين المتصارعين ومن المدنيين العزل فى الإقليم، ودخلت إريتريا ـ الجارة الشرقية ـ على الخط متضامنة مع الجيش الإثيوبى لترتكب فظائع ترقى إلى مرتبة جرائم الحرب بحق سكان الإقليم المتمرد.

ولا يبدو فى الأفق القريب أية إشارة على إمكانية توقف هذا الصراع الدامى، حيث تؤكد مؤشرات الحرب الدائرة إصرار الطرفين على استكمال المواجهات العسكرية الطاحنة بالأسلحة الثقيلة حتى تحسم لصالح أحدهما، ما أدى إلى مقتل الآلاف وتشريد نحو مليون شخص، بخلاف ما يزيد على 350 ألف لاجئ يعيشون فى ظروف كارثية تهددهم المجاعة.

وفى تطور خاطف للأحداث سيطرت عناصر قوات الدفاع عن إقليم تيجراى على مزيد من الأراضى الثلاثاء الماضى، بعد يوم من استعادة عاصمته ميكيلى من الجيش الإثيوبى وتعهدوا بطرد جميع «الأعداء» منه، وألقى تقدم تلك القوات على الأرض ولهجتهم المتوعدة بظلال من الشك على ما إذا كان وقف إطلاق النار الأحادى الجانب الذى أعلنته الحكومة الفدرالية قبلها بيوم واحد سيؤدى فى الواقع إلى توقف مؤقت للنزاع المستمر منذ ما يقرب من ثمانية أشهر والذى أودى بحياة الآلاف ودفع مئات الآلاف إلى حافة المجاعة.

وكان الجيش الفيدرالى الاثيوبى قد سيطر على ميكيلى فى 28 نوفمبر 2020، بعد ثلاثة أسابيع من بدء رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد بهجوم لإزاحة جبهة تيجراي.

وبرر آبى أحمد وقتها إطلاقه العملية فى تيجراى، بمهاجمة القوات الموالية لجبهة تحرير شعب تيجراى قواعد عسكرية فيدرالية.

رغم الانتصار الذى أُعلن بعد سقوط ميكيلى، إلا أن المعارك لم تتوقف يوماً بين قوات الدفاع عن تيجراى والجيش الفيدرالى الإثيوبى المدعوم من قوات إقليم أمهرة المجاور وجيش إريتريا المحاذية.

العاصفة العاتية التى هبت على إثيوبيا ـ ثانى أكبر الدول الأفريقية من حيث عدد السكان (110 ملايين نسمة) ـ وباتت تشكل تهديدا لوحدة أراضيها تحت وطأة حرب قد تتسع رقعتها لتصل إلى العاصمة أديس أبابا ومدن إثيوبية أخرى، تفرض إلقاء الضوء على أصل الصراع الذى بدأ منذ عقود، وكذا التعرف على إقليم تيجراي.

ولعل الوضع السياسى فى إثيوبيا والذى أدى إلى الصراع الحالى يعد فريدا من نوعه حيث تتعايش وتتشابك وتتصارع (أحيانا) حوالى 80 عرقية أهمها عرقيات الأمهرا والأرومو، ثم التيجراى تلك القومية التى توجد فى تسع مناطق وتتركز فى وسط وغرب إثيوبيا إلى شمال إريتريا على مساحة تزيد قليلا على المائة ألف كم مربع من مليون ومائة ألف كم مربع هى المساحة الإجمالية لإثيوبيا، وتتكون من نحو ستة ملايين نسمة أى 6% فقط من سكان إثيوبيا، ومع ذلك فقد حكمت عرقية التيجراى إثيوبيا حوالى ثلاثة عقود.

ترجع أصول إثنية التيجراى إلى اليمن وارتبط تاريخ هذه القومية بمملكة أكسوم عاصمة الحبشة الأولى مع الهجرات اليمنية، حكموا أكثر من تسعة قرون، منذ وصولهم قبل الميلاد وحتى أوائل القرن التاسع ، وبدأ النزاع المباشر بينهم وبين قومية الأمهرا بعدما أصبحوا مضطهدين، أغلبهم مسيحيون أرثوذكس بنسبة خمسة وتسعون بالمائة، وواحد فى المائة منهم ما بين بروتستانت وكاثوليك، أما الأربعة فى المائة المتبقية فمسلمون، وهم موزعون ما بين إثيوبيا وإريتريا.

برز اسم جبهة تحرير التيجراى وهى حركة نشأت ضمن الحراك الماركسى فى ستينيات القرن العشرين وتشكلت فعليا فى الثامن عشر من فبراير 1975على أساس عرقى، وجاءت انطلاقة الحركة بحفنة من الرجال بحوزتهم أربعة بنادق، وتحرك أعضاء الحركة بوعى إثنى ضد الحكومات المركزية، وكانت تهدف لتقرير مصير الإقليم داخل النظام الإثيوبى وكان هذا الهدف سببا فى خوضها حروبا ضد الحكومات المركزية آخرها الحرب التى اشتعلت فى نوفمبر الماضى وما زالت مشتعلة حتى اللحظة.

ومن جبهة تحرير تيجراى خرج رئيس الوزراء الإثيوبى الأسبق ميليس زيناوى الذى وصل إلى السلطة فى أول التسعينات بعد الإطاحة بحكم منجستو هيلا ماريام الشيوعى، وبالرغم من قلة عدد إثنية التيجراى إلا أنها تمكنت من السيطرة على مفاصل السلطة والثروة فى إثيوبيا حتى مجيء آبى أحمد.

وتكمن المشكلة فى رغبة إثنية التيجراى فى الانفصال عن إثيوبيا، بعدما فقدوا السيطرة على مفاصل الدولة الاقتصادية وبعد الصراعات مع الإثنيات الأخرى وبعد إزاحة قياداتهم العسكرية من الجيش الإثيوبى وفرار العديد منهم واعتقال الباقين.

وتبقى طبيعة الصراعات الإثنية والدينية فى إثيوبيا بالغة التعقيد والتشابك والتحول السريع، وظلت التحالفات فى هذه الخريطة المعقدة قابلة للتحولات حتى بين الأعداء التاريخيين. فقد ناضل الأرومو والتيجراى تاريخياً ضد هيمنة الأمهرا المطلقة التى امتدت منذ عهد منليك الثانى، حتى نهاية حكم هيلاسيلاسى عام 1974. كما أن الصراع بين قومية الأرومو من جهة وقوميتى الأمهرا والتيجراى من جهةٍ أخرى، يتمحور فى صورته الغالبة كصراعٍ إسلامي- مسيحى، على الرغم من الخلافات الناشبة بينهما. وعلى الرغم من أن الأمهرا والتيجراى المسيحيتين تبادلتا حكم إثيوبيا منذ قرونٍ طويلة، إلا أن قومية الأمهرا التى تغلب عليها المسيحية، وقومية الأرومو التى يغلب عليها الإسلام، تتشاركان عداء قومية التيجراى التى كانت مسيطرة حتى مجيء آبى أحمد من الأرومو.

ولا يقتصر الأمر على الرغبة الانفصالية لدى التيجراى، بل تتجاوزها إلى عدم الإحساس بالرضا لدى الإثنيات الأخرى التى دفعت إقليم الأرومو إلى الخروج فى تظاهرات حاشدة وعنيفة نهاية عام 2016، رافقتها تظاهرات فى إقليم الأمهرا، احتجاجا على تهميش «الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي» كلاً من المعارضة الرسمية وغير الرسمية، ولم تترك لبقية القوميات سوى الاحتجاج كما هى الحال فى انتفاضة الأرومو. فتحت سيطرة التيجراى أخيراً، نافذة لتعاون تكتيكى بين الأرومو والأمهرا. ومهّدت انتفاضة الأرومو والأمهرا على الرغم من العداء بينهما، لإخراج إثيوبيا من قبضة أقلية التيجراى إلى غالبية الأرومو. وهذا من شأنه أن يفتح الباب واسعاً لتحالفات قد تثير كثيراً من التساؤلات.

ولا يبدو أن آبى أحمد قادر على وضع حد لرغبات أقلية التيجراى لما عرف عنهم من قدراتهم القتالية العالية وتسليحهم الكبير الذى يؤكد قدرتهم على إطالة أمد الحرب على الحكومة الفيدرالية إلى أمد غير معلوم، فالإقليم يضم أكبر قاعدة للجيش الإثيوبى والتى تأسست فى سنوات الحرب مع إريتريا، يضاف لذلك الطبيعة الصعبة لتضاريس المنطقة الجبلية الوعرة والمعقدة التى يصعب معها على أى قوات نظامية التقدم السريع وحسم أى مواجهة عسكرية بسهولة أوإدارة حرب عصابات التى برع فيها مقاتلو التيجراى، ولهذا لم يكن أمام الجيش الإثيوبى إلا الاعتماد على الضربات الجوية فى مواجهة التمرد الشمالى من جانب جبهة تحرير التيجراى برغم الدعم اللوجيستى والعسكرى الذى وفرته الجارة إريتريا لحكومة آبيى أحمد فى المنطقة الحدودية بين البلدين.